الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قاديروف... ولاية ثانية في الشيشان

29 مارس 2011 19:37
في الوقت الراهن، تشهد جروزني عاصمة جمهورية الشيشان، التي كانت قد تحولت إلى ركام بفعل حربين وحشيتين حركة عمران مزدهرة، حيث ترتفع فيها البنايات السكنية، وينهض متحف جديد تكتسي جدرانه بورق الحائط المذهب، ويشمخ مسجد فخم العمارة عظيم البنيان. وعندما يتجول المرء في أنحاء العاصمة، يلاحظ الجنود المدججين بالسلاح المتواجدين في كل مكان، الذين ينم منظرهم عن طبيعة الصفقة المسكوت عنها التي تحفظ السلام في هذا الإقليم المضطرب. فهؤلاء الرجال لا يتلقون أوامرهم من موسكو، ولكن من الزعيم الشيشاني"رمضان قاديروف"، أمير الحرب السابق الذي عينه بوتين رئيساً لجمهورية الشيشان الواقعة شمال جبال القوقاز منذ أربع سنوات، وترك له الحرية في أن يفعل ما يشاء مقابل التعهد بتهدئة إقليمه المتمرد. مؤخراً أصدرت موسكو قراراً جديداً بخصوص رجلها الصارم، وهو أنه سيستمر في منصبه الحالي رئيساً لجمهورية الشيشان لمدة خمس سنوات أخرى تبدأ اعتباراً من الشهر المقبل، وهو قرار اتخذ بتشجيع من ميدفيديف. مع ذلك لا يمتلك الرئيس الروسي، ورئيس وزرائه، سوى سيطرة ضئيلة على مجريات الأمور هنا، ولم يكن أمامهما من خيار سوى الترحيب بولاية قاديروف الثانية التي ستبدأ في الخامس من أبريل المقبل. يقول "سيرجي ماركيدونوف" المحلل الروسي الذي يعمل في الوقت الراهن زميلاً زائراً بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: "لقد أقام رمضان قاديروف دولة داخل الدولة... وأرى أن القيادة الروسية باتت رهينة لديه، ولا اعتقد أن هناك طريقة لاستبداله... وهذه هي المشكلة الكبرى". في الأسبوع الماضي استدعى قاديروف مجموعة من الصحفيين الأجانب الذين يزورون جروزني إلى لقاء في المساء المتأخر في المجمع الرئاسي الحصين بالعاصمة. وبعد أن جعل الصحافيين ينتظرونه لساعتين كاملتين دخل قاديروف إلى غرفة المؤتمرات في القصر متبختراً، والساعة تقترب من منتصف الليل ليجلس ويرد على الأسئلة والاتهامات الموجهة إليه بشأن انتهاكه لحقوق الإنسان. وبعد أن أكد على التزامه بالقوانين الروسية قال قاديروف:"لقد كلفتنا روسيا بمهمة لسحق الإرهاب والقضاء عليه في شمال القوقاز، وقد نجحنا بالفعل في تحقيق بعض النتائج الجيدة في هذه المهمة". يحرص قاديروف دائماً على إعلان ولائه لبوتين، الذي تتصدر صورة ضخمة له جدران برج المراقبة في مطار جروزني الدولي، ولكن الحقيقة أنه يستمد سلطته ونفوذه من قوة سلاحه، وليس من السلطة السياسية في موسكو. وامتثالاً لطلب من قاديروف، سحبت موسكو معظم جنودها من الشيشان عام 2009، بحيث لم يعد يتبقى سوى عدد محدود من الجنود الذين يقضون معظم الوقت في ثكناتهم وقلما يغادرونها. وتتساءل "كمبرلي مارتين"، الأستاذة بجامعة كولومبيا: "إذا حدث شيء لقاديروف، فماذا ستفعل روسيا في هذه الحالة، خصوصاً إذا أخذنا في اعتبارنا أن العلاقة بين موسكو وجروزني تقوم بالكامل على رجل واحد، وأن القوات الروسية القليلة العدد التي تبقت في الشيشان تعمل تحت توجيهات من قوات الأمن المحلية". وتسمي "مارتن" التي تنشغل في الوقت الراهن بتأليف كتاب عن أمراء الحرب ودورهم في الدول المختلفة، هذه العلاقة بأنها نوع من" تعهيد السيادة" أي ترك دولة- هي روسيا- لمسألة سيادتها على إقليم الشيشان - في عهدة رجل واحد. وتضيف قائلة إن الشيء الغريب إن ذلك يحدث بعد أن شهدت الشيشان حربين شرستين أسفرتا عن مصرع ما لا يقل عن 50 ألف إنسان من أجل الحصول على استقلالها الذاتي. وما قالته "مارتن" بالنص حول هذه النقطة:"المفارقة هنا أن روسيا قد منحت الشيشان ما يشبه الحكم الذاتي، وذلك بعد أن خاضت حربين من أجل حرمان تلك المنطقة من ذلك الشيء على وجه التحديد".أما ماركيدونوف الذي سبق أن أشرنا إليه فيقول:"إنني لا أتخيل أن يأتي يوم يستدعي فيه بوتين أو ميدفيديف قاديروف كي يقولا له: عزيزنا إنك لم تعد رئيساً للشيشان". وكان قاديروف قد قال في لقاء صحفي أجراه الأسبوع الماضي إنه لم يعد هناك سوى 68 مقاتلاً مسلحاً في الشيشان، وأنه يعرف أسماءهم فرداً فرداً. فمن بينهم" دوكو عمروف" المقاتل المتمرد المرتبط بتنظيم "القاعدة"، والذي أكد مسؤوليته عن الهجوم الذي وقع على محطة مترو الأنفاق وعلى المطار وهما الهجومان اللذان تسببا في قلق عنيف لدى الولايات المتحدة لدرجة أن وزارة الخارجية الأميركية قد وضعت اسم" عمروف" على قائمة الإرهابيين المطلوبين. بيد أن قاديروف يهون من شأنه ويقول بثقة "عما قريب سيقع بين أيدينا". خلال وجودنا في جروزني التقينا بمجموعة من الشابات الشيشانيات اللائي يدرسن في جامعة "جروزني ستيت"، واللاتي قلن لنا أمام الأعين المراقبة للمسؤولين الذين كانوا يرافقونني في الزيارة إنهن يرتدين غطاء الرأس" الحجاب" من تلقاء أنفسهن. ولكن بمجرد أن تمكن البعض منا من الهروب من الرقابة الرسمية وعقد اجتماع غير مصرح به مع هؤلاء الشابات، فإننا سمعنا منهن قصصاً مختلفة عن حياتهن في هذا البلد. عندما التقينا في إحدى القرى غير المضاءة في جنوب غرب جروزني بامرأة تبلغ من العمر 41 عاما حكت لنا وهي تبكي عن ابنها الذي اختفى في أكتوبر عام 2009 عندما كان عمره 19 عاماً. وقالت لنا تلك السيدة إن الجنود الروس الذين كانوا يطاردون مجموعة من المتمردين في القرية، قد اقتحموا بيتها بعد أن خاضوا معركة مع هؤلاء المتمردين أسفرت عن مصرع أحدهم ومصرع واحد منهم - من الجنود - واتهموها بأنها كانت تأوي المتمردين في بيتها. وبعد ذلك قاموا بإحراق البيت وقبضوا على ابنها الطالب الجامعي لكي يجبروه على الإدلاء بأسماء المتمردين. وكانت آخر مرة رأته فيها في تلك الليلة في مخفر الشرطة القريب من القرية، وقد بدت أثار الضرب المبرح على وجهه، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخباره تماماً. كيثي لالي- جروزني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©