السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلاديمير بوتين: العدو المنتظر

5 ابريل 2014 22:22
جيمس تروب زميل بمركز التعاون الدولي بجامعة نيويورك بينما كنت أستمع مؤخراً لخطاب أوباما في بروكسل، وجدت نفسي أفكر بأن «هذا صدى صوته» وقد جاءني هذا الخاطر عندما قال «نحن نعتقد» كوسيلة بلاغية للتأكيد على عالمية الإيمان بحرية التعبير والأسواق الحرة و«نظام دولي يحمي حقوق الدول والشعوب». وأتساءل عما إذا كان بوتين، الذي يحظى بمواهب استراتيجية لافتة مقارنة بمواهب أوباما، قد أعطى في الواقع هدية عظيمة للرئيس الأميركي. ذلك أن القادة في حاجة إلى عقبات، أو بالأحرى أعداء. فالرئيس الأسبق «بيل كلينتون» الذي حكم الولايات المتحدة في أوج قوتها، لم يكن لديه أعداء لكي يظهر براعته. أما بوش الأب فقد كان محظوظاً لأنه كان لديه صدام حسين، بينما كان أمام بوش الابن أسامة بن لادن وبالطبع، أظهر الفارق بين الرئيسين بوش الأب والابن أن أي رئيس بإمكانه استثمار المواجهة المشحونة أخلاقياً لإعادة توحيد الأمة والعالم، أو تقسيمهما. لقد أفقد بوش الابن الأخلاق الأميركية مصداقيتها، وهبط بها إلى مستوى شعار رعاة البقر «إما أن تكون معنا أو ضدنا». وكمرشح رئاسي، وجد أوباما موقعه بالإعلان، خلال مناظرة مع «هيلاري كلينتون» أنه بعكس بوش أو السيناتور آنذاك كيلنتون، سيتحدث إلى أي خصم دون شروط مسبقة. وبعد ذلك، أسرت لي «سامانتا باور» وهي واحدة من كبار مستشاري السياسة الخارجية لأوباما في ذلك الوقت، بأن هذا النوع من رجال الدولة هو الذي يمكنه العمل بروح توافقية وعلى أرضية مشتركة مع المختلفين عنه. ولكن بمرور الوقت، اكتشف أوباما حدود إمكانية إيجاد الأرضية المشتركة. فقد رفضت القيادة الإيرانية مثلاً عروضه، ولم يجبر طهران على التفاوض بشأن التخصيب النووي سوى تشديد العقوبات المستمر عليها. وفي العالم العربي، قامت الشراكة على تناقضات كثيرة. أما سياسة «إعادة ضبط العلاقة» مع روسيا، التي أتت ثمارها في أول عامين من حكم أوباما، فقد تأدت إلى حال يطلق بوتين فيه العنان لقواته في القرم. وما هو أسوأ أن «الربيع العربي»، الذي كان مصدراً للأمل، قد أوقع أوباما في نهاية الأمر في شرك نزاعات محتدمة مع عدم وجود أية حلول مرضية. ففيما يتعلق بسوريا، أقنع البيت الأبيض نفسه بأن دعمه الجاد للمعارضين قد يسبب ضرراً أكثر من تحقيقه منفعة، ولكن حجب هذا الدعم ساعد على تفاقم الأمور وتغول ممارسات النظام. كما أن الأوضاع في مصر، وهي أقل احتقاناً، تعتبر أيضاً مثالاً آخر على ارتباك الموقف الأميركي، حيث ساندت الإدارة الأميركية حكومة «الإخوان» التي انتفض المصريون أنفسهم عليها بشكل جماعي. أما سياسة «التحول نحو آسيا» وهي من أكثر مشروعات السياسة الخارجية التي حظيت بإعلانات مبالغ فيها، فقد بدا وكأن الهدف منها هو استغلال الوضع الجديد في المنطقة من قبل بعض المتنافسين الاقتصاديين الإقليميين (وصد طموحات الصين المتزايدة). ثم جاء بوتين ليجذب الإدارة بعنف مرة أخرى إلى حلبة الصراع المفتوح. وفي الحقيقة، فقد أملى الرئيس الروسي قواعد اللعبة وجعل الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين يتفاعلون على نحو ارتجالي. وبهذا أصبحت أمام الجمهوريين في أميركا فرصة دعاية في ظل «ضعف» أداء إدارة أوباما. وإذا ما غزا بوتين شرق أوكرانيا، فإن هؤلاء الذين أنهوا الحرب الباردة سيشعرون بأن ما قاموا به كان مبرراً تماماً. ومن هذا المنظور يمكننا أن نقول إن بوتين هو سيف المبارزة الذي كان ينتظره أوباما. إن ضم القرم، كما أعلن الرئيس الأميركي، يعد انتهاكاً لحقوق «كلتا الدولتين والشعبين» مما أثار دول آسيا فضلاً عن الديمقراطيات الليبرالية. وكان بوتين يسعى إلى إعادة رسم حدود تمت تسويتها من قبل. وأراد خنق انتفاضة ديمقراطية في أوكرانيا. لقد استأسد وتصرف بخشونة. وربما سيكون هذه بمثابة لحظة «توجيه» جديدة لأوباما. لقد بادر بالفعل لفرض عقوبات ضد روسيا، بينما يدبر لإيجاد استجابة عالمية رداً على ضم القرم. وقد أشار في خطابه في بروكسل إلى أن الأمور قد تملي بأن تنظر الولايات المتحدة «في الاتجاه الآخر»، إن هذا نموذج لجدل أوباما الذي لا قيمة له. وإن كان أكد مجدداً كذلك على تلك المبادئ «العالمية» التي توجه السياسة الخارجية الأميركية. ولكن، ما الذي يمثله تحدي بوتين بالنسبة لإعادة توجيه سياسات أوباما؟ أولاً، قد يعطي أوباما شعوراً كبيراً بالثقة والعزيمة. فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي بإمكانها تنظيم الاستجابة العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية لمواجهة روسيا. لقد كانت السمة التي تخللت خطاب أوباما في بروكسل هي أن بوتين قد تحدى ما يبدو أنه نظرة عالمية توافقية، وبالتالي فقد اعتدى على فكرة وكذلك على مكان. وهذا ما يجعل بوتين نموذجاً ممتازاً لـ«الشرير» بالنسبة لأوباما، الرجل الذي لديه موهبة عرض الأفكار الكبيرة في المجال العام. إن «البوتينية» هي فكرة خطيرة يجب التصدي لها بفكرة طيبة. ومن السهل جداً التسليم، كما فعلت الهند، بأن روسيا لديها «مصالح استراتيجية» في أوكرانيا. ولكن أوباما يريد الدفع بمبدأ أنه لا يمكن لأي دولة أن تحدد مصلحتها بطريقة تسمح لها بانتهاك المعايير الدولية. إن لدى أوباما إيماناً راسخاً بالقانون والمؤسسات الدولية. وقد نجح بوتين في تذكير العالم بأهمية النظام الدولي القائم على قواعد. ولذا فإن إقناع الشعب الأميركي بمزايا هذا النظام سيمثل عملاً آخر نبيلاً قد يركز عليه أوباما خلال الثلث الأخير من فترة ولايته. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©