الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حوارات حروفية بين التلوين والتشكيل

حوارات حروفية بين التلوين والتشكيل
16 سبتمبر 2009 23:06
منذ ولادة الخط العربي في بغداد على يد مشاهير الخطاطين، وخلال الرحلة التي قطعها عبر ما يزيد على عشرة قرون تمتد حتى يومنا هذا، ما يزال الخطاطون العرب يجهدون في تطويره فناً وموضوعاً، ودفعه باتجاه استخدام المزيد من الأدوات الفنية المتاحة، فكان لدينا عبر هذه المسيرة قدر هائل من التجارب والاتجاهات والمدارس، لكن ذلك لم يمنع من بروز تجارب فردية ذات مستويات فنية لا تجارى. قد شهدت السنوات الخمسون الماضية قفزات كبيرة في هذا المجال، فلم يعد التخطيط عملا وظيفيا ينطوي على أبعاد دينية، فانتقل ليصبح فنا قائما في ذاته، بل فنا قابلا باستمرار لمزيد من التطور والانطلاق إلى آفاق فنية جديدة. وهذا ما يمكن أن يلمسه في كل معرض من معارض فن الخط التي نتابعها هنا وهناك. ففي كل معرض تجارب جديدة، وفي كل تجربة جانب من جوانب التطوير. ولعل أكبر تطور أدخل على هذا الفن فن جديد هو «الحروفيات» التي تمزج الخط باللوحة الكلاسيكية. في هذا الإطار نجد محاولات عربية كثيرة في خوض التجربة، وذلك من خلال المزج بين التخطيط والحروفية، حيث يمكن للفنان من خلال هذا المزج أن يعبر عن الإمكانات الكبيرة الموجودة في المدرسة الحروفية، ويمكن أن يدمج الفنان بين مدارس واتجاهات مختلفة في تعاطيه مع الحروفية. وصار في إمكاننا مشاهد لوحة الخط العربي إلى جوار اللوحة الحروفية، فنحصل على قدر كبير من التنوع والاختلاف. في معرض «خطنا.. خط أحمر» الذي أقيم في قيادة شرطة دبي خلال الأيام الماضية اشتمل على مثل هذا التنوع، داخل تجارب الخط خصوصا، وبحضور التلوين والحروفيات بصورة عامة. وتبرز في المعرض تجارب عدد من كبار الفنانين العرب ومنهم العراقي حسن الجبوري، الخطاط المصري خليفة الشيمي، الخطاط السوداني محمد مختار جعفر، والعراقي عباس البغدادي، وعلي ندا الدوري. خطوط وألوان للحروف ومن خلال إطلالة بانورامية على الأعمال المشاركة في المعرض، فالخطاط علي ندا الدوري، مثلا، يكون خطاطا وتشكيليا في عمل له يخط به حروف الآيات القرآنية على أرضية من الأشكال الهندسية مطلية بدرجات الأحمر وظلالها البنية، ويكون خطاطا مزخرفا في عمل آخر. في حين أن أعمال حسن الجبوري تشكل امتدادا لتجربته الحروفية، التي تستند إلى رؤية خاصة في بناء العلاقة بين الحرف وأرضية اللوحة من حيث تكوينها اللوني أو من خلال لعبة الظل والنور، وهو يركز على استخدام الخط الكوفي في جميع اللوحات. والكوفي أكثر الخطوط ملاءمة للتجريد، بينما تحكم الخطوط الأخرى الفنان أكثر من حيث كلاسيكية القواعد الخطية. أحاول أن أقوم بتوزيع الكتل بما يتناسب مع المواضيع داخل اللوحة، كما أن الكتل تتيح للفنان العبور من حالة لونية إلى حالة لونية أخرى داخل اللوحة نفسها، ما يعطي انطباعات جمالية وشعورية متنوعة للجمهور. قيم الفن التشكيلي وتبرز في المعرض تجربة الخطاط السوداني محمد مختار جعفر، من خلال أعمال تنحو نحو المزج بين الخط والحروفية عبر تجربة تلوين متميزة، مستخدما الكتل والتكوينات بمقادير من التوازن التي تمنح إيقاعات خاصة جنبا إلى جنب الألوان الزاهية. وعن تجربته هذه يقول مختار: أسعى إلى الجمع بين اللوحة التي تربط بين القيم الجمالية للخط العربي وقيم الفن التشكيلي، وقد أوضحت ذلك في كتابي «روابط الخط والتشكيل» والخط هو روح الطبيعة والجمال في الوجود وأسعى إلى تطوير الخط بما يتلاءم مع التوجه الحضاري والثقافي، ويجب أن نعمل على تفعيل هذا الإرث الحضاري الإسلامي العتيق إلى إبداعات لونية جديدة ومبتكرة. ويبدو اللون شديد الحضور في حروفيات خليفة الشيمي أيضا، حيث لا يقتصر هذا الحضور على توزيع اللون في مساحات على السطح التصويري لتصنع توازنها وتناغمها، بل يتجاوز ذلك إلى ما يحمله اللون من معان في الثقافة العربية والإسلامية كالأخضر والأزرق وما لهما من دلالات في العُرْف الصوفي بخاصة. وهنا تحضر الزخرفة بالذهب في تداخلها مه جماليات الحرف. فالفنان يؤمن بأن الخط الكلاسيكي والزخرفة بالذهب يرتبطان بعلاقات جمالية من شأنها أن تظهر اللوحة في أبهى صورها. ويقول إنه – شخصياً- يعمل على اللوحات الحروفية ويشتغل على القوة الشعرية للمتنبي والإمام الشافعي من أجل أن تظهر إبداعاتهما بشكل جمالي، وإنه يعمل على صدى الكلمات في أسلوب جديد من خلال مزج اللون مع الحرف. وفي إنتاجه تلك الجماليات يبدو الحرف عند الرسام والملون خليفة الشيمي وسيطا فنيا لإنتاج كتل لونية ذات حضور خاص من ذلك النوع الذي يجذب عين الناظر إلى اللوحة لجماليات قد يدركها المشاهد وقد لا يدركها، إذ إن اللوحة من الممكن وصفها بأنها قد اكتفت بذاتها حروفيا بعيدا عن أي تأويلات، مثلما أنها هي التي تحقق ذلك «الانخطاف» للعين بوصفها جانبا من كتلة لونية ذات تكرار يتقلّب على السطح التصويري. أدوات وتقنيات حديثة عموما، فنحن هنا في أعمال المعرض التي تتعامل مع اللون، نجد خلفية من الألوان المشبعة وغير المشبعة التي تشكل تنويعات على ألوان الحروف على سطح القماشة (الكانفاس) أو الورق، هي ما ينتج صدى الحروف على السطح التصويري. كما تشيع في غالبية الأعمال أيضاً رموز دينية إسلامية عديدة في اللوحات الحروفية، إضافة إلى حضور تزييني لحركات الإعراب في اللغة العربية. وتقترب الكثير منها إلى نوع من التجريد كما هو شائع في الثقافة العربية والإسلامية، أي عبر التكرار اللامتناهي للعناصر كما في الأرابيسك مثلاً، لكن هذا التكرار للحروف في كلمات ومعان هو الذي يمنح اللوحة تجريديتها إذا جاز التوصيف، أي أن الفنان بأدواته وتقنياته وكيفية توزيعه اللون على السطح التصويري هو الذي يمنح لوحته حداثتها وراهنيتها لا تلك الكلمات والمعاني التي قد لا تحتمل التقلّب على أوجه التأويل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©