الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوسف رزوقة: أنا في سفر دائم بحثاً عن أندلس محتملة

يوسف رزوقة: أنا في سفر دائم بحثاً عن أندلس محتملة
3 يناير 2008 00:20
الشّاعر التّونسيّ يوسف رزوقة أو ''الذئب في العبارة'' كما يصفه مثقّفو تونس وأصدقاؤه، حاضر بكثافة في المشهد الثّقافي العربيّ وخارجه، ''شؤونه شتّى وهو قليل''، كما يقول هو نفسه عن نفسه، لا يهمّه إلاّ العمل في صمت، متكتّم على كلّ شيء حتّى أنّه لم يفصح عن ترشّحه لجائزة الملك عبد اللّه للآداب والفنون بالأردن، والتي نالها سنة 2004 ولا عن الجهة الّتي بادرت بترشيحه في أميركا اللاّتينيّة مؤخّرا لإحدى أعرق الجوائز الأوروبيّة وحين سألناه، لاذ بالصّمت، مدّعياً أنّ الوقت لم يحن بعد وأنّه ''زاهد في كلّ شيء''، عدا ''مشروعه الشّعريّ'' القائم في رأسه وفي الواقع· معه هذا الحوار: ؟ ما حكاية الرّوائيّة المكسيكيّة الّتي جعلت منك شخصيّة أساسيّة في روايتها الأخيرة ''إيزابيل، سيّدة البحر''؟ ؟؟ كانت تلك مفاجأة كبرى لم أتوقّعها فعلا، لم أكن أتوقّع ولو افتراضا، أن تبادر روائية من المكسيك بكتابة رواية بكاملها عن شاعر مثلي، من المغرب العربي· ملخّص الرواية، أنّ إيزابيل، سيّدة البحر، والتّي أريد لها أن تؤيقن حضورها كرمز للحياة وللزّمن، تقرّر الرّحيل لكسر رتابة الإحساس بالأشياء وبالواقع المهيمن، مع قدرها الجديد، إلى نقطة ما، من العالم (الجناح المغاربي تحديدا)، قد تكون رأتها مضيئة إلى حدّ ما، وقد تمّ تسويغ حضوري في هذه الرّواية كلمة وروحا على امتداد اثنين وعشرين فصلا، تشابكت عبرها الأحداث لتفرز في النّهاية رواية الإنسان في هذه القرية الكونيّة السّاخنة· أمّا أحداث الرّواية والّتي حصلت على نسخة منها فتدور في الفضاء المغاربي، بين المغرب والجزائر وتونس بعد أن قدمت إليه (أي إيزابيل ومن معها) من هناك، من وراء البحار· عشق التّواصل ؟ أنت تكتب إلى جانب العربيّة، لغتك الأمّ، بالفرنسيّة، الإنجليزيّة، الروسيّة، السّويدية، البرتغاليّة والإسبانيّة، لكنّ هذه الأخيرة تبدو أكثر استئثارا بزمام الكتابة لديك، هل من سرّ؟ ألا تخشى تشتّت الحالة الشعريّة في أكثر من وسيط لغويّ متاح؟ ؟؟ بنفس التّواتر الذي أكتب به عربيّا، أكتب بالإسبانيّة، لتأتي بعدهما الفرنسيّة وقد كانت الأثيرة لديّ لسنوات، لكنّ خلافا طارئاً دبّ بيني وبين شاعرة فرنسيّة جعلني أنأى قليلا عن فولتير باتّجاه قارّة أخرى، بحثاً عن لوركا وعن أندلس محتملة· مع هذه الشّاعرة، أرسينا في لغتها مشروعاً بدا لنا طموحاً أثمر كتابين مشتركين: ''يوتاليا أو مدينة الشّعراء'' ثمّ كان كتاب ''ألف قصيدة وقصيدة''، اشتغلنا فيهما على تيمة الإيقاع البديل، أعني ''إيقاع شرق / غرب'' الذي حاولنا تحقيقه من خلال الجسر المتحرّك كمنجز إيقاعيّ، مشترك عبر ''تطبيق العروض العربيّ على القصيدة الفرنسيّة''، إلى جانب انخراطنا في مشروع ''اليوغا الشّعريّة''، لكنّ الرّياح اللّواقح جانبتنا فجأة لتعصف بالأخضر فينا من حيث ندري، ولتتصادم من ثمّة عكس أطروحاتنا النظريّة حضارتان وثقافتان· مع أنّني مازال بي عشق لشيء من التّواصل بين شرق حالم وغرب ظالم، فقد ارتأيت الهروب، إلى حين، إلى هناك، إلى إسبانيا وعبرها إلى بلدان أميركا اللاّتينيّة ليكون لي فيها موطئ قدم وقلم، فكان لي ما أردت لأتورّط بمحض رغبتي الكاسرة في ما أراه ''المرحلة القائظة'' بعد أن عشت المرحلة الباردة (تجربة أوروبّا الشرقّية: روسيا وما جاورها) والمرحلة الفاترة (تجربة أوروبّا الغربيّة: فرنسا وما جاورها)· أمّا بخصوص تشتّت الحالة الشّعريّة في أكثر من وسيط لغويّ فإنّ مجرّد الوعي بهذا، يجعلني أحذر المطبّات المحتملة لأيّ انحراف غير محمود العواقب عن الطّريق الساّلكة، في مستوى مصداقيّة ما أنا بصدده: كتابة القصيدة الّتي أريد، باللّغة الّتي أريد، وبالمواصفات والمعالجات الفّنية الّتي تحقّق لقصيدتي الإضافة بانزياحها وفرادة أسلوبها· ؟ لكن يعاودنا السّؤال: لماذا تصّر على الذّهاب إلى الآخر بأكثر من لغة؟ وكيف يتسنّى لك في الآن نفسه الإلمام بأسرار كلّ لغة، على حدة؟ ؟؟ أن تتواصل مع الآخر بلغته يعني أنّك تماهيت معه مع الوعي بعدم الذّوبان فيه، ويعني أنّك ذللّت الحواجز القائمة بينك وبينه، من أجل استكناه حقيقته الكامنة أو المعلنة، ومن أجل أن يكون لكما برزخ خاصّ لكأنّه فضاء عائليّ حميم تتشكّل عبره مدينة قادمة هي مدينة المثقّف الجديدة بكلّ ما تنطوي عليه من شوارع تفضي ولا تفضي، وبنى تحتيّة وفوقيّة وأسوارشائكة وأحلام وهموم مشتركة وهكذا، يتحقّق ما به نكون معا، على أرض الواقع، عبر الوسيط اللّغويّ الّذي لا يخون· أمّا كيف يتأتّى لي ذلك فإنّ لي في الواقع ولعاً كاسرا باقتحام الغرف السّريّة لأيّة لغة، وأجد لذّة بالغة وأنا أكافح هذه اللّغة أو تلك، بل لعّل أوّل ما أفعله وأنا أهّم باعتناقها أن أحاول تدجينها وهي تتأبّى ممانعة أو رافضة لأظلّ زمنا طويلا أحبو كالطّفل تماما في دهليزها، أتعثّر كي أسقط بين ركبتيها وأنهض باكيا لأنعم، لا بحنانها الجارف، بل بشيء اسمه الحرمان وكلّما ازداد الحرمان، ازداد تعلّقي الجحيميّ بها حتّى تأمن جانبي وتسّلمني في نهاية المطاف مفتاحها السّرّي وما خفي من أبجديّتها· الإمارات ومؤتمر شعراء العالم ؟ من هنا، اهتديت إلى أميركا اللاّتينيّة لتصبح ''سفير شعراء العالم'' فيها، ممثّلا للعالم العربي؟ ؟؟ فعلا، هذا ما كان، بمثل هذا التلاقح والتلاقي عبر اللّغة الإسبانيّة تحديدا، سنح اللّقاء مع نظرائي من شعراء المرحلة في عموم أميركا اللاّتينيّة· إنّ حركة ''شعراء العالم'' الّتي انبعثت سنة 2005 بأميركا اللاّتينيّة، متّخذة من سانتياغو مقرّا لها، بمبادرة من أمينها العام الشّاعر الشّيلي لويس أرياس مانثو، أمكن لها أن تجمع شمل العائلة الشّعريّة، الموسّعة بانفتاحها على القارّات الخمس ليتموقع من ثمّة عبر أقسام بوّابتها النّاطقة بلغات شتّى 2400 شاعر من ضمنهم 700 يمثّلون 22 دولة عربيّة· وإنّ الحركة، وهي تعمل جاهدة من الآن على استيفاء كلّ ما يتطلّبه ''المؤتمر الأوّل لشعراء العالم'' بالبرازيل، في غضون مايو ،2008 لتتطلّع في الآن نفسه إلى مبادرة عربيّة لاحتضان ''المؤتمر الثّاني لشعراء العالم'' سنة ،2009 على نحو يحقّق للطّرفين معا ما ينشدانه من وراء تنظيم هذه التّظاهرة أو تلك، من صدى وفي ذلك انتصار للشّعر في عصره ولأهله ويبدو أنّ النّيّة تتّجه، بكثير من التّفاؤل، إلى الإمارات العربيّة المتّحدة لتحتضن، مشكورة، هذا المؤتمر في دورته الثّانية· زمن عاصف بالروح ؟ ''دستور الشعراء'' بيان تمّ توقيعه في عمّان، أثناء التئام فعاليّات مهرجان جرش للثقافة والفنون سنة ،2003 لماذا هذا ''البيان؟ ؟؟ إزاء الخطر الداهم في شتى تمظهراته المعلنة وغير المعلنة، يهدد الكائن في جوهر وجوده: مسخا لهويته وحطّا من قيمته (إن وجدت)، وإزاء اللغط الجائر، المستهدف الشاعر والمشكك في نبل رسالته: قولا بلا جدوى الكتابة، في زمن عاصف بالروح وبالكلمات كهذا كان لا بد من ''بيان'' يقول عصره ويحقق القيمة المضافة والمعنى لشاعر الهنا والآن، وما هذا ''البيان'' الذي وقع على ديباجته كل من: محمد علي شمس الدين (لبنان) عز الدين المناصرة (فلسطين) رشيد يحياوي (المغرب) يوسف رزوقة وشمس الدين العوني (تونس) إلا مشغل في صميم حرائق المرحلة ومتغيراتها، سيظل مفتوحاً على المستقبل، يهم الجميع: نقادا وشعراء، من أجل مماحكته ومقاربته للخروج من ثمة بـ ''دستور الشعراء نهجاً ودوراً وأداة''· يوغا شعرية ؟ تخوض منذ سنوات تجربة ''اليوغا الشّعرية''، هل يعني هذا أنك غاندي بالمفعول الرجعيّ للكلمة؟ ثم ما معنى اليوغا الشعريّة في هذا الزّمان؟ ؟؟ أنا غاندي الألفيّة الثّالثة لكن عبر الكلمات، وقد بلورت فكرة اليوغا الشّعريّة في خمسين قصيدة، وردت كلها تحت عنوان ''يوغانا''، وقد صدرت ضمن مجموعة شعرية تحمل عنوان ''يوغانا: كتاب اليوغا الشعرية''، هي تجربة مارستها لمدة سنتين مع هيرا فوكس بالفرنسية، وأمارسها حاليا بالإسبانية مع الشاعرة الأرجنتينية غراسيالا مالغريدا، وأنجزنا إلى حد الآن 150 يوغانا· اليوغا الشعرية أو يوغانا هي سؤال الروح، وهي تمارس رياضتها عبر الكلمات العازلة للعزلة، للرياح السموم ومشتقاتها، لكل دخيل غير مرغوب فيه ولكل عنف مفروض من الداخل أو من الخارج· ما أحوجنا جميعا، في زمن الضغط العالي والتلوث بأنواعه والهستيريا، أن نختط لنا في هذا الفضاء الرقمي، المعولم نهجاً نسميه اصطلاحا: يوغانا، نحاول عبره أن نسن أجندة الإنسان القادم، في محاولة شعرية لإنقاذه من نفسه ومن محيطه الدائري، الضاغط والرابط بين حلقات الراهن المستحكمة، بين الرقبة والمشنقة، بين الأجداد والأحفاد وبين النحلة ورحيقها في رحلة اكتشاف المجهول، على ألا يفهم من فحوى ما نحن بصدده، أننا ندعو إلى الانقطاع عن واقع الإنسان وضجيجه إلى ما يشبه الزهد والتكهف أو حتى النوستالجيا: هروبا إلى الخلف، إلى بائد الأزمنة حيث الأمكنة تهرب من ذويها الغرقى في الغيب وفي الغياب وفي أشياء أخرى تعني الهزيمة والتهويم المزمن في سماوات اليوتوبيا، بمنأى عن ''أرض الحقيقة''· ؟ كيف يتحقق ذلك في الواقع؟ ؟؟ بالارتماء افتراضاً في فضاءات قد تبدو، تعيينا وإحصاء، هندسية نفترضها أوعية عازلة بالإقصاء لشتى ضروب التلوث والإزعاج، مثلا: ما الذي يمنع إنسان ''القرية الكونية'' وهو يتحرك في ذروة الزحام، مساء السبت في شارع رئيسيّ مثلا من أن يتحاشى كل إحساس بالضغط النفسي الخانق جراء ذلك الزحام؟ ألا يمكنه افتراضا أن ينصب لنفسه في رأسه خيمة وهو في غمرة ذلك الزحام، يتربع فيها، بحيث يعزل عالمه الخارجي المتحرك ـ وهو فيه ـ داخل نفسه الساكنة، فلا يتناهى من ثمة إلى سمعه أي صوت أو صداه إلا بإذن منه متى أراد ذلك وحتى لا تستقيل الذات، ذاته، بالكامل من شرط تلازم البداهة وهي ركن من أركان الحضور مع واجب التنزل ـ تكيفا، لا اضطرارا ـ في أوركسترا الواقع وتبعاته الناجمة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©