الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

مدينة بلجيكية تعالج المجانين "بالمحبة"

22 مايو 2010 15:27
تشكل مدينة "جيل" البلجيكية حالة عالمية فريدة، بفضل مواظبة عائلات كثيرة فيها على استضافة أشخاص مصابين بأمراض عقلية ونفسية ليعيشوا معهم، في تقليد توارثوه منذ قرون، ما جعل منظمة الصحة العالمية تعتبرها "مجتمعا مثاليا" للعلاج الطبيعي. ورغم أن هذا النوع من الرعاية التي يقدمها المجتمع للمرضى، يطلق عليه اسم "العلاج بالمحبة"، وهي تقنية علاجية حديثة في علم النفس، ويسخر البلجيكيون أنفسهم من المدينة وأطلقوا عليها لقب "مدينة المجانين". وحاليا تستضيف 350 عائلة في هذه المدينة الصغيرة الواقعة شمال بلجيكا، أشخاصا مصابين بأمراض عقلية ونفسية ليعيشوا معهم كباقي أفراد الأسرة. وتضم المدينة عددا من المستشفيات المتخصصة، في علاج الأمراض العقلية والنفسية، وتنظم جمعية "أو بي زد" (المركز العام للعناية العقلية) المحلية المتخصصة هذا النشاط. وقال "يوهان كلايس" المتحدث باسم "أو بي زد" إن هناك "عددا من الشروط الأساسية"، ينبغي توافرها في أي عائلة تريد استضافة مرضى، أولها ألا يكون مكان سكن العائلة بعيدا عن تجمع المشافي، بحيث "يمكن نقل المريض للمشفى في غضون نصف ساعة إذا حدثت أي مشكلة"، وأن توفر العائلة غرفة خاصة ومريحة للمريض. وأضاف "كلايس" لا مشكلة إن كانت العائلة مكونة من زوجين، أو كان أحد الزوجين غير موجود، لكن الشرط الأول والأخير يبقى أن تكون العائلة "مستقرة وقوية نفسيا". وتؤكد الجمعية على العائلات التي تعرض الاستضافة أن "أهم شيء هو الاستعداد لقبول شخص مريض كفرد في العائلة، يشاركهم كل تفاصيل حياتهم، يشاهد معهم التلفزيون ويأكل معهم على الطاولة نفسها". وفي تقرير صدر عام 2001 ذكرت منظمة الصحة العالمية إن مدينة "جيل" هي "أحد أفضل الأمثلة على قدرة المجتمع على معالجة المصابين بالأمراض العقلية"، مضيفا أنها "أقدم مجتمع يوفر علاجا طبيعيا للأمراض العقلية في العالم الغربي". وجاء في التقرير أن "المرضى يعيشون مع العائلات في تقليد يسود منذ القرن الثالث عشر، وتعود جذوره إلى القرن السابع". وتشهد المدينة خلال شهر مايو الحالي احتفالات استعراضية كبيرة، ومعارض تتيح الاطلاع على طريقة "العلاج بالمحبة" ومقابلة العائلات التي تستضيف المرضى. وتقام هذه الاحتفالات مرة كل 5 سنوات. ويفخر أهل هذه المدينة بما يقومون به، مثل "جوزفين انجلن" السبعينية التي استضافت عددا من المرضى، وتقول عن هذه التجربة "عشت سعيدة دائما لأنني لم أحس مرة أن أولادي تركوا البيت، كنت محاطة دائما بمن عاملتهم كأولادي". وتروي "جوزفين" بفخر كيف أنها نشأت في عائلة طالما نظرت إلى المرضى على أنهم "أصدقاء وأخوة"، مضيفة "عاش مع جدتي 9 مرضى، وفي الماضي رفضت اللباس الرمادي الموحد الذي كانوا يوزعونه عليهم، وبفضل معارضتها صار المرضى يلبسون كغيرهم". وتؤكد "أو بي زد" أن المرضى المهيئين للعيش مع العائلات جميعهم "في مرحلة مستقرة من المرض"، وأن وجودهم ضمن عائلات "يمكنهم من التعبير عن نفسهم بشكل أفضل لأنهم يعيشون حياة طبيعية. ويجعلهم يحسون بسعادة تأتي من شعورهم باهتمام الآخرين بهم". وتحصل العائلات المستضيفة على مساعدة من الحكومة ترواح بين 500 و600 يورو تقريبا، وتم إقرار هذه المساعدة بمرسوم ملكي صدر عام 1991. وأشارت العائلات المستضيفة أن هذه المساعدة ليست أجرا بل "مصروفا للمرضى"، لكن استضافة المرضى ألحقت بمدينة جيل وصمة قد لا تمحى، فكثيرون يطلقون عليها اسم "مدينة المجانين". من هؤلاء "ليزيت"، وهي سيدة ستينية مقيمة في بروكسل، جاءت لحضور احتفالات المدينة مع صديقتها المقيمة في بلدة قريبة من جيل. وعند سؤالها عن الذي كانت تعرفه عن المدينة قبل زيارتها، أجابت "ليزيت" بتردد وخجل "هناك نكات كثيرة عن مجانين جيل". أما صديقتها فتروي بمزاح كيف بكت طويلا في صغرها عندما علمت أنها ستدرس في جيل. وكيف كانت تعترض على ذلك قائلة لأهلها "هل تريدون مني أن أدرس عند المجانين؟". ويذكر سكان المدينة أن وجود المرضى فيها أدى إلى شيوع نوع خاص من السياحة بعد الحرب العالمية الثانية. إذ كان البلجيكيون يأتون على أمل أن يعيشوا المغامرات التي كانوا يسمعونها عن "مجانين جيل"، وأن ذلك كان يسبب مشاحنات كثيرة بينهم وبين السياح، الذين كانوا يسعون للضحك حتى لو على حساب استفزاز المرضى ومضايقتهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©