الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم البيان «15»

4 يوليو 2016 23:40
من الآثار الجليلة التي تدل على حذاقة المتكلمين، علم البيان كتاب «إعجاز القرآن» الذي ألفه أبوبكر محمد بن الطيب بن محمد جعفر بن القاسم الباقلاني الذي نشأ بالبصرة وأخذ من علمائها، وكان من أخص تلاميذ ابن مجاهد، وعنه أخذ علم الكلام وفقه مالك بن أنس وأصوله، وكان يلقب شيخ السنة ولسان الأمة، توفي سنة ثلاث وأربعمائة. أفاض الباقلاني القول فيما يوجه إلى القرآن من المطاعن التي يريد أصحابها الغض من شأن الآية الكبرى للنبوة، وهي القرآن، ثم ذكر جملة من وجوه الإعجاز عند بعض العلماء، كتصفحه الإخبار عن الغيوب التي لا يقدر على علمها البشر، ولا سبيل لهم إليها، وقد تصور الباقلاني أن سائلاً يسأل، هل يمكن أن يعرف إعجاز القرآن من جهة ما يتضمنه من البديع؟ ويجيب الباقلاني عن هذا السؤال بإيراد بعض ألوان البديع الذي هو مظهر من مظاهر الصنعة عند العلماء والأدباء والنقاد، مما عرف بعضه عند ابن المعتز وبعضه عند قدامة، وبعضه عند أبي هلال. ويعرض الباقلاني نماذج من أمثلتهم لتلك الفنون وردت في القرآن، فمن البديع في التشبيه قول امرئ القيس: له أيطلا ظبي وساقا نعامة...... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل وذلك في تشبيه أربعة أشياء بأربعة أشياء أحسن منها، والظبي هنا اسم جبل، والأيطلان الخاصرتان، والإرخاء جري فيه سهولة، والسرحان الذئب، والتقريب دون العدو، والتتقل هنا هو الثعلب نفسه لأنه يقال لولد الثعلب، ومن التشبيه الحسن في القرآن قوله تعالى: «له الجوار المنشآت في البحر كالأعلام» وهنا قراءة «له الجوار المنشآت في البحر كالأعلام»، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب، وهنا شبه السفن بالجبال، والعرب تسمى كل جبل طويل علم، ومنه قول جرير: إذا قطعنا عَلَماً بَدَا عَلَمُ، وقوله تعالى: «كأنهن بيض مكنون» والعرب تشبه النساء بالبيض، ومنه قول إمرئ القيس: وبيضة خدر لا يرام خباؤها..... تمتعت من لهو بها غير معجل ومن البديع في الاستعارة في قول امرئ القيس: وليل كموج البحر أرخى سدوله..... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي فقلت له لما تمطى بصلبه..... وأردف إعجازاً وناء بكلكل وكل هذه استعارات أتت في طول الليل وشبه امرؤ القيس ظلام الليل بأمواج البحر، ويقول: رب ليلٍ يحاكي أمواج البحر في توحشه وذكارة أمره، قد أرخى عليّ ستور ظلامه مع أنواع الأحزان وفنون الهم ليختبرني الصبر على ضروب الشدائد والفنون، فقلت لليل لما أفرط طوله وازدادت مآخيره امتداداً وتطاولاً، وأبعد صدره، أي بعد العهد بأوله، فطول الليل ينبئ عن مقاساة الأحزان. ويقول النابغة: وصدر أراح الليل عازب همه...... تضاعف فيه الحزن من كل جانب فاستعارة من إراحة الراعي إبله إلى مواضعها التي تأوي إليها بالليل، ومن الاستعارة في القرآن كثيراً، كقوله تعالى: «وأنه لذكر لك ولقومك» ويريد ما يكون الذكر شرفاً وقوله تعالى: «صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة»، ويقول الشعراوي في قوله تعالى «صبغة الله»، حيث عبر بها عن التطهير بالإيمان لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ، وتداخل في قلوبهم تداخله فيه، وصار حلية وقرينة وقيل للمشاكلة، فإن العضارى كانوا يصبغون أولادهم بماء أصفر يسمونه المعمودية، يزعمون أنه الماء الذي ولد فيه عيسى عليه السلام، ويعتقدون أنه تطهير للمولود كالختان لغيرهم، وقيل دين الله أراد. * المرجع البيان العربي - دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى - تأليف الدكتور بدوي طبانه طبعة منقحة 1972م. إياد الفاتح - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©