الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن الواقع والتنمية الثقافية

26 مارس 2012
يحتاج المشروع الثقافي الحقيقي إلى روح محرّكة، وإيمان بسمو الأهداف الثقافية التي يتطلع إليها. فالثقافة لا يمكن أن تكون عشوائية وبلا حد أدنى من الأسس من ذات الطبيعة نفسها، أي المعرفة والفكر. وكل حركة دون رؤية، وبلا منطلقات من هذا القبيل، لا بد أن تلقى واحداً من مصيرين: إما ضياع وتخبط في الأداء، أو الاصطدام بحائط مسدود مركّب من العوائق والتردد وعدم الجدوى. المشروع الثقافي الحقيقي ليس كالمشروع التجاري التقليدي، فمردود الفعل الثقافي بعيد المدى، لأنه يتعامل مع عقول وعادات ومفاهيم سائدة، وربما قناعات راسخة، فيما هو بطبيعته يسعى إلى التنمية، أي إلى التطوير والتغيير بمعنى ما. وبقدر الحاجة إلى مقدار معين من الأسس التي ينطلق منها بقدر ما يجب أن يكون المشروع الحقيقي حراً في أدائه وفي غاياته، غير مرسوم السقف سلفاً، منزهاً عن الغايات الضيقة، ولاسيما تلك التي تتوقف عند غايات "سياسية تكتيكية" أو فئوية أو ترتبط بمصير ومزاج وطموحات بعض الأشخاص. ولعل في تجربة الأنظمة الشمولية، ولا سيما في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، التي صرفت ثروات طائلة على مشاريع أسمتها ثقافية، وانخرط فيها آلاف من المثقفين، إما سعياً للتقرب من سلطة، أو تعطشا لرزق سريع، لعل فيها ما يكفي من عبر ودروس على فشل مثل هذه الأبنية الهشة من اللاثقافة بدليل أنها لم تترك أثراً حميدا باقياً حتى اليوم في إنتاجنا الثقافي- الفكري، بينما كانت تغطي الكثير من العيوب السائدة، على حساب حقوق الشعوب في الحياة الكريمة، سواء لجهة الفقر أو كبت الحريات أو التخلف العلمي. وإذا كان صحيحاً أننا لانزال نبحث – منذ قرون – عن النموذج الثقافي الذي يستطيع النهوض بنا من براثن الفتن والاقتتال والتخلف والإقصاء والانغلاق، فإن الصحيح أيضاً أننا بلغنا درجة من الإرهاق من مشاريعنا السابقة ومن الطفرة في ضحاياها، بما في ذلك فرض خيارات الصدام المباشر مع أمم أخرى بطرق عشوائية انفعالية، مثلما يحدث منذ مطلع هذا العقد، ما يستوجب الكف عن هذا المرض القاتل الذي يستمر في توسيع تطبيقاته على بعضنا بعضاً، فيجيز لنفسه الوصاية على الآخرين وفكرهم واستقلاليتهم، الفردية أو الجمعية. فمثلما جعل احتكار الكثير من الأنظمة النطق باسم الهوية (العروبة) كثيرين ينفرون منها، بما في ذلك بعض الدول والشعوب وأجيال من المثقفين، فإن كل الخشية هو أن يدفع احتكار البعض لحق النطق باسم المعتقد والدين والتعسف في استخدام هذا الحق إلى نفور من نوع أخطر وجديد. فالوصاية على الناس وفكرهم بمن في ذلك "النخب" والعلماء الآخرين، والتعسف في استخدام هذا "السلطان" الشبيه بسلطات الكنيسة في قرون الظلام الوسطى في أوروبا، تتناقض مع فطرة البشر (والإسلام دين الفطرة). إن الدين أو المعتقد لا يمكن أن يخاف الفكر. بل يجب أن يمنحنا قوة وجدلاً، لا خوفاً وتطرفاً سرعان ما ينفجران معاً في وجه الأمة ذاتها. وإلى أن تسود مثل هذه القناعات سيبقى أمام التنمية الثقافية والنهوض بالأمة.. الكثير الكثير. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©