الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رجاءً.. لا تنسوا السوريين!

6 ابريل 2014 22:57
ديمة ونوس كاتبة سورية مقيمة في بيروت قبل ثلاث سنوات، وبعد 40 عاماً من القمع تحت نظام دكتاتوري، تجرأ السوريون على الحلم. ولكنهم لم يصدعوا بالحق فحسب، وإنما صاحوا ملء حناجرهم: «إن سوريا تريد الحرية!». ومنذ ذلك اليوم وهم يتعرضون للقتل اليومي بشكل فظيع. إننا جميعاً نتذكر ما أصاب أميركا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. لقد أنهى ذلك العمل الإرهابي أرواح 3 آلاف شخص بريء وترك في نفوس آلاف آخرين ندوباً غائرة ستلازمهم مدى الحياة، وقد شعر الملايين عبر العالم، ومنهم السوريون، بفداحة المصاب الذي أصاب أميركا. أتتذكرون مشاعر المرارة عندما أصيب الناس حول مركز التجارة العالمي بالصدمة في وقت انتشرت فيه سحب الدخان حولهم وعم جو من الخوف والذعر المكان؟ في سوريا، مات خلال السنوات الثلاث الماضية نحو 150 ألف شخص -وهو ما يشبه عيش تجربة هجمات الحادي عشر من سبتمبر كل 21 يوماً، ونتيجة لذلك، لم يعد موت ناشط تحت التعذيب من الأخبار التي تلفت انتباه أحد. وإذا كان كثيرون قد يشعرون بالحزن خارج سوريا، فإن بقية العالم تكتفي بالمشاهدة من بعيد فقط -في النهاية. فهم لا يشمون رائحة الموت ولا يسمعون صرخات الألم. وقد يدهشهم صبر السوريين وقدرتهم على الصمود في مثل هذه الظروف، ولكنهم لا يفعلون شيئاً آخر من أجلنا. وبدلاً من ذلك، أصبحوا متعودين، على غرار السوريين أنفسهم، على فكرة العيش وسط الموت والرعب. ومثل الملايين من السوريين، اضطررتُ أنا أيضاً لترك وطني وذكرياتي حيث عشت في بيروت خلال العامين الماضيين بدون أن أعرف متى ستتسنى لي العودة إلى مدينتي دمشق. وخلال الأيام الأولى، ندد المسؤولون الحكوميون عبر العالم بقصف المدنيين. وعندما بدا أن أسلحة كيماوية قد استُعملت، كادت الولايات المتحدة تتدخل. ثم أصبح الدمار هو القاعدة حيث سويت مناطق كاملة بالأرض، كما محيت البنايات وحولت إلى فضاءات مهجورة وأكوام من الأنقاض. هل تخشى «الجهاديين» والإرهابيين؟ إنا جميعا نخشاهم. ولكن، هل تعلم أن نظام الأسد «العلماني» سمح للعشرات من الإسلاميين المتطرفين بالخروج من السجن في وقت يعتقل فيه السجناء السياسيين والأشخاص الذين يدعمون الانتفاضة؟ فهذه الحكومة نفسها تقوم بتوقيف مؤسسي منظمات أهلية وعلمانية وسجنهم لأنهم يهددون بقاء نظام يعتقد أن الأسد هو السلطة الشرعية الوحيدة في سوريا. وعندما عقدت الولايات المتحدة وروسيا اتفاقاً يقضي بوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت مراقبة دولية، انصرف انتباه العالم عن معاناة السوريين. وأصبحت المأساة مثل صورة مؤثرة تنظر إليها وتثير فيك شعوراً بالتعاطف، ولكنك لا تعرف ما يجري خارج إطارها. فأنت قد ترى صورة عضو في «جبهة النصرة»، التابعة لـ«القاعدة»، وهو يقتل رجلاً أو حتى طفلاً أو امرأة، ولكن لا تستطيع أن ترى ما يحدث على بعد بضعة أمتار أو عشرات الكيلومترات من ذلك. وفي البلدان المجاورة لسوريا هناك 2,5 مليون لاجئ مسجلون لدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة، هذا علماً بأن أكثر من 6 ملايين شخص آخرين فروا من مناطقهم ولكنهم ظلوا داخل سوريا. وعلاوة على ذلك، فإن قرابة نصف سكان سوريا في حاجة إلى مساعدات إنسانية اليوم، حسب أرقام الأمم المتحدة. وتخيلوا هنا لو أن أكثر من 155 مليون أميركي كانوا في مثل هذه الحالة فقط لأنهم طالبوا بالكرامة والحرية والديمقراطية. ولكن السوريين ليسوا مجرد أرقام، بل بشر لديهم أحلام وعائلات ومشاعر. ففي وادي البقاع اللبناني، المتاخم لسوريا، التقيتُ لاجئة سورية نحيفة وطويلة في الثلاثينات من عمرها كانت ترتدي ثوباً طويلاً وفضفاضاً وكانت تحمل طفلاً في عامه الأول تقريباً. كان لديها توأم وكانت حاملاً بطفلها الثالث عندما تم استهداف منطقة الغوطة، في أطراف دمشق، بالأسلحة الكيماوية. ففرت إلى الحدود اللبنانية ولكنها اكتشفت أنها تحمل طفلاً واحداً فقط. وعندما وصلت إلى البقاع، ولدت ابنها الثالث في خيمة. سألتُها: «هل تعرفين أين هو طفلك الآخر؟»، فأومأت برأسها وقالت: «لقد ضاع». لو كانت تلك المرأة تعيش في الولايات المتحدة، لشاهدناها ربما على برنامج «أوبرا» التلفزيوني تحكي قصتها المأساوية والجمهور يكبح الدموع. والأرجح أن المشاهدين كانوا سيبكون أيضاً، سواء كانوا يشاهدون ذلك في الولايات المتحدة أو فرنسا، أو السودان أو حتى سوريا. والواقع أن الناس في سوريا يفقدون أحباءهم وأطفالهم وأصدقاءهم في كل لحظة. فلا تنسونا. شاهدوا ألمنا. فحياتنا معروضة لمن يرغب في أن يشاهدها. شاهدوا قدر ما تستطيعون تحمله. ولكن تذكروا أننا نُقتل وبيوتنا تُدمر، وأننا نرغم على الفرار والعيش في خيام. ولكن لا تنسوا أنه على رغم أننا نعاني الجور، فإن لدينا كرامة. وتذكروا أننا عشنا كل حياتنا كأرقام وأوراق يلعبها النظام في حروبه الصغيرة والكبيرة، داخلياً وخارجياً. إننا نعلم أن الرئيس أوباما أعيد انتخابه لأسباب داخلية وأن الأميركيين تعبوا وملوا من السياسة الخارجية، ولكننا نأمل ألا يطوي الشعب السوري النسيان. إن السوريين يحلمون بالعيش في دولة ديمقراطية وباختيار زعيمهم. كما نحلم بألا نتعرض للقتل. فهل ذلك صعب جداً؟ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©