الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطط ساركوزي لمستقبل المتوسط

خطط ساركوزي لمستقبل المتوسط
15 يوليو 2008 01:57
حلَّ 43 قائد دولة يمثلون أكثر من 800 مليون نسمة ضيوفاً على فرنسا يوم الأحد الماضي لتدشين انطلاق ''الاتحاد من أجل المتوسط'' الذي يرمي إلى جمع البلدان المطلة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط حول مشاريع عملية تهم الطرفين مثل البيئة، والمناخ والنقل والهجرة والتعاون الأمني، لكن الاجتماع كان أيضاً فرصة للرئيس ''نيكولا ساركوزي'' لتفعيل الدور القيادي لفرنسا على الساحة الدولية من جهة، ولممارسة دبلوماسية نشطة في موضوع الشرق الأوسط من جهة أخرى، وهو ما أتضح من خلال حرص باريس على الانفتاح على سوريا وإخراجها من عزلتها الدولية باستضافة الرئيس السوري ''بشار الأسد'' في القمة وتنظيم لقاءات جانبية جمعت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ''إيهود أولمرت'' والرئيس الفلسطيني ''محمود عباس''، ومع أن المشروع الذي كان إحدى بنات أفكار الرئيس الفرنسي بدأ بتطلعات كبيرة واتخذ لنفسه أهدافاً طموحة تجاوزت بكثير ما هو مطروح حالياً بعد الانزعاج الواضح الذي أبدته بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وإسبانيا لإقصائهم من المشروع، إلا أن الحضور الكثيف لقادة الدول في الحفل التأسيسي أعاد المبادرة إلى ساركوزي بعدما أوشكت على التعثر والفشل· لقد اتفق قادة الاتحاد الجديد على اقتسام رئاسة التكتل الناشئ في المرحلة الأولى بين الرئيس المصري ''حسني مبارك''، والرئيس الفرنسي، إلا أن النقاش مازال دائراً حول اختيار مقر الاتحاد، فضلا عن تحديد جنسية الأمين العام للاتحاد، وطريقة التمويل، غير أن الصعوبات التي ينتظرها الاتحاد من أجل المتوسط لحسم الخلافات والانطلاق في العمل لم تمنع الرئيس ''ساركوزي'' من الإشادة بالحضور مشدداً على أن ''الطريق أصبح اليوم سالكا، ولن يستطيع أحد عرقلة مسيرتنا''، وحسب المراقبين يعتبر الاجتماع الكبير لقادة الدول في باريس إنجازاً حقيقياً للدبلوماسية الفرنسية التي بذلت جهوداً كبيرة لإقناع بعض الأطراف المتشككة بدءا من دول الاتحاد الأوروبي وليس انتهاء ببعض البلدان العربية المتخوفة من تطبيع مفروض عليها مع إسرائيل، هذا النجاح لم يحل دون اعتراض أطراف في الضفة الجنوبية فضلت الابتعاد مثل رفض الزعيم الليبي ''معمر القذافي'' المشاركة في الاجتماع، وعدم حضور عاهلي المغرب والأردن، رغم توجيه الدعوة لهما، لكن عدا ليبيا التي تغيبت عن القمة حرص كل من المغرب والأردن على إرسال ممثلين لهما للمشاركة في الحدث· وفي ظل الغموض الذي يلف مستقبل الاتحاد من أجل المتوسط في ظل الانتظارات الكبيرة التي تعلقها شعوب الضفة الجنوبية على مثل هذا التجمع يبقى الاختراق الأهم الذي حققته القمة هو فك العزلة الدبلوماسية التي كانت مضروبة على سوريا بعد اقتراب النظام من إيران وتحالفه معه، وبسبب أيضا الدعم السوري للفصائل الفلسطينية المدرجة في قائمة المنظمات الإرهابية والذي تنظر إليه أوروبا والولايات المتحدة بالكثير من التشكك، فضلا عن مزاعم تورط سوريا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق ''رفيق الحريري'' في العام ،2005 ولم يكن من الغريب أن يندد الرئيس الفرنسي السابق ''جاك شيراك''، الذي كان صديقاً شخصياً للحريري، باستقبال ساركوزي للرئيس السوري ''بشار الأسد''، بيد أن هذا التحفظ على حضور الرئيس السوري امتد أيضاً إلى بعض الأطراف في الجيش الفرنسي، لا سيما بعد الدعوة التي وجهت لـ''بشار الأسد'' لحضور الاستعراض العسكري يوم أمس الإثنين· وتفادياً لاستياء بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي أكد الرئيس ''ساركوزي'' أن الاتحاد من أجل المتوسط جاء ليستكمل ''عملية برشلونة'' والبناء على أهدافها لتعزيز أواصر التعاون بين ضفتي المتوسط في مجالات الثقافة والهجرة والتجارة، وفي هذا الإطار يرى المراقبون أن تنسيق الاتحاد من أجل المتوسط مع المفوضية الأوروبية، التي تشرف على رعاية ''عملية برشلونة'' وسبق أن ضغطت لإدخال تعديلات على خطة ''ساركوزي'' الأولى، ضروري لضمان نجاح المشروع وعدم تعثر مسيرته، وتختلف مبادرة ''ساركوزي''، الاتحاد من أجل المتوسط، عن ''عملية برشلونة'' في كونه نأى بنفسه عن القضايا الخلافية الكبرى، وركز بدلا من ذلك على مشروعات مشتركة ذات طبيعة عملية وقابلة للإنجاز، والأهم من ذلك أن الاتحاد سيعمل تحت رئاسة مشتركة، وهو ما يسمح بتقاسم عملية اتخاذ القرار مبدداً مخاوف دول الجنوب من سعي القوى الاستعمارية السابقة والجهاز البيروقراطي في بروكسيل إلى معاودة السيطرة على شمال أفريقيا· وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية المصري ''أحمد أبو الغيط'' للصحفيين -في القاهرة الأسبوع الماضي- قائلا: ''إن الاتحاد الجديد يعيد تفعيل مبدأ القيادة المشتركة الذي لم يكن موجوداً سوى على الورق في عملية برشلونة''، ويشكل التجمع الكبير لقادة وزعماء الدول في باريس بديلا متواضعاً لصعود الاقتصادين الروسي والصيني على الساحة الدولية، فضلا عما يشكله من مكافأة ينتظرها ساركوزي لاستعادة القيادة الفرنسية والأوروبية، والحقيقة أن البعد الأوروبي في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط لم يدرج إلا مؤخراً بعدما كان مغيباً في الخطوط الأولى التي طرحها ''ساركوزي'' أول مرة في مدينة ''تولوز'' الفرنسية -عندما كان مرشحاً للرئاسة- حيث اقتصر المشروع الأول على تطوير العلاقات الفرنسية مع مناطق نفوذها السابقة في أفريقيا الشمالية، وتحديداً في البلدان المغاربية لتشمل التعليم والطاقة ومحاربة الإرهاب· لكن المراقبين الذين تابعوا عن قرب تطور فكرة الاتحاد من أجل المتوسط، يشيرون إلى أن ما يحركه في الأساس دافعان اثنان، أولا الدعوة التي أطلقها ''ساركوزي'' أثناء حملته الانتخابية للحد من الهجرة الأفريقية إلى فرنسا، حيث طالب ''بالهجرة المنتقاة التي يتم التقرير بشأنها معاً، وتنظم معاً وتضبط معاً''، أما الدافع الثاني من وراء الاتحاد من أجل المتوسط فيتمثل في الالتفاف على المطالب التركية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي يرفضها ''ساركوزي'' رفضاً قاطعاً، وتعويضها ببديل آخر لتطوير علاقتها مع أوروبا· روبرت ماركاند-باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©