الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جايمس فنتن يبحث في غيرة الشعراء

جايمس فنتن يبحث في غيرة الشعراء
14 سبتمبر 2009 23:58
كتاب قوة الشعر للناقد والشاعر الإنجليزي «جايمس فنتن» يبحث في عدد من القضايا المرتبطة بالشعر، ومنها أصالة الشاعر والعلاقة بين العبقرية الشعرية والتدرب على صنعه الشعر، كذلك يبحث في ذاتية الشعراء وتمايزهم، كما يسعى إلى تقديم صورة للأحاسيس التي كانت تنتاب الشعراء الذين يتناولهم درسا وتحليلا، فيتناول الغيرة الشديدة التي كانوا يشعرون بها تجاه بعضهم بعضا سعيا منهم وراء الشعور بالعظمة والتفرد من خلال نتاجهم الشعري. اعتزاز الشعراء أما أهمية هذا الكتاب، فترجع إلى عوامل كثيرة أهمها: 1- أن مؤلف الكتاب يعد شاعرا كبيرا من شعراء بريطانيا المعاصرين بفضل أشعاره ومواقفه النقدية. 2- المؤلف يمارس كتابة النقد من وجهة نظر تجمع بين الجانب الأكاديمي والجانب الاجتماعي. 3- الكتاب حصيلة جهد كبير استغرق خمسة أعوام أمضاها المؤلف في إلقاء المحاضرات على طلبة جامعة أوكسفورد البريطانية. وفي سياق الكتاب ذكر المؤلف عديد من الحكايات التي تظهر فرط اعتزاز الشعراء بأنفسهم وتهميشهم لما يقوم به الآخرون بل وتحطيمهم أحياناً من أجل تحطيم ذواتهم، وهو هنا يذكر واقعة شهيرة حدثت مع مايكل أنجلو، تظهر حرص أصحاب المواهب بصفة عامة ، والشعرية على وجه الخصوص، في تعظيم ذواتهم على حساب الآخرين. مخلوق تافه يحدثنا عن جيامبولونيا الذي حط رحاله عندما كان نحاتا شابا من أهالي الفلاندر في مدينة روما وصنع نموذجا من تمثال أصلي وأكمله بعناية فائقة وصلت حد الإتقان وذهب إلى مايكل أنجلو ليعرضه عليه. وعندما رأى الأخير النموذج أمسكه بكلتا يديه وحطمه تحطيما كاملا وأعاد قولبته على طريقته، حتى إن النتيجة كانت مغايرة تماما للنحت الذي نحته الشاب ثم قال مايكل أنجلو مخاطبا جيامبولونيا، «الآن أذهب وتعلم فن صناعة التماثيل قبل أن تتعلم وضع اللمسات الأخيرة». هنا يفسر الكاتب تصرف مايكل أنجلو بأن كان على النحو التالي، تصرف أنجلو وكأنه يقول للنحات الشاب: «انظر كيف أحطم طموحاتك وتطلعاتك، انظر إلى هشاشة إنجازك مقارنة بإنجازي، انظر كم أنت وقح عندما تجاسرت وعبرت عتبة الباب، هكذا أحطمك». ويضيف الكاتب أن هذا السلوك ينسحب أيضاً على عالم الشعر فنجد أن الشاعر وردزورث عندما طعن في السن أخذ يهاجم أقرانه من الشعراء بكل قسوة، فقال عن ميلتون أنه ضيق الرؤية، ووصف بيرز بأنه مخلوق تافه، وحتى شكسبير لم يسلم منه وقال إن له جوانبه السلبية وحدوده الضيقة. إهانة كيتس وهذه الحالة من الأنا المتعالية وحب الذات المخادع تظهر لدى وردزورث بوضوح عندما استمع لإحدى قصائد كيتس (والأخير كان فائق الموهبة الشعرية)، فقال عن هذه القصيدة: «إنها مقطوعة رجعية تماماً». وكان يقصد بذلك إهانة كيتس الذي حملها في نفسه هو الآخر، ولم يعد معجباً ولا مفتوناً بشعر وردزورث كما كان الحال في السابق، وهو ما ظهر من خلال كتابات عدة له. وفي ذات الوقت بدأ نجم كيتس الشعري في السطوع بقوة آنذاك وهو ما أصاب وردزورث بما يشبه المرض النفسي. أي أن نجاح شاعر وبروزه على الساحة الشعرية «كيتس» كمنافس جعل شاعرا كبيرا من وزن وردزورث يعتبر ذلك تهديدا لمكانته إلى درجة أنه لم يطمئن له بال حتى سمع بنبأ وفاة كيتس. بطولات زائفة يدلف الكاتب إلى الحديث عن أصالة شخصية الشاعر والتي يستمدها في كثير من الأحيان بقدر قربه بل تماهيه أحيانا مع الشعر بحيث يظن بعض الشعراء أنهم كلما ازدادوا حبا للشعر وتعلقا به صارت شخصياتهم أكثر قوة وحضورا واكتمالا كما، تزداد هامتهم الشعرية ارتفاعا ويستشهد لذلك بالشاعر ولفرد أون الذي يخاطب الشعر قائلا: «ما من رجل يحب الشعر حبا نقيا كما أحبه أنا». ويزيد أون، أن حبه للشعر ليس فقط كي يكون واحدا من هؤلاء المتواجدين دوما في قاعات الشهرة والتكريم مع كبار الشعراء، وإنما يريد بهذا الحب والتعلق أن يحقق إنجازا شعريا مبنيا على أفكاره الحقيقية النابعة من ذاته. ويدلف كاتبنا إلى الشاعر الإنجليزي فيليب لاركن موضحا أنه لم يكن يتذكر شيئا عن طفولته، وأنه يكره النفاق في الكتابة ويكره أن يضع الشاعر أسطورة جوفاء من نفسه قائمة على الغش والكذب والنفاق، ويضيف أنه طالما لم يحدث شيء مهم في طفولته.. فإنه على استعداد لقول ذلك علانية بدلا من نسج البطولات الزائفة وفبركة القصص عن ماضي لا وجود له من الأصل. كما يحلو للكثير من الشعراء والأدباء أن يفعلوا. اتهام بالخيانة في موقع آخر من الكتاب يحدثنا المؤلف عن شيمس هيني الشاعر الأيرلندي الفائز بجائزة نوبل في الأدب لسنة 1995، لافتا إلى أن هذا الشاعر رفض مرارا إشارة النقاد إليه بوصفه شاعرا بريطانيا على الرغم من أنه ولد في أيرلندا الشمالية وكان النقاد يدرجون أشعاره في مختارات شعرية من الشعر البريطاني، وينظرون إليه بوصفه ذلك الشاعر القادم من أيرلندا الشمالية الذي في وسعه أن يحرك المشهد الثقافي الإنجليزي الذي ساده الركود في السنوات الأخيرة. وهنا يؤكد فنتن أن إصرار هيني على رفضه أن يكون شاعرا بريطانيا إنما يعني إصراره على أن يكون شاعرا مختلفا عن غيره من شعراء بريطانيا وهذا من أسباب تفرده. ويعبر هيني عن ذلك في شعره قائلا: هذه نصيحة جواز سفري أخضر لم يرفع أي منا كأسا في صحة الملكة اعتراف بالتفوق لعل سعي شيمس إلى التفرد هذا جلب له اتهامات بالخيانة منها خيانة القومية المتمثلة في الجيش الجمهوري الأيرلندي، وخان التحرير ممثلا بالشاعر البروتستانتي جيمس سيمنز وغيرهم من الأدباء الكاثوليك المتشددين، وخان الحداثة الممثلة بإليوت ولويل وبلاث. وهي قائمة مؤثرة عن الطعن في الظهر لكنها لا تنتهي عند هذا الحد كما يقول المؤلف، فهجرته إلى الجنوب كانت خيانة للشمال أما عمله في الولايات المتحدة فكان تأمركا على طريقة اليانكي، أي أن كل شيء تحول إلى خيانة لشيء ما. وهنا يفترض فنتن أن المرء لا يتهم بالخيانة إلا إذا عُدّ زعيما فوراء العديد من هذه الانتقادات اعتراف بالتفوق الذي تحقق من قبل أو الذي سيتحقق عن قريب للشاعر شيمس هيني. كما لفت إلي أن الانتقادات التي وجهت إلي هيني لم تخل من التجريح، فقد كتب الشاعر سيارات كارسن قائلا: إن هيني في مجموعته الشعرية الشمال بدا وقد تحول دون إرادته من أديب له ملكة الدقة إلى شاعر العنف، وصانع الأساطير، وتحول إلى انثربولوجي يهتم بالقتل الذي يتم وفق الطقوس، وتحول أيضا إلى من يدافع عن الحالة إلى إنسان محير في المقام الأخير. طاقة دفينة ورغم هذه الانتقادات إلا أن هيني كان بالغ الاعتزاز بتجربته الشعرية والمكانة الذي وصل إليها في ساحة الشعر الغربي المعاصر فنجده يقول: «إن متعة الشعر ودهشته طاقة دفينة، وحركة روحية» عندما أنظر إلى إحدى قصائدي وهي بعنوان «بصمة الزبدة» أتساءل كيف فعلت القصيدة ذلك؟ كيف خرجنا من بصمة الزبدة إلى السماء وعدنا أدراجنا إلى الحسكة بهذه السرعة؟ إن ذلك يشبه مراقبة حيلة الورقات الثلاث في شارع أوكسفورد، فعلى حين غرة يحزم النصاب أغراضه ويحمل منضدته تحت إبطه، ويتوارى عن الأنظار وسط حشود الناس متوقعا أنك عند لمس جيبك سوف تجد شيئا ثمينا يمكنك أن تقسم إنه لم يكن موجودا قبل لحظة خلت. ومع جايمس فنتن ومن خلال رؤيته التي نستشفها عبر فصول الكتاب المختلفة، نعرف مدى الجهد الذي بذله في تحليل المسيرة العشرية لعدد من شعراء أوروبا المعاصرين، بهدف تحليل علاقتهم بالشعر ومكامن القوة في هذه العلاقة، والتي جعلتهم يؤثرون في الشعر ويتأثرون به إلى الحد الذي يكشف ما للشعر من قوة يؤثر ويتأثر بها مع المتعاملين معه.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©