الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسلمون في سويسرا .. مواجهة بين التدين والعلمانية

المسلمون في سويسرا .. مواجهة بين التدين والعلمانية
16 سبتمبر 2009 01:46
وصل الإسلام مبكراً إلى بعض المناطق التي يتشكل منها حالياً الاتحاد السويسري، الواقع في جنوبي أوروبا الوسطى بين دول ألمانيا وإيطاليا والنمسا، من خلال بعض البحارة الأندلسيين المسلمين الذين أسسوا دولة في جنوبي فرنسا، وغزوا الأراضي الواقعة إلى شمالهم حيث وصلوا في سنة (321هـ - 939م) إلى ( بلدة سانت غالن) التي تمثل جزءاً من سويسرا حالياً. ولم يكتف البحارة الأندلسيون، وفقاً لما أورده الباحثون المتخصصون في شؤون الأقليات الإسلامية، ومنهم سيد عبدالمجيد بكر في كتابه «الأقليات المسلمة في أوروبا» بذلك، بل أرسلوا الحملات إلى المنطقة التي تشغلها سويسرا حالياً وذلك لتأمين الأندلس، وبنوا أبراجاً في أماكن متعددة في جبال الألب، وبقي قسم من هذه الجبال تحت سيطرتهم، كما قاموا باحتلال ممر سانت برنارد العظيم (وهو أقدم ممر عبر الألب الغربية)، ووصلوا إلى راتيا شرقاً، وهي كانت إحدى مقاطعات الإمبراطورية الرومانية آنذاك، وتشكل اليوم مقاطعات شرق ووسط سويسرا الحالية. ويقول عبدالمجيد بكر إنَّه بعد سقوط الأندلس، هاجر عدد من المسلمين فراراً من الاضطهاد الديني إلى أودية جنوب سويسرا، واستقر عدد منهم في منطقة «كانتون فالي» واندمجوا في المجتمعات المحيطة بهم. وبدأت هجرات المسلمين بشكلها الحديث إلى سويسرا - كما أوضح علي بن المنتصر الكتاني في مؤلفه «المسلمون في أوروبا وأميركا» - في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث لجأت إليها أقلية مسلمة بعد الحرب العالمية الثانية، ونتيجة لجهود بعض الدعاة اعتنق عدد من السويسريين الإسلام، ومن أوائل من دخل في الإسلام الشاعر السويسري (فريشيوف شوون) صاحب ديوان (الليل والنهار) وقبل إسلامه كان ملتحقاً بدير فرنسي للرهبان، ثم انتقل إلى الجزائر، وفيها اعتنق الإسلام ثم عاد إلى سويسرا، وهناك قام بمهمة الداعية المسلم، فأسلم على يديه عدد من السويسريين. وبين الكتاني أنه وبدءاً من هذا التاريخ أخذ عدد المسلمين في التزايد بشكل مطرد حيث بلغ عدد المسلمين نحو 17 ألفاً في سنة 1970 ثم 56 ألفاً في سنة 1980، و152 ألفاً في سنة 1990، و310 آلاف طبقاً للتعداد السكاني السويسري سنة 2001، ليصل حالياً وفق آخر التقديرات، ومنها تقديرات المنظمات الإسلامية مثل رابطة مسلمي سويسرا، إلى ما يقرب من الـ 420 ألف مسلم يمثلون نسبة 4.2 % من مجمل عدد سكان سويسرا. وتتكون الجالية المسلمة في سويسرا من مهاجرين وفدوا إليها بحثاً عن العمل، وأول روافد هذه الهجرة كانت من الأتراك ثم تلاهم العرب، ثم لم تلبث تلك الهجرات أن امتدت لتشمل عدداً كبيراً من مسلمي البوسنة وألبانيا، وهو يمنح مسلمي سويسرا تعدداً ثقافياً وعرقياً أدى إلى تنوع الأشكال والصور التي تتم من خلالها ممارسة الإسلام من مجموعة إلى أخرى بسبب اختلاف تقاليدها وانتمائها الجغرافي. وبالرغم من أن الإسلام ليس ديناً معترفاً به رسمياً في سويسرا، فهو يمثل، وفقاً لموقع مؤسسة الجمعية الإسلامية بزيورخ، الديانة الثانية بعد المسيحية في سويسرا، وينتشر المسلمون بشكل متساو في مناطق سويسرا، وذلك على خلاف ما هو عليه الحال في العديد من الدول الأوروبية الأخرى حيث يتركز المسلمون من مناطق بعينها، وبأخذ النسب بعين الاعتبار نجد أن أعلى نسبة من المسلمين إلى مجمل تعداد السكان توجد في مدينة بازل (6.72%) بينما أقل نسبة هي في زيورخ(1.82%). ومعظم أفراد الجالية الإسلامية في سويسرا هم في الأصل من يوغوسلافيا السابقة، بنسبة تقترب من الـ 55% ومعظمهم من البوسنة والهرسك وكوسوفو وجمهورية مقدونيا في حين جاء 20% من المسلمين من تركيا .. ويبلغ عدد المسلمين من أصل عربي نحو 60 ألف مسلم ومسلمة، في حين يبلغ عدد المسلمين السويسريين حوالي 40 ألف مسلم ومسلمة، بينهم نحو 20 ألف من أصل سويسري، فيما يبلغ عدد المسلمين من أبناء الجيل الثاني والثالث في سويسرا من مختلف الجنسيات حوالي 150.000 مسلم ومسلمة تقريباً. وبالرغم من وجود ما يقرب من 120 مصلى رسمياً بسويسرا، ونحو 100 مصلى غير رسمي، فلا يوجد في سويسرا سوى مسجدين كبيرين فقط أحدهما في مدينة زيورخ والآخر في جنيف، ويتبع للمركز الإسلامي في جينيف وقد تم إنشاؤه عام 1978، وقد رفض مجلس مدينة برن عام 2007 مخططاً تم تقديمه لبناء أحد أكبر المراكز الثقافية الإسلامية في المدينة. وبالإضافة إلى المركز الإسلامي بجنيف هناك العديد من المراكز والهيئات الإسلامية بسويسرا، من أهمها المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف ومؤسسة الجمعية الإسلامية بزيورخ، والمركز الإسلامي ببازل، وهي المراكز التي يشرف عليها مسلمون عرب وبعض المراكز الإسلامية الأخرى التي يشرف عليها مسلمون أتراك ومسلمو بلاد البلقان. ومع ما تبدو عليه سويسرا كجزيرة هادئة بعيدة عن الأجواء العدوانية التي تتصاعد بين الحين والآخر ضد الإسلام في الغرب، فإن ذلك لم يمنع خروج بعض المبادرات السياسية من بعض اليمينيين، التي طالبت بمنع بناء أي مآذن لأي مساجد مستقبلية، والتي تحاول بشكل مستمر تشويه صورة المسلم وتصويره على أنه إرهابي هوجائي غير منظم، بالإضافة إلى الجدل الذي يثار بين فترة وأخرى حول الزي الإسلامي، ومسألة حظر الحجاب، وما يشكله اللوبي الصهيوني من ضغط للتشكيك في مصداقية الإسلام، وإمكانية التعايش مع المسلمين. ولعل الصورة الحالية لواقع المسلمين في سويسرا تتضح بشكل أكثر تفصيلي من خلال استطلاعي رأي أجريا في عام 2004 في سويسرا، وفي أول استطلاع رأي نشرته جريدة «سونتاج سبليك» الأسبوعية حول النظرة السويسرية للمسلمين في سويسرا وجد أن 76 % من السكان السويسريين غير المسلمين لا يعتبرون المسلمين خطراً، و53 % ليسوا ضد ارتداء الحجاب في ساحة العمل. وفي مقابل هذا الاستطلاع نشرت صحيفة «الإبدو» الأسبوعية في العام نفسه استطلاع رأي آخر شمل 607 مسلمين مقيمين في شتى ضواحي سويسرا كشف عن أنه، وبرغم أن عدد المسلمين تضاعف مرتين خلال الأعوام العشرة الأخيرة، فإن تدين المسلمين في سويسرا تغير نتيجة وجودهم في الغرب مما أدى إلى اهتزاز أسس الإسلام وإلى تأثر مسلمي سويسرا بالعلمانية حيث كشفت النتائج عن استعداد 77% من الآباء في العينة لتزويج بناتهن من غير المسلمين، و69% ليس لديهم أدنى مشكلة في دخول المرأة المسلمة بلا محرم مكان رقص، و74% لا يرفضون فكرة حمام السباحة المختلط، كما أبدى 68 % من العينة موافقتهم على فكرة الردة، وتبني المبدأ العام لحقوق الإنسان الخاص بالحرية الدينية.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©