الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رينان .. نظرته العنصرية بذرت بذور الكراهية بين الإسلام والغرب

رينان .. نظرته العنصرية بذرت بذور الكراهية بين الإسلام والغرب
25 مايو 2017 17:03
بدأ النقاش الحديث حول الإسلام في العام 1883، بعد محاضرة ساخنة قدمها أرنست رينان . سببت أراؤه رداً سريعاً من أحد كبار مثقفي ذلك العصر المسلمين ،الأفغاني . في 29 مايو 1883 قدم المؤرخ والمتخصص في الأديان أرنست رينان محاضرته في السوربون . واليوم ، في المانيا ، يرتبط اسمه ، قبل أي شيء، بعمله (( ماهي الأمة؟))، وليس بعمله الآخر الذي حقق شهرة واسعة في أوروبا (( حياة يسوع )). فضلا عن ((تاريخ المسيحية))، درس تاريخ اليهودية . وبالمقارنة ، لا يحتل الإسلام إلا بعض صفحات في عمله الضخم ، بيد أن هذه الصفحات موجودة حقا . في تلك الأمسية البعيدة، كان عنوان محاضرته «الإسلاموية والعلم»، ذلك العنوان الذي سيولد نقاشاً متواصلاً حتى اليوم. ففي القرن التاسع عشر، كان العلم هو الأساس ورينان يعتبره جوهر الحداثة. في الدول الإسلامية، بالمقابل، لم ير سوى «العجز الفكري للأفكار». بالنسبة له، الخطأ راجع إلى الإسلام. فالتربية والثقافة الإسلاميتين، اللتين تبعدان المسلمين عن العلوم، تجعلهم عاجزين عن «عدم تعلم أي شيء وعدم الانفتاح على أي فكرة جديدة». نظرة عرقيّة لاحظت الفيلسوفة هانا آرندت بعد ذلك بفترة أن رينان أول من قابل بشدة في كتاباته بين «عرقين». وبحسب بنائه «العلمي» المتهور، منحت التخيلات الآرية أو الأندو- أوروبية للعالم ميثولوجيات مكنت الفلسفة والعلم من التطور. بخلاف ذلك، الساميون: نشروا الوحدانية، الإيمان بالإله الواحد، إيمان ولد من الجبل المتسق الشكل المنتصب في الصحراء. الصحراء، شبه الجزيرة العربية، التي ينشغل رينان عنها بصورة أقل بالضفة الغربية (يهودا). في نظره، العرب والمسلمون يجسدون مفهوم السامية. لأنهم ودينهم، يمثلون الصرامة، غياب التخيل والدعابة، الاستقرار والتعصب. من خلال هذه الرؤية، يتجاهل العصر الذهبي للإسلام. في ذلك العصر، قام الخلفاء بترجمة معارف الكتاب القدامى وشجعوا العلوم والفنون. «هذه الحركة البحثية الرائعة»، تمثل، من وجهة نظره، أعمال الزرادشتيين، المسيحيين، اليهود، والمسلمين القلائل الذين «تمردوا باطنياً على دينهم». ولو كان الإسلام منغلقاً للغاية، خلال هذه المرحلة المباركة، لكان أنهى الفلسفة والعلم على كل الأراضي التي يسيطر عليها. بشكل موازٍ، يرفض رينان في الإسلام مكانة الدين المنزل. في عينيه، لا يتعلق الأمر إلا بأيديولوجيا سياسية لا يمكننا مقارنتها بالمسيحية أو اليهودية. كأنه لا يرى إلا المذهب الوهابي الصارم في الجزيرة العربية، الذي قام مناصروه، في بداية القرن التاسع عشر، بهدم كل المقابر المقدسة لدى الشيعة، وأيضاً لدى صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم)، على اعتبار أنها تماثل عبادة الأوثان. فردّ الحاكم القوي لامبراطورية العالم الإسلامي، سلطان أسطنبول، بقوة وعاقب بقسوة هؤلاء المتعصبين المتلفين للرموز الدينية، حتى أن القضاة المسلمون عصرذاك لعنوهم، ورأوهم كـ بدو جهلاء. بيد أن رينان وبعض الباحثين الأوروبيين اعتقدوا أن المذهب الراديكالي للوهابيين هو جوهر الإسلام الوحيد. معارضة إسلامية دوماً، قدم المؤرخ أطروحاته التي لا تحتوي على شيء حديث في الحقيقة، أمام جمهور مثقف. ولكن، في عام 1883، قوبلت بمعارضة قوية، من المسلمين أنفسهم على وجه التحديد. أبرز معارضي رينان في هذا الجدال هو الرجل الذي حثه على إعطاء محاضرته: جمال الدين الأفغاني، مثقف مشهور ومناضل مناهض للكولونيالية. وأيضاً، العلامة التركي نامق كمال (1) ومفتي سان بطرسبرغ عطاء الله بايزيدوف Ataullah Bajazitow اللذان فندا أطروحاته. لم يميز رينان النخبة الجديدة من العلماء والمثقفين الذين ظهروا في العالم الإسلامي، وهم من الرجال الذين تابعوا نفس الموضوعات التي يدرسها نظراؤهم الغربيون – ببساطة من خلال منظور معكوس ــ فبينما كان رينان يسعى إلى شرح تفوق الأوروبيين (الفرنسيين، الإنجليز والألمان) ارتكاناً على «أصولهم»، أخذ علماء الشرق يبحثون عن الأسباب التي أفقدت حضارتهم عظمتها الماضوية. لا يرون في بلادهم إلا الانحطاط والرجعية – دوماً مقارنة بالتفوق التكنولوجي في أوروبا – ويرجعون السبب إلى الفهم الشائع للإسلام في ذلك الوقت، ويتمنون «تحديث» دينهم، بقول آخر جعله متوائماً مع الحداثة الأوروبية. الأفغاني، الأكثر نشاطاً وسطهم. قدم من بلاد فارس، حتى وإن حمل طوال حياته لقب الأفغاني، ينتمي إلى الغالبية السنية وليس الأقلية الشيعية. على اعتبار أنه «سيد»، يرجع نسبه إلى آل البيت. يحسب نفسه فيلسوفاً إسلامياً ويرجع إلى ابن رشد الذي أثر بصورة قوية، خلال القرن الثاني عشر، في أوروبا المسيحية بشروحاته عن أرسطو. عرض الأفغاني برنامجاً مزدوجاً: من ناحية أولى، يريد إصلاح وتجديد الإسلام، من ناحية ثانية، يراقب بقلق الدعاوى الكولونيالية، البريطانية على وجه التحديد، في الأراضي الإسلامية. كشاب، رأى، في الهند، السلطة الكولونيالية تحبط بوحشية كبيرة ثورة الجنود الهنود. بسبب هذا التهديد، من الضروري توحيد وتقوية جماعة المؤمنين، الأمة. أخذ الأفغاني يجوب العالم الإسلامي. من كابول إلى طهران، من القاهرة إلى إسطنبول، سعى إلى جذب القادة والشعوب لأفكاره، ولكن في كل مرة ينتهي الأمر بنفيه، وطرده. لم يعرف الحكام إلا أن هذا المحرض خطر عليهم. حتى أن الاستخبارات البريطانية لم تجعله يغيب عن أعينها. حينما وصل إلى باريس (في عام 1883)، استقبله عدد من أنصاره، الذين اجتمعوا حوله في مصر، ومن ضمنهم يهودي وبعض المسيحيين. هم أيضاً، كانوا منفيين، ويصدرون مجلات في باريس على أمل التأثير في وطنهم. أحد هؤلاء المنفيين يكتب في «صحيفة ديبا» الشهيرة، التي يكتب فيها رينان أيضاً. وبواسطته قابل رينان الأفغاني، الذي بين عن كونه خصماً له وزنه. مشتركات هناك كثير من الأشياء المشتركة بينهما. الاثنان يتحدران من وسط متواضع، مرا بنفس المسعى: رينان ابن لصياد بروتاني (إقليم فرنسي)، الأفغاني ريفي. الاثنان وقعا في نزاع مع طائفتهما الدينية. الكنيسة الكاثوليكية عملت على سحب كرسي تدريس العبرية بالكوليج دو فرانس من رينان، بينما قام شيخ الإسلام في إسطنبول بشطب الأفغاني من سجل معلميه وساهم في نفيه. خطيبان مفوهان، يسعيان إلى الاقتراب من السلطة: سافر رينان مع الإمبراطور نابوليون الثالث، الأفغاني ضيف شاه بلاد فارس والسلطان العثماني. على وجه الخصوص، الأفغاني ممثل الفلسفة الإسلامية لابن رشد، التي كانت أطروحة دكتوراه رينان. تأثر المؤرخ الفرنسي كثيراً بمحاوره. لا يراه مسلماً، وإنما ممثلاً «للجنس الآري» وفيلسوفاً، شيء من ابن رشد يبعث من جديد. من الصحيح أن الأفغاني، في الصراع الدائر بين الفلسفة والتيولوجيا، ارتبط بالفلسفة. بيد أنه كان يرى نفسه مصلحاً. بفضل ابن رشد، دافع عن فكرة حاجة الناس إلى هوية دينية، بينما تستطيع النخبة التفرغ للأسئلة الفلسفية. لم يترك هجوم رينان على العرب، والمسلمين والإسلام بلا إجابة. أرسل الأفغاني رداً إلى إدارة تحرير «صحيفة ديه ديبا»، وفيه قوض بلياقة وتهكم رهيف أطروحات رينان. براهينه تقرأ اليوم كأنها حديثة للغاية. قبالة النظرية الجوهرية وعنصرية رينان، وضع وجهة نظر تاريخية، تضع في حسبانها التطور في المدى الطويل. الإسلام، كما ذكر، أكثر شباباً من المسيحية بقرون عدة. لماذا لم ينجح المسلمون إذن في ما توصل إليه المسيحيون اليوم؟ من الضروري، حسب وجهة نظره، معرفة أن «بهذه المعرفة الدينية، سواء كانت إسلامية، أو مسيحية أو معرفة وثنية، خرجت الأمم من البربرية، واتجهت إلى حضارة أكثر تقدماً». بالنسبة للأفغاني، الأديان كلها تتشابه في تمنيها تدمير الفلسفة والفكر الحر. الدوغما الدينية، في نظره «استعباد ثقيل للغاية وإذلالي للغاية». هذا النقد للدين، والقائم في حضن دفاعه عن الإسلام، حقق تمرداً بين مسلمي باريس. وإذا كان من الطبيعي تمزيق مخطوطات المفكر، فإنه فضل الامتناع عن نشر نصه. في نفس العام، ترجمت محاضرة رينان إلى أكثر من لغة وعرفت انتشاراً كبيراً، حتى في الشرق نفسه. في مصر، لم ينشر رد الأفغاني النقدي للدين إلا مؤخراً بالعربية. حتى اليوم، كانت الصورة المهيمنة، تلك المتعلقة بالمدافع البطولي عن الإسلام، التيولوجي التقي. وجوده المتقلب، المغامر، المغلف بالخفايا، ساهم في إعلاء سوء الفهم. وهكذا هل يمكن أن نرى فيه شخصية سابقة على أسامة بن لادن. من الصحيح أنه لم يكن سلمياً، وأن أحد أتباعه قام بالعدوان على شاه بلاد فارس (قام المفكر من فوره بالتبرؤ من فعلته). بيد أنه كان يعتبر نفسه مصلح السنة والشيعة، ينادي بوحدة جميع المسلمين وليس إلى اضطهاد الهراطقة وغير المؤمنين، مثلما يفعل الداعشيّون اليوم. الإسلام الذي يدافع عنه «إسلام العقل». ولهذا أبدى شيئا من الشكوكية تجاه كل أشكال الورع في حال كانت هذه الأشكال صورة للرجعية والخرافة. لا يمكن النظر إلى الأفغاني كمناصر للوهابية. إسلامه الفلسفي واهتمامه بالصوفية متوافقان إلى حد ضعيف مع الصور المصغرة وقصر النظر العقائدي المتطور في الحلقات السلفية. بشر بتوافق الإسلام مع قيم الغرب وأفكاره الطليعية على قاعدة الهوية الإسلامية المتينة. الحقيقة أن رينان وعلماء آخرين رأوا في الوهابية «جوهر الإسلام» في عصر كانت فيه هامشية ومستبعدة، وفي وقت كان الأفغاني يطرح خلاله وجهة نظر مغايرة، وهذا يتبدى اليوم كسخرية التاريخ. ولذلك، في هذا الصدد، تمكنت أطروحات رينان من البقاء منذ أكثر من قرن في الغرب. هذا النقاش الحديث الأول عن الإسلام (الذي خلف نقاشات أخرى دارت بين مسيحيين ومسلمين في العصر الوسيط) وضع قواعد المواجهة بين الإسلام والغرب مثل تلك التي نعرفها في الوقت الحالي. لقد بين أن هؤلاء العلماء الأوروبيين هم من «أسلموا» الإسلام، وعرضوه كالغريم المطلق للغرب. محبطين من أوروبا، انتبه المثقفون المسلمون إلى هذه الازدواجية العرقية لكي يبتعدوا نهائياً عن الغرب. وهكذا تأكد الابتعاد. في الوقت الحاضر، يتبدى النقاش المفتوح من قبل رينان مثل «تجربة تمثيلية» عامة عن العلاقة المعاصرة لأوروبا بالشرق. هذه الصفحة لم تنطو بعد. تشابهات الأفغاني ورينان هناك كثير من الأشياء المشتركة بين الأفغاني ورينان؛ الاثنان يتحدران من وسط متواضع، مرا بالمسعى نفسه: رينان ابن لصياد بروتاني (إقليم فرنسي)، والأفغاني ريفي. الاثنان وقعا في نزاع مع طائفتهما الدينية؛ الكنيسة الكاثوليكية عملت على سحب كرسي تدريس العبرية في الكوليج دو فرانس من رينان، بينما قام شيخ الإسلام في إسطنبول بشطب الأفغاني من سجل معلميه وساهم في نفيه. كلاهما خطيب مفوه، يسعى إلى الاقتراب من السلطة: سافر رينان مع الإمبراطور نابليون الثالث، وكان الأفغاني ضيف شاه بلاد فارس والسلطان العثماني. على وجه الخصوص، الأفغاني ممثل الفلسفة الإسلامية لابن رشد، التي كانت أطروحة دكتوراه رينان. تأثر المؤرخ الفرنسي كثيراً بمحاوره. لكنه لا يراه مسلماً، وإنما ممثلاً «للجنس الآري» وفيلسوفاً، شيء من ابن رشد يبعث من جديد. إصلاح وتوحيد الأفغاني كان يحسب نفسه فيلسوفاً إسلامياً ويرجع إلى ابن رشد الذي أثر بصورة قوية، خلال القرن الثاني عشر، في أوروبا المسيحية بشروحاته عن أرسطو. عرض الأفغاني برنامجاً مزدوجاً: من ناحية أولى، يريد إصلاح وتجديد الإسلام، من ناحية ثانية، يراقب بقلق الدعاوى الكولونيالية، البريطانية على وجه التحديد، في الأراضي الإسلامية. ورأى أن من الضروري توحيد وتقوية جماعة المؤمنين، الأمة، فأخذ يجوب العالم الإسلامي. من كابول إلى طهران، من القاهرة إلى إسطنبول، لجذب القادة والشعوب لأفكاره، ولكن في كل مرة ينتهي الأمر بنفيه، وطرده. لم يعرف الحكام، إلا أن هذا المحرض خطر عليهم. حتى أن الاستخبارات البريطانية لم تجعله يغيب عن أعينها. ..................................................... (*) برغيت شيبلر، مؤرخة ألمانية متخصصة في تاريخ الإسلام والشرق الأوسط. تشغل في جامعة إيرفورت المقعد الوحيد في ألمانيا الخاص بتاريخ آسيا الصغرى. (*)Birgit Sch?bler, Renan, théoricien de l’islamophobie, Books, Novembre-Décembre 2016, Nr 80. (1) محمد نامق كمال (1840-1888)، أديب وسياسي تركي. يعتبر من رواد القومية التركية. اشتهر بلقبي «شاعر الوطن» و«شاعر الحرية». من أشهر أعماله الأدبية: رواية «انتباه». أثرت كتاباته على مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©