الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«أبو الفنون» يواجه الإرهاب بالفكر والنور

«أبو الفنون» يواجه الإرهاب بالفكر والنور
20 ابريل 2018 20:49
عصام أبو القاسم (الشارقة) يصور العمل المسرحي الجديد لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والموسوم «كتاب الله: مسرحية الصراع بين النور والظلام»، والذي عرض مساء أمس الأول على مسرح المركز الثقافي في مدينة خورفكان، عبر خمسة مشاهد مكثفة ودالة، حالة نزاع بين مجموعة من «النورانيين»، ومجموعة من «الظلاميين»، حول «كتاب الله». وتظهر المجموعة الأولى كجماعة خيرة تتبنى رسالة السماء وتسعى إلى نشر الرخاء والسلام في الأرض، معتمدة على الإيمان والعلم لبناء الأوطان، أما المجموعة الثانية فهي تريد الحصول على «كتاب الله»، كوسيط للسلطة والتسلط، ويقدمها العرض، في لوحات شديدة الإيحاء، كفئة لا تنظر إلا لذاتها ولا مكان لديها لتقبل الآخر، بل إنها تنظر إلى كل من هم سواها بوصفهم أدعياء ولا علاقة لهم بالكتاب ويجب قتلهم ذبحاً. ويمكن القول، عند هذا المستوى، إن هذا العمل المسرحي، يأتي مستكملاً نص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، الموسوم بـ «داعش والغبراء» الذي قدم في مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، مع اختلاف الاقتراحات الإخراجية التي قدمها سموه لتجسيد العملين، سواء في الصحراء، بالنسبة لـ «داعش والغبراء» أم فوق خشبة المسرح التقليدية، بالنسبة للعمل الجديد. ولعل رؤى سموه في نصه الحديث «كتاب الله: الصراع بين الظلام والنور»، زادت عن كونها «إرشادات» لتشبه «كراسة إخراج» ـ إنْ جاز القول ـ ملحقة بالنص، فلقد أورد سموه فيها جملة من الحلول والأفكار، الأدائية والتشكيلية، لترجمة محتوى النص فوق الخشبة، سواء في ما يتصل بالأزياء وحركة الممثلين والمؤدين، أو ما يتعلق بتصميم فضاء العرض ومواقع الإضاءة وتداخل المناظر. ولئن ركز سموه في كتاباته المسرحية السابقة، مثل «الواقع صورة طبق الأصل» (2001)، و«عودة هولاكو» 1998، على مسرحة وقائع التاريخ كنظائر لما يشهده الراهن السياسي العربي من تحولات وهزات؛ فإن سموه يستعيد التاريخ العربي، في هذا العمل، محتفياً بإشراقاته الحضارية؛ خاصة حركته العلمية والثقافية التي قدمت للعالم العديد من النجباء من أمثال جابر بن حيان، ويعقوب بن إسحاق الكندي، والحسن بن الهيثم، والخوارزمي، والرازي، والفارابي، وأبي الريحان البيروني، في إشارة إلى أن هذه الأمة له قدرها وسهمها في بناء الحضارة الإنسانية. ووظف سموه تقنيات عدة في تضفير نسيج النص، فثمة أشعار وأحاديث نبوية وآيات قرانية، إلى جانب الحوار والصور الوصفية، وأسهمت هذه الوسائل التقنية مجتمعة، مع الإرشادات الإخراجية التي وضعها سموه لإعانة المخرج على تدبر رؤية النص، في أن يجيء العمل رشيقاً وسلساً، في بعديه السمعي والبصري، كما عمد سموه إلى توظيف تقنية «التقطيع» أو «الاسكتشات»، بحيث تتتابع المشاهد أمام المتلقي وتتداخل، بعضها يصل بعضها الآخر، لتمرير عالم النص، بحيث يستخلص النظارة، في نهاية العرض، الدلالة الكلية؛ فلقد بدأ العرض بمشهد تقديمي رأينا فيه طاولة تتوسط وإلى الأعلى من الطاولة توجد نسخة من القرآن الكريم معلقة في السقف، ومسلط عليه خيط ضوئي ساطع صادر من اتجاهات عدة وقد تراصت من حولها بعض الرفوف وعليها بعض الكتب والمحابر. في هذا المكان المشع بالأضواء، تظهر مجموعة النورانيين، وقد أحاطت بزعيمها. ومن خلال صوت إذاعي، نسمع الحديث النبوي: «تركت فيكم ما إنْ اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنة نبيه»، لنفهم من ذلك أن هذه المجموعة من الناس المشعة بالنور، ممتثلة وممثلة معنى الحديث النبوي الشريف. وفي المشهد الثاني، تتغير خشبة العرض، وتتحول إلى ما يشبه منصة لتقديم لمحات سيرية قصيرة لأولئك العلماء المسلمين الذين مر ذكرهم. وفي المشهد الذي يليه، ثمة لوحة تجمع جماعة النورانيين مع «وفد غربي» ـ في إشارة إلى أوروبا ـ ونسمع قائد الوفد الغربي يذكر بامتنان فضل الحضارة العربية على حضارتهم. وهكذا تتتابع المشاهد وصولاً إلى المشهد الذي تظهر فيه مجموعة الظلاميين التي يقدمها العمل في مجموعة من اللقطات السريعة، تذكرنا ببعض الصور الإعلامية التي سادت أخيراً وعكست عنف ولا إنسانية الجماعات المتطرفة، خاصة صور جز الرؤوس بالسواطير. وفي المشهد الختامي، يظهر العمل انحيازه، إلى جماعة النورانيين التي غافلتها جماعة الظلاميين ونزعت منها المصحف، ولكنها استعادته، وفي استعادتها له لم تستخدم السلاح ضد المجموعة الأخرى إنما استخدمت النور، والنور هنا، وفق معطيات العرض، هو رمز العلم والمعرفة والإيمان. أي أن العمل يدعو إلى إشاعة أسباب التعلم والاستنارة كصيغة لمواجهة ومجابهة انتشار الحركات المتطرفة. وفي مقاربته الإخراجية، بدا المخرج السوري جهاد سعد وفياً لروح النص، ويمكن القول إنه قدم ترجمة بصرية، لمضمونه، وهي ترجمة ذات بعدين: تفسيري وإيحائي، وقد استعان بمجموعة من الممثلين المتميزين، إضافة إلى ثلة من المؤديين على درجة عالية من المهارة، خاصة في تجسيدهم لبعض الحالات التعبيرية التي تظهر وحشية جماعة الظلاميين. وكل ذلك أسهم في أن يأتي العرض، في صورة مشهدية غنية بالتفاصيل وجاذبة وباهرة. حضور رسمي حضر تقديم العرض مساء أمس الأول بالمركز الثقافي لمدينة خورفكان، الشيخ سعيد بن صقر القاسمي، نائب رئيس مكتب سمو الحاكم بخورفكان، والشيخ هيثم بن صقر القاسمي، نائب رئيس مكتب سمو الحاكم بكلباء، والعديد من أعضاء المجلس البلدي ومسؤولي المؤسسات الحكومية في المنطقة الشرقية، إلى جانب حشد كبير من الجمهور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©