الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إيف بونفوا.. الإمساك بما تمتلكه الحياة

إيف بونفوا.. الإمساك بما تمتلكه الحياة
3 يوليو 2016 23:03
ترجمة - أحمد عثمان يعد الشاعر الفرنسي إيف بونفوا الذي رحل عن عالمنا مساء الجمعة الفائت عن 93 عاما، أحد كبار شعراء القرن وأعلامه. وبونفوا صاحب أكثر من مئة كتاب ترجم إلى حوالى ثلاثين لغة، وطرح اسمه مرات عدة للفوز بجائزة نوبل للآداب. وهو نال في فرنسا جائزة الشعر الكبرى العام 1981 من الأكاديمية الفرنسية وجائزة غونكور للشعر العام 1987 كما حاز جائزة سينو ديل دوكا العالمية العام 1995. غداة وفاته نشرت صحيفة اللوموند الفرنسية مقالاً مهماً بقلم الناقدة الفرنسية آموري داكونها، هنا نصه: إيف بونفوا... شاعر، مترجم، ناقد فني، أستاذ في «الكوليج دو فرانس»، تم ترشيجه كثيراً لنيل جائزة نوبل في الآداب. توفي يوم الجمعة 1 ?يوليو ?عن ?عمر ?يناهز ?93 ?عاماً. ?هذا ?الكاتب ?الكبير ?كان رجلاً متعدد ?المواهب. ?وعلى ?الرغم ?من ?تشعب ?نشاطاته، ?فإن ?هناك ?قصيدة ?واحدة ?ظلت ?تقود ?مسيرته ?دوماً، ?أسماها «?حقيقة ?الكلام» ?أو ?همّ ?الإمساك «?بما ?تمتلكه ?الحياة»?. في الكثافة الشعرية، هناك فضول نهم لكافة الأشكال الفنية (كتب دراسات حول بيكاسو، بالتوس، جياكومتي، موندريان، آلشنسكي)، بنى إيف بونفوا نتاجاً مفتوحاً متعدد المداخل، وكان التعبير في متنه عميقاً بفعل ضرورات التفكير. ومع ذلك، يرتاب الشاعر من المفهوم الذي – كما يعتقد – يبعدنا عن كل ما هو جوهري: يريد تعيين تجربتنا بأي ثمن، يحددها، وأيضا تعيين وجود العالم: «دور الشاعر يتبدى في تبيين الشجرة، قبل أن يقول عقلنا أنها شجرة»، كما كتب. في تور، ولد إيف بونفوا في 24 ?يونيو ?1923، ?في ?حضن ?عائلة ?متواضعة ?الحال؛ ?والده ?عامل ?بسيط ?وأمه ?معلمة. ?عن ?موضوع ?الطفولة، ?شرح ?كثيراً ?من ?المرات ?أن ?هذه ?المرحلة ?من ?حياته ?تتوافق ?مع ?أصل ?التجربة ?الشعرية ?بالنسبة إليه. ?في ?صيف ?2010، ?مستدعياً «?أيام ?طفولته»?، ?صرح ?أنه ?يرى ?الشعر ?مثل «?حماية ?هذا ?الشعور، ?شعور ?وجود ?كل ?شيء»?، ?الذي ?يخلق ?له «?السعادة، ?وأيضا ?القلق»?. لوالديه، شرح الصغير إيف بونفوا أنه يريد معرفة القراءة لكي «يكتب القصائد». نحو السابعة أو الثامنة من عمره، أظهر فضولاً كبيراً للأدب. على صفحة كتاب مهدى إليه من قبل عمته، من الممكن أن نقرأ هذا الإهداء المثير: «إلى ابني بالمعمودية وابن أخي، الشاعر المستقبلي». وخلال دراسته في ليسيه ديكارت بتور، يوليو 1940، اكتشف «?الأنطولوجيا ?الصغيرة ?للسوريالية» ?للشاعر ?والسينمائي ?جورج ?هوغنيه: «مسحوراً ?للغاية ?اكتشفت ?هنا، ?مرة ?واحدة، ?قصائد ?بروتون، ?بيريه، ?إلوار، ?الأشكال ?الشفاهية ?الرائعة (?لتريستان) ?تزارا ?زمن ?الدادائية (?...)?، ?جياكومتي، ?كولاج ?ماكس ?ارنست، (إيف) ?تانغي، (?لوحات ?خوان) ?ميرو ?الأولى ?: ?عالم ?بأسره»?، ?هكذا ?حكى ?في «?حوارات ?حول ?الشعر» (?ميركور ?دو ?فرانس، ?1990)?. على الرغم من انجذابه إلى هذه الاكتشافات السوريالية، اختار بونفوا علماً أكثر «عقلانية»: الرياضيات. تلك هي ذريعة الذهاب إلى باريس، وإعداد شهادة «الليسانس» في السوربون. بيد أن الأدب كان يفرض نفسه عليه، بداية عبر القراءة. وفي عام 1946، ?نشر ?أول ?قصائده «?القلب- الفضاء» ?في ?مجلة ?سوريالية?: «?الثورة، ?الليل»?، إلا ?إن ?هذه ?العلاقة ?مع ?هذه ?الجماعة ?السوريالية ?ظلت ?قصيرة. كان بونفوا يعرف أن السوريالية تمكنت من تحرير الفكر من غل القوانين والدوغمائيات، إلا إنه عاب على بروتون ابتعاده عن الواقع لحساب شيء من «الإخفائية».كما كان يرفض البعد الجماعي (القطيعي) والأيديولوجي لهذه الحركة الذي يموضع الخرافة قبالة الواقع ويميز «العتامة» عن النور. كمعحب متحمس (لآرتور) رامبو، الذي كرس عنه أكثر من دراسة نقدية، كان يبحث عن معانقة «الواقعة الخشنة»، مثلما فعل شاعر «صيف في الجحيم». وليس «سوريالية» بعيدة الاحتمال. في عام 1947، ?قرر إيف ?بونفوا ?قطع ?علاقته ?نهائياً ?مع ?السوريالية، ?وإذا ?كان ?ابتعد ?عن ?آندريه ?بروتون، ?غير ?أنه ?لم ?ينف قط ?تأثيره: ?الانفتاح ?على ?الحلم، ?تحديداً، ?والمنفذ ?إلى «?الصور ?غير ?المتوقعة، ?المتوحشة، ?الكبرى»?. في الواحدة والثلاثين من عمره، حقق دخوله الحقيقي إلى عالم الأدب. في عام 1954، ?أصدر ?ديوان ?: «?عن ?حركة ?دوف ?وسكونه»?، ?الذي ?تلقى ?تحية ?فورية ?من ?موريس ?نادو، ?مؤسس (?مجلة) «?الآداب ?الجديدة»?، ?بكلمات ?محددة?: «?ربما ?لن ?نتذكر، ?كما ?كتب، ?من ?حاز ?على ?جائزة ?غونكور، ?وإنما ?من ?اللازم ?أن ?نتذكر ?أن ?خلال ?هذه ?السنة ?صدر ?الديوان ?الأول ?لشاعر ?كبير. ?من ?اللازم ?أن ?نوسم ?بطبشور ?صعود إيف ?بونفوا ?والانطلاقة ?الجديدة ?التي ?حققها ?للشعر»?. شعر حالم، وإنما مغروس في لحم العالم، هذا الديوان يضع قواعد جمالية سوف يعمل بونفوا طوال حياته على تعميقها. بالنسبة إلى الشاعر، الدور معقد ومفارق: يرتاب من الكلمات، لأنها «لا تقبض حقا على الكلمات»، ومع ذلك من الضروري المرور عبرها، تغيير وظائفها لإيجاد ما أسماه «الدرجة الثانية من الكلام». في ديوانه الأول، اسم «دوف» يشير إلى امرأة، نهر، أرض بائرة في آن واحد. قصائد إيف بونفوا، كما حللها الكاتب السويسري جون ستاروبنسكي، تقع «بين عالمين: تبحث عن البعد الأكثر أدبية للعالم (الذي يعتبر الأكثر غموضاً من دون شك)، وإنما تتغذى أيضا على «الحكايات التي تجرى في الحلم». لأن البحث عن الوجود– «الضرورة الغامضة» بالنسبة إلى بونفوا– الذي ينشط الكتابة في طرق عبورها. مع هذا الأمل المستعاد دوماً: إعادة تأسيس وحدة الوجود. على الرغم من التكرار المعقد أحيانا، نجد أن قصائد إيف بونفوا سهلة. تشير إلى عالم ممكن، ومنفتح، من دون خطابات تسبقها:«الشعر ليس نشاطاً تعليمياً، لا يحق له شرح تجربة العالم الذي يسعى لتعميقها»، كما أكد. راغباً في عدم فصل التجارب الإنسانية، كتب إيف بونفوا، إلى جانب أبحاثه الشعرية، كثيراً من النصوص حول تاريخ الأشكال الفنية. الإبداع والفكر، بالنسبة إلى الكاتب، فعلا الكلام اللذين ينتميان إلى نفس الوثبة. في عام 1954، ?دخل ?إلى ?المركز ?الوطني ?للأبحاث ?العلمية، ?بدراسة ?:«?علامات ?الشكل ?ودلالته ?لدى ?بييرو ?ديلا ?فرانسسكا»?، ?تحت ?إشراف ?آندريه ?شاستيل ?وجون ?فاهل. عرف نتاجه عدداً كبيراً من الدراسات النقدية المكرسة حول جداريات فرنسا الغوطية وفن الباروك (روما 1630، ?مطبوعات ?فلاماريون ?1970)?. ?هذا ?الإرث ?الفني، ?ظاهر ?في «?داخل ?البلاد» (?مطبوعات ?غاليمار، ?1972)?، ?الذي أ?حياه ?إيف ?بونفوا ?في ?متنه ?كثيراً. ?هذا ?الكتاب ?يتأرجح ?بين ?الأوتوبيوغرافية ?والتأمل ?الفلسفي. ?بين ?بونفوا ?في ?صفحاته ?مسيرة ?حياته ?على ?ضوء ?الفن ?والبحث ?عن ?المكان «?الحقيقي»?، ?حيث ?وجد ?جوهره ?في ?تصوير ?عصر ?النهضة. ?في ?آخر ?الأمر، ?عالم ?ممكن، ?بما ?أنه ?يرى ?أن «?الشخص ?لا ?يمشي ?عليه ?كما ?يمشي ?على ?أرض ?غريبة»?. هذا الهم، هم الحوار الثابت القائم مع كافة الأشكال الفنية، يراه في مغامرات مثمرة أخرى تخلط بين العمل والصداقة. في عام 1967، ?أسس ?رفقة ?الشاعر ?جاك ?دوبان، ?الناقد ?غيتان ?بيكون ?والكاتب ?لوي-رونيه ?ديه ?فوريه ?مجلة «?ليفيمير»?. ?هذه ?المجلة، ?التي ?عملت ?على ?تأسيس ?جسر ?بين ?الكتابة ?والصور. ?رغماً ?عن ?حياتها ?القصيرة (?خمسة ?أعداد)?، ?وسمت ?هذه ?المجلة ?عصرها ?وشهدت ?مولد ?كتاب ?جدد، ?مثل ?باسكال ?كينار ?أو ?آلان ?فاينشتاين. بالنسبة إلى بونفوا، النص لقاء ما هو قريب، وإنما أيضا ما هو غريب – نشاطه كمترجم يشهد عليه. في عام 1960، ?ترجم «?يوليوس ?قيصر» ?لشكسبير. ?ثم ?ترجم ?بعد ?ذاك ?عدداً ?من ?مسرحيات ?شكسبير، ?وأيضا ?أعمال ?ييتس، ?بترارك، ?ليوباردي... ?وكذا ?كرس ?عدداً ?من ?الدراسات ?حول ?الترجمة ?التي اعتبرها ?قريبة ?من ?الإبداع ?الشعري، ?لأنها ?تغير ?اللغة ?أيضا. إيف بونفوا شاعر الواقع: منجذباً إلى الزمن، وقليلاً إلى العصر. بصدد العالم المعاصر، يرتاب من كل أنواع الأيديولوجيات، على اعتبار أنها تهدد الشعر، الذي يجب – كما يرى – أن ينتشر بعيداً عن أنساق الفكر.» القرن الحادي والعشرون، كما قال لمجلة لا ماغازين ليترير، سوف يشهد بصورة ممكنة هلاك الشعر، اختناقه تحت الخرائب، طالما أنه (هذا القرن) يغطي العالم الطبيعي كما المجتمع». (*) ?Amaury da Cunha,? ?Mort d’Yves Bonnefoy,? ?poète,? ?traducteur et critique d’art,? ?Le monde,? ?01.07.2016.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©