الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السويدي أولف ستارك: في فلسطين وجدت «بيضة الشمس»!

السويدي أولف ستارك: في فلسطين وجدت «بيضة الشمس»!
30 مارس 2011 20:08
الأم والنوارس البيضاء وأستريد ليندجرين فتحت خيال الطفل أولف ستارك وأطلقته إلى مدياته القصوى، هناك، في الجزر التي تمتلئ بالنوارس البيضاء في فصل الصيف، كان الطفل أولف ستارك الذي سيغدو في ما بعد واحداً من أهم كتاب أدب الطفل في السويد والدول الاسكندنافية، يرى النوارس تطير في السماء، وفي طيرانها تحكي له القصص والحكايات الجميلة التي ستبقى في أعماقه. أما الأم، تلك الحكاءة الساحرة فكانت تأخذه في حكاياته مثل الُمنوَّم مغناطيسياً الى تخوم ملونة، الى عوالم قزحية تتجسد له فيها الكائنات الخرافية كما لو أنها حقيقة يلمسها بيديه ويراها بعينيه... وأما أستريد ليندجرين فأخذته من يديه الى باب الخيال وفتحته له على مصراعيه، وقالت له: أعبر. من يومها لم يعد الطفل من تلك العوالم، كبر فيها وكبرت معه، وصارت لعبته التي يدخل إليها هو الآخر قراءه من الأطفال. من تلك الكتب تشكل وعيه، وما زال يذكر كتاب “بيضة الشمس” الذي سرح خياله في عوالمه المنداحة في اتساع لا متناهٍ، وأوغل بعيداً في دروب سيجد لها صدىً ودلالات مختلفة في دروب الأزقة التي جال فيها خلال رحلته الى فلسطين... كيف؟ إليكم التفاصيل... من الطفولة أردت لهذا الحوار أن يبدأ، من تلك الذاكرة الملأى بالصور والأخيلة والحكايات الشعبية التي تشتهر السويد بالكثير منها، من أثرها في تشكيل وعي أولف ستارك وبالتالي أثرها على كتابته، فقال: أمي.. إنها أمي من فتح خيالي إلى أقصاه بقصصها وحكاياتها الخيالية التي كانت تسردها لي، فيما كان والدي يطلب منها أن لا ترويها لي لأنها خرافات وليست حقيقية. عندما كنا نذهب في الصيف الى الجزر (وهي عائدة شائعة لدى السويديين) كنت أرى النوارس تطير فوق الماء، وفي طيرانها كانت تحكي لي الحكايات والقصص. عندما ولدت كان هناك كتب كثيرة للأطفال في السويد، وكانت والدتي تقرؤها لي. كانت صورها جميلة ومرسومة بطريقة جذابة بحيث لم أكن أطويها بسرعة بل كنت أتأملها لساعات. كانت تلك الصور تسحرني، وما زلت أذكر إلى الآن تفاصيل كتب استريد ليندجرين، الكاتبة الشهيرة التي أثرت فيَّ كثيراً بل في أجيال كاملة، واتسع تأثيرها ليمتد الى أوروبا وليس السويد فقط. ولو سألتِ الآن أي شخص سيقول لك إن كتب هذه الكاتبة الرائعة موجودة في داخله. لقد صنعت لها عالماً خاصاً بها وصارت تعرف به. حكايات البرتقال في فلسطين، سيلتقي أولف ستارك مع عوالم الطفولة مرة أخرى، ومع “بيضة الشمس” التي قرأ عنها ذات يوم في قصة تتحدث عن برتقالة سقطت فجأة في الغابة واجتمع حولها كل من في الغابة وهم يسألون: من أين جاءت هذه؟ ولأنهم لا يعرفون شيئاً عنها ظنوا أنها بيضة الشمس. هذه القصة، يقول ستارك، كانت السبب في اتساع خيالي. من الغريب أنني وجدت البرتقالة تنتظرني في فلسطين أيضاً. يدهشني كيف تتكرر الرموز في الأماكن المختلفة. في فلسطين وجدت البرتقال كائناً ميثولوجياً متجذراً في حكايات الفلسطينيين... لم يقرأ اولف ستارك كتاب الشهيد غسان كنفاني “أرض البرتقال الحزين” وما فيها من حمولات إنسانية ورهافة فنية، ويبدو أنه لم يكن مضطراً لذلك، فالبرتقالة وحدها تكفلت بأن تحدثه عن نفسها. لم يبق اولف ستارك في فلسطين سوى عشرة أيام لكنها كانت بالفعل “رائعة” حسب وصفه، وفي الوقت نفسه كانت كافية لتفتح عينيه على ما يحدث هناك، ولتحرك رغبته في الكتابة عن هؤلاء الأطفال الذين لا يعرفون المستحيل، ويصور لهم خيالهم الطفولي أن باستطاعتهم عمل أي شيء. يقول أولف: “ذهبت إلى فلسطين مع منى هيننج (مثقفة سويدية من أصل أردني تعنى بنشر أدب الأطفال وترجمة الكتب السويدية الى العربية) بدعوة من وزارة الثقافة الفلسطينية، وأظن أن الفضل في هذه الزيارة يعود إلى الكاتب والقاص محمود شقير. قضيت أسبوعاً في رام الله وباقي الأيام في القدس الشرقية، برفقة سيدتين فلسطينيتين :إحداهما فنانة والثانية صحفية، ومن خلالهما التقيت بالكثير من الأطفال الفلسطينيين من أماكن مختلفة. في حي الشيخ جراح بالقدس رأيت الأطفال الذين طردوا من منازلهم ليعيشوا في خيمة لا تختلف عن العراء في شيء. كان الجو بارداً والمطر يزيد الأمور تعقيداً. كان الأطفال يشيرون بأصابعهم الى الطرف الآخر من الشارع ويقولون: هناك بيوتنا، كنا نعيش هناك”. لم تكن عوالم الأطفال الفلسطينيين المطرودين من بيوتهم ملونة إلا في رسوماتهم التي كانت تتسع لأحلامهم وآمالهم. كان من السهل، يقول اولف ستارك، ملاحظة كم تحضر البيوت في رسوماتهم. على الورق رأيت حنينهم إلى بيوتهم الضائعة أو فردوسهم المفقود. في مكان آخر رأيت أطفالاً لا بيوت لهم يجتمعون في الطرقات والأزقة والشوارع خوفاً من مداهمة الجنود، ورأيت اطفالاً يصطحبون كلباً ضالاً من الكلاب البرية التي غالباً ما يطردها الناس. كانوا يعاملونه بحنان كبير وكأنه صديقهم. خيل إلي أن بين الاثنين: الأطفال والكلب شيء ما مشترك. هو مطارد وهم مطاردون. ومن هنا برز دور الكلب في قصتي”. بانتهائها الواقعي لم تنته رحلة أولف إلى فلسطين وأطفالها بل بدأت... بدأت على شكل أسئلة ملحة تدفعه للكتابة عن التجربة وتجسيد ما رآه، ولتنتهي بقصته “الصبي والصبية والجدار” التي أثارت جدلاً واسعاً في السويد. كان بوسعه أن يكتب مقالاً في الصحف السويدية لكنه سيكون حكراً على السويديين ولن يقرأه غيرهم حسب قوله. تذكَّر المكتبات التي زارها وحاجة الأطفال في فلسطين إلى الكتب، ولأنه يكتب للأطفال قرر أن يكتب قصتهم، وهكذا، يقول اولف، “شعرت أن بإمكاني إرسال هذه الرسالة الى السويديين وإلى الجاليات العربية المقيمة في السويد أيضاً. وأتمنى أن يصل هذا الكتاب الى أطفال فلسطين، فقد كتب لهم وعنهم قبل أي شيء آخر”. الشعر ذائباً في النص إذا سألت أولف ستارك عن علاقته بالقضية الفلسطينية قبل كتابة القصة سوف يقول لك إن القضية الفلسطينية حاضرة في السويد لا سيما أثناء حكومة الاشتراكيين السابقة، وسيذكرك بموقف أولف بالمة رئيس الوزراء السابق الذي كان مؤيداً للحقوق الفلسطينية ولكنه مع ذلك، ينبه إلى أن كتابه ليس سياسياً ولا هو ريبورتاج صحفي بل عمل إبداعي وكتاب أدبي للأطفال حاول أن يجعله أقرب ما يمكن إلى حياتهم ومعاناتهم. في الحقيقة، لم يدخر الكاتب وسعه في استخدام لغة جميلة وموحية ومفتوحة على الخيال. من هنا، ربما، تحضر أشعار محمود درويش بهذه السهولة الممتنعة، تذوب في النص بلا إقحام، تشربه كما تشرب الأرض قطرات المطر، أما علاقته بمحمود درويش وشعره فبدأت في فبراير من العام الماضي، عندما ترجمت دار المنى دواوين محمود درويش (لماذا تركت الحصان وحيداً؟) و (حالة حصار) و (سرير الغريبة) الى السويدية. قرأها بعد عودته من فلسطين فأبكته، ووقع على مكامن الجمال فيها، وعلى سحر تلك القوة الكامنة فيها من الخيال والأسطورة والقدرة على المقاومة بالكلمات. شعر أن بإمكان هذا الشعر أن يضيف إلى قصته الكثير، فالشعر عنصر مهم في الكتابة للطفل ويثري العمل. فضلاً عن ما يعكسه من قدرة الكلمات على المقاومة. إلى الشعرية الواضحة، ثمة شيء آخر يميز كتابة أولف ستارك: السخرية، فمهما كانت جدية الموضوع الذي يعالجه في قصصه فإنه لا ينسى أن يسرّب فيه تلك الجرعة الجميلة من المرح والسخرية. في تجربته الفلسطينية هذه انتهج نفس النهج، لقد أراد أن يخفف من قسوة الواقع ببعض الفكاهة التي يقول إن هدفه منها “أن يعيد لأطفال فلسطين الضحكة، فهم يبتسمون لكنهم لا يضحكون”. وعن السبل التي يمكن أن تجعل كتاباً للطفل ناجحاً يقول: العفوية وعدم التصنع هي أقرب الطرق للوصول الى الطفل. لا بد لمن يكتب للأطفال أن يكتب بصدق، من أعماقه، من داخله، تماماً كما في الكتابة للكبار. لا شيء يؤثر على الطفل مثل الصدق والعفوية. ربما على كاتب الأطفال أن لا ينسى ذلك الطفل الذي يسكن في داخله، عندها تكون لغته أشبه بمعجزة فضية، لأن من حقه أن يكون ساذجاً، وباستطاعته الاستفادة من سذاجة الأطفال، توظيفها واللعب عليها”. لا ينسى أولف ستارك الإشارة إلى أن كتب الأطفال في السويد تعاني مثل غيرها في دول العالم، ولم تعد الآن بتلك الجمالية التي كانت عليها حين كان هو طفلاً، مرجعاً ذلك الى رغبة بعض الناشرين في تحقيق الربح السريع حتى على حساب الفنيات والمضامين الجيدة، مؤكداً أن “كتاب الطفل الجيدون هم محاربون حقيقيون وعليهم أن يدافعوا عن الإبداع الجيد”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©