السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جوانتانامو وصورة أميركا

جوانتانامو وصورة أميركا
17 يوليو 2008 02:19
يشكّل قرار محكمة الولايات المتحدة العليا الأخير الذي يعترف بحقوق معتقلي جوانتانامو في الاعتراض على اعتقالهم في المحاكم المدنية الأميركية -الأمر الذي قد يؤدي إلى إغلاق المعتقل بصورة دائمة- توبيخاً خطيراً لسياسات الاعتقال الخلافية التي تتبعها إدارة الرئيس ''جورج دبليو بوش''، إلا أنه يشكل أيضاً فرصة ممتازة للإدارة الحالية لأن تثبت التزامها بأمن أميركا بينما تبدأ في الوقت نفسه برأب واحد من الصدوع التي أضّرت بمكانة أميركا العالمية، وخاصة في العالم المسلم· لقد تعرضت صورة أميركا لضربة منذ ظهور دلائل على أعمال تعذيب وإساءة في جوانتانامو، إضافة إلى سجن أبوغريب في العراق، فقد احتوت هذه المعتقلات على متهمين بالإرهاب تم اعتقالهم منذ الحادي عشر من سبتمبر، وفي الوقت الذي يقول فيه المسؤولون الأميركيين إن العديد منهم مذنبون، يتساءل الناشطون في مجال حقوق الإنسان كيف يمكن التأكـــّد في غياب اتهامات محددة وإجراءات قانونية؟ معظم السجناء البالغ عددهم 270 شخصاً تقريباً والذين ما زالوا في جوانتانامـو موجودون في عهدة الولايات المتحدة منذ أكثر من ست سنوات دون أن توجه لهم أية تهمة بجريمة، حسب تقرير منظمة حقوق الإنسان الذي صدر في يونيو 2008 وعنوانه ''سجناء وحيدون: ظــروف الاعتقـــــال والصحــــة النفسيـــة في جوانتانامو''· ويسجن المتهمون في جوانتانامو تحت ظروف تصــل إلى حد العقاب القاسي غير الإنساني، الأمر الذي يشكل انتهاكات خطيرة لحقوق السجناء الإنسانية والصحية، وقد ضمت الممارسات التي استخدمت ضد السجناء الإطعام القصري لمجابهة الإضراب عن الطعام، بحيث يجري إدخال أنابيب بالقوة عبر أنوفهم، وإبقاؤهم في سجون انفرادية لفترات مطولة· وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن هذه الممارسات تصل إلى درجة التعذيب، في العام 2004 قدّم الدكتور طروبرت جاي ليفتون'' تقريراً عن ''دلائل متزايدة بأن أطباء وممرضين وطواقم طبية كانوا متساهلين وموافقين على أعمال التعذيب وغيرها من الإجراءات غير القانونية في العراق وأفغانستان وخليج جوانتانامو''، وقد اتهمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر وقتها المحققين الأميركيين بإشراكهم الطواقم الطبية في ما تسميه اللجنة ''خرقاً واضحاً للأخلاقيات الطبية''· يقضي المعتقلون في جوانتانامو ما معدله 22 ساعة يومياً وحدهم في زنزانات تفتقر إلى الضوء الطبيعي أو الهواء النقي، قد يزورهم أحياناً محامٍ أو ممثل عن الصليب الأحمر الدولي، ولكنهم إجمالاً منقطعون عن عائلاتهم وأصدقائهم وحتى عن بعضهم بعضاً· هذه الأحوال من العزل المطولة لا تنتهك الالتزامات القانونية الدولية فحسب، وإنما تستطيع كذلك أن تخلق أو تفاقم مشاكل في الصحة النفسية قد تؤدي إلى محاولات انتحار، ويقدر أنه قد وقعت أربع حالات انتحار ومئات المحاولات من قبل معتقلي جوانتانامو، ففي يونيو 2006 وُجِد ثلاثة معتقلين موتى في ما ذكرت ''البنتاجون'' أنه ''اتفاق على الانتحار على ما يبدو''، وقد ذكرت ''باربرا أولشانسكي'' من مركز الحقوق الدستورية، الذي يمثل مئات من معتقلي جوانتانامو، أن المعتقلين يعانون من ''مستوى لا يصدق من اليأس من أن يحصلوا في يوم من الأيام على العدالة''، إلا أن مدير السجن الأدميرال ''هاري هاريس'' صرح أن ذلك لم يكن ضرباً من ضروب اليأس وإنما ''عمل من أعمال الحرب التناسقية ترتكب ضدنا''· وقد تذمر العديد من السجناء الذين أطلق سراحهم من جوانتانامو من أعمال الضرب ومنعهم من النوم، والوضع لفترات طويلة في أوضاع غير مريحة، والإطعام بالقوة أو عن طريق الحقن، والإذلال الجنسي والديني، وغيرها من سوء المعاملة الجسدية والنفسية، وقد أكد محققو اللجنة العامة للصليب الأحمر هذه الاتهامات، إلا أن إدارة الرئيس بوش رفضت بإصرار النتائج التي توصلت إليها اللجنة· وصفت لجنة الصليب الأحمر الوضع في جوانتانامو في سلسلة من التقارير بأنه ''فضيحة في مجال حقوق الإنسان''؛ إلا أن قرار المحكمة العليا بتاريخ 12 يونيو يعطينا جميعاً سبباً لبعض التفاؤل، وقد علق ''كينيث روث'' -المدير التنفيذي لمنظمــــة حقوق الإنســــان- قائلا: بأن ''قرار المحكمة العليا أفرغ جوانتانامو من أسباب وجـــوده: منطقة لا قانون فيهـــا لا يستطيع فيهـــا المعتقلـــون الاحتجاج على اعتقالهم''، مضيفا بأن القرار ''لا يشكل نصراً له مكانته للعدالة فحسب، وإنما خطوة كبيرة نحــــو تأسيس سياســـة أكثـــر ذكـــاء وفاعلية ضد الإرهاب''، وقد كتب قاضي المحكمة العليا ''أنطونين سكاليا'' في معارضة له على القرار أنه سوف يؤدي ''بشكل شبه مؤكد إلى المزيد من القتلى الأميركيين، ستكــــون هذه النتيجة محتملـــة إذا كانـــت ضرورية للحفاظ على مبدأ قانوني، أُحترِم طيلة الوقت، حيوي لجمهوريتنا الدستورية، إلا أن تنــــازل هــــذه المحكمـــة الصارخ عن مبدأ كهـــذا هو الذي يـــؤدي إلى قرارنا اليوم''· إلا أن هـــذه القرارات ليســـت بالضرورة حصرية بشكل متبادل عندما يتعلق الأمر بحماية حياة المواطنين الأميركيين، والتقدم كذلك في محاولة، وعند الضرورة إدانة معتقلي جوانتانامو، وإذا وجدت المحاكم المعتقلين إما مذنبين أو أبرياء من الجرائم التي يفترض أنهم ارتكبوها وأتت بهم إلى المعتقل، فإن ذلك إنما يثبت أن حكم القانون الذي يؤيد دستور الولايات المتحدة هو نموذج ناجح، يجلب إلى العدالة هؤلاء الذين يهددون أمن أميركا ويحرر الذين تثبت براءتهم عبر الإجراءات القانونية· سيزار شلالا مستشار دولي في الصحة العامة ينشر بترتيب خاص مع خدمة كومن جراوند
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©