الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جامع «المنصوري الكبير» أول بناء مملوكي في طرابلس أعيد ترميمه بعد سبعة قرون

جامع «المنصوري الكبير» أول بناء مملوكي في طرابلس أعيد ترميمه بعد سبعة قرون
14 سبتمبر 2009 23:52
يعد جامع المنصوري من أقدم مساجد طرابلس، وأولها في العهد المملوكي ارتدى حلته التاريخية بعدما أعيدت إليه بتفاصيلها، بعد أكثر من سنتين من أعمال الترميم والتأهيل، التي شهدها على أعلى المستويات، التقنية والفنية والهندسية، بتمويل من النائب سعد الحريري عن روح والده الرئيس رفيق الحريري. وعاد جامع المنصوري الكبير في طرابلس، ليأخذ دوره الديني عشية شهر رمضان المبارك، فبدأ في استقبال أبناء المدينة والمصلين، الذين تربطهم به علاقات روحانية خاصة، تمتد على عدة «أشجار» العائلات الطرابلسية المختلفة، وكبارها وعلمائها ومشايخها، الذين نشأوا وترعرعوا في جنبات الجامع، وتحت أروقته وعقوده الحجرية، درسوا علوم الدين والقرآن الكريم في غرفة الأثر الشريف، وتضم الغرفة شعرة من شعرات رسول الإسلام النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، أهداها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني إلى مدينة طرابلس، بمناسبة إعادة ترميم الجامع التفاحي (الحميدي حالياً)، وقد أرسلها في فرقاطة عسكرية إلى المدينة، التي وجد كبارها حينذاك أن الأثر الشريف قد يتعرض للسرقة في الجامع التفاحي، الموجود خارج أسوار المدينة، فاستقر الرأي على وضعها في غرفة في الجامع المنصوري الكبير، أطلق عليها اسم غرفة الأثر الشريف، وبدأت تستخدم لتعليم القرآن الكريم، ولتلاوته وختمه في شهر رمضان، وإقامة حلقات الذكر. ويمثل جامع المنصوري الكبير إرثا دينيا وأثريا وتراثيا مهما، ودلالات قيمة في عراقة هذه المدينة وأصالتها، ولا يدل ذلك إلاّ على حسن فهم حاجات طرابلس مع ما يمثله هذا المسجد لأهلها، من قيمة معنوية دينية واجتماعية وعلمية، منها المدينة المملوكية الثانية من بعد القاهرة، والجامع المنصوري الكبير أحد أبرز معالمها المملوكية. تاريخ الجامع بني الجامع عام 1294 ميلادية، وهو أول بناء مملوكي في طرابلس، ويقع في حي النوري وسط المدينة القديمة، ومساحته 3224 متراً مربعاً، واستغرق بناؤه قرابة أربع سنوات، وأمر ببنائه السلطان خليل قلاوون الملقب بالأشرف، بعد خمس سنوات من فتح المدينة وتحريرها من الفرنجة، ويتميز ببساطة بنائه وقلة زخارفه، ويتألف من أربع طبقات وبنوافذ على شكل قناطر، وتتخذ فيه قبة المئذنة شكلاً يشبه القمع، والساعة الشمسية فيه ثبتت في أعلى واجهة الأروقة الشمالية المطلة على صحن الجامع، وله أربعة أبواب: الباب الرئيس تحت المئذنة وتتوزع الأبواب الثلاثة في الجهات الشرقية والغربية. وتتوسط المسجد بركة للوضوء وإلى جانبه بئر، بالإضافة إلى عامودين من حجارة «الجرانيت» بارتفاع حوالي المتر، ومن الجهة القبلية محراب صغير، وتحيط بصحن الجامع من الشمال والشرق والغرب رواقات أمر ببنائها السلطان الناصر محمد قلاوون، وتقوم هذه الرواقات على عضاضات ضخمة، مربعة القاعدة تتشكل منها عقود ممتلئة الرؤوس. ويقع حرم الجامع من الجهة الجنوبية، وتتألف واجهته المطلة على الصحن من سبعة عقود. وقد أقيمت غرفة الأثر الشريف عند العقد السابع، ويتكون سقف الحرم من 13 اسطوانة تقوم في وسطه، سبع عضاضات كما يقوم محرابه في منتصف الجدار الجنوبي القبلي على جانبيه عمودان رخاميان، تعلوهما زخرفة على شكل زهرة منفتحة، وفيه محراب ثانٍ من الحجارة. وأبرز ما في مسجد المنصوري أنه يضم في الرواق الغربي منه غرفة فيها شعرتان من أثر الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أهداهما السلطان عبدالحميد الثاني إلى طرابلس في علبة من الذهب الخالص، ويحتفل في هذا الجامع كل سنة مرتين، بخصوص زيارة الأثر الشريف الأولى في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، والثانية بعد صلاة الفجر في ليلة القدر. ولقد كان الجامع الكبير مركزاً علمياً، وتعلم فيه كبار من العلماء والفقهاء، وكان يحفظ مواقيت الصلاة وتحديد مواعيد الأذان، لإعطاء الإشارة للمؤذن برفع الأذان، عرف منهم الشيخ محمد الميقاتي الذي أتى به السلطان قلاوون من مصر، وعهد إليه بجميع وظائف الجامع لعلمه وشهرته في الفقه. العمر : 700 سنة تعرض الجامع المنصوري الكبير خلال العهود الماضية لكثير من الاعتداءات والإضافات، ما أدى إلى إخفاء الكثير من معالمه، لاسيما ما يتعلق بأرضيته الحجرية، ومحرابه وبعض الأعمدة الرخامية فيه، كما جرى «توريق» بعض عقوده الحجرية بالإسمنت، فضلاً عن المشاكل التي كان يشهدها على صعيد الصرف الصحي خلال فصل الشتاء. إلى ذلك، كشف المهندس المشرف على عملية الترميم د. خير الدين غلاييني، عن تاريخ الجامع الذي بني قبل أكثر من 700 سنة، وقال: «قمنا بإزالة كل الردميات وأعدنا إظهار المحراب وقواعد الأعمدة، ما زاد من ارتفاع المسجد أكثر من متر، كما قمنا بتوسيع فضاء الغرفة التي يوجد فيها الأثر الشريف، عبر إزالة الجدار الذي يفصلها عن الجامع، واستبدالها ببوابة مفرغة، وعالجنا مشاكل إنشائية كبيرة ناتجة عن حركة مائية، وأعدنا ربط القناطر بمحاور الفولاذ، غير القابلة للصدأ». وأضاف غلاييني: «تم تأهيل كل الأقسام والأخشاب بطريقة علمية وفنية، اعتمدت فيها خبرات عالية جداً، أما بالنسبة للمئذنة فقد جرى تأهيلها بتقنية لم يصر إلى اتباعها بعد في الشرق الأوسط، حيث جرى ربطها وشدها بشعيرات الألماس الأسود، وتم توريقها ببودرة الحجر، فظهرت كأنها حجر، وباتت قادرة على مقاومة الهزات، بمعنى آخر الأعمال التي نفذت في الترميم أطالت من عمر الجامع المنصوري الكبير إلى 700 سنة إضافية». من جهته، قال مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار إن الجامع المنصوري الكبير هو قلب المدينة، ويمثل الثقل الديني فيها. فالتقنيات التي استخدمت في عالم الترميم، يندر أن تستخدم في المعالم الأثرية، ويكفي أن مئذنته تحولت إلى تحفة معمارية نادرة بعد أن جرى شدّها بشعيرات الألماس. وأشار رئيس بلدية طرابلس المهندس رشيد الجمالي، إلى أن الجامع المنصوري الكبير هو أحد أهم معالم المدينة الأثرية وأقدمها عهداً. والمسجد كان في حالة يرثى لها، نتيجة الاعتداءات والمداخلات والتعديلات التي طرأت عليه خلال العقود الماضية، بحيث فقد طابعه التاريخي، وقد استعاد موقعه الديني والتراثي والتاريخي.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©