الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رواية تجارية

رواية تجارية
16 سبتمبر 2009 23:17
ربما كان المثال الأشهر في الفارق بين الرواية الجماهيرية ورواية الفن الأصيل الذي لا يحقق الجماهيرية نفسها هو الفارق بين رواية نجيب محفوظ «ميرامار» أو «ثرثرة فوق النيل» ورواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني. الأولى واحدة من الروايات التي أوصلت نجيب محفوظ إلى العالمية ومن ثم «نوبل»، والثانية ما إن عرفت طبعتها المحدودة (500 نسخة) التي غامرت بإصدارها دار ميريت، حتى حققت شهرة سريعة ولفتت أنظار القارئ حتى قبل أن تصدر طبعتها الثانية عند «مدبولي». وأخذت الرواية طريقها في سرعة لم يتوقعها أحد، وكتب عنها الكثيرون الذين وجد كل منهم ما يشتهيه، فالرواية جيدة في بنائها، متكاملة في صنعتها التي أنجزها شاب هو تلميذ مجتهد لنجيب محفوظ، وضع عينه على «ميرامار» التي تدور على غرق بنسيون تملكه أجنبية.. لاحظ أن «عمارة يعقوبيان» منسوبة لأجنبي كذلك، وتجمع أبطالا هم أنماط تمثل طوائف الشعب المصري بأجياله المتعاقبة وطبقاته المختلفة وطموحاته المتعارضة، وهي أنماط يجمعها بنسيون «ميرامار» حيث يدور الصراع حول من يفوز بـ»زهرة» الفلاحة الجميلة التي جاءت من الريف لتعمل في مدينة الإسكندرية بحثا عن مستقبل واعد، وينتهي الصراع باكتشاف كذب الذي فاز بقلب «زهرة»، عضو الاتحاد الاشتراكي الذي مات مقتولا، وتنتهي الرواية عندما تعيد «زهرة» اكتشاف أحد أبناء طبقتها وتمضي معه، صوب مصير ترجو أن يكون ناجحا، وإلا فالكارثة التي سرعان ما دهمت المجتمع المصري سنة 1967. ويأخذ علاء الأسوانى تيمة المكان متعدد الأنماط الدالة طبقيا واقتصاديا وسياسيا، ولكنه يقلبها من مستواها الأفقي: بنسيون في دور واحد إلى مستوى رأسي، طوابق في عمارة، ويضع في كل طبقة نمطا بشريا من الأنماط التي بدأت تصعد بعد انتهاء الناصرية، ودخول مصر عصر الانفتاح في زمن السادات، وترك الروائي السطح لأشباه «زهرة» التي تنشأ قصة حب بينها وابن البواب، لكن سرعان ما تتحطم العلاقة على صخور قوانين المجتمع الجديد الذي لا يسمح لابن البواب بأن يدخل أي كلية لإعداد الضباط، مع أنه ظل يحلم وأسرته الكادحة أن يغدو ضابطا كما لو كان في ذلك نجاته على طريقة البرجوازي الصغير الذي يقوده نجيب محفوظ إلى دمار بسبب رغبته في الصعود الطبقي التي تواجه برفض عنيف من الطبقة الأعلى، وينتهي الأمر به طالبا في كلية عادية، لكن مرارته تقوده إلى المسجد، يتعزى فيه عما أصابه، فتلتقطه إحدى الجماعات الدينية المتطرفة التي تجعل منه إرهابيا ينتهي أمره برصاص الشرطة.. ولكن البناء الجيد المستفاد من الأستاذ الكبير يضم إلى جانب ذلك توابل عديدة: الشذوذ الجنسي، استغلال البنات الفقيرات اللائي يضطررن إلى بيع أنفسهن، الرشوة والفساد، الغمز واللمز الممزوج بالسخرية الخشنة من الطبقات الصاعدة التي تتاجر بالإسلام بوصفه شعارا زائفا لتبرير الربح الحرام، والتي تتاجر بالسلطة، وهناك تلك الإشارة المدنية لشخصيات بأعيانها يمكن للقارئ اللبيب أن يعرف حقيقتها، وغير ذلك من توابل لاذعة حريفة، تثير شهية القارئ مع حيل التشويق التي تلامس دوائر الفن الروائي الجاذب للقراءة. أنا شخصيا قرأت الرواية للمرة الأولى في جلسة واحدة، ولكن بعد أن انتهيت منها سألت نفسي رواية جيدة بلا شك، وتدل على روائي واعد، ولكن هل ترتفع إلى مصاف الذرى الروائية لنجيب محفوظ، أو حتى تلامذته، وجاءت الإجابة بالنفي الذي دفعني إلى وصف الرواية بأنها رواية تجارية؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©