الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سعيد بنكَراد يتقصى الأنساق والطقوس والعلامات

سعيد بنكَراد يتقصى الأنساق والطقوس والعلامات
5 ابريل 2014 00:11
محمد نجيم (الرباط) في كتابه «وهج المعاني»، يحفر الباحث المغربي الدكتور سعيد بنكَراد في أعماق المعاني والاستعارات التي نستعملها في الحياة اليومية؛ تلك المعاني التي تنتشر في كل شيء، في التصنيف والحكم والتقدير، وتنتشر في الأشياء التي نستعملها للنفع والمتعة والاستيهام، تماماً كما تنتشر الإيديولوجيا في الأحكام والأوصاف والتصنيفات الاجتماعية. ويقول بنكراد في تقديمه لكتابه الصادر عن المركز الثقافي العربي في بيروت والدار البيضاء: «نحن لا نحضر أفراداً داخل المجتمع، إننا نتحرك داخله من خلال وظيفة بها نُعرف ونُصنف، وضمنها نُنْتِج ثقافات فرعية تميز هذا الجسم الاجتماعي عن ذاك. المجنون وحده يمكن أن يكون واحداً يتحرك خارج كل تصنيف سوى جنونه ذاته، إنه يتحدد بذلك باعتباره وظيفة أو صفة موجهة للانزياح لا للتماهي». لذلك ، يقول الدكتور بنكراد «لا يجب البحث عن المعنى فيما تقوله الظواهر بشكل مباشر، كما لا يمكن البحث عنه في ما تعلنه الذات قولاً صريحاً يخص نواياها، صدقاً وكذباً. فمن خصائص المعنى أنه مخاتل ومخادع ومتمنع ومتعدد الجواهر وأشكال التجلي. إنه واقعة ثقافية، تماماً مثل الجسد والإيماءات والطقوس الاجتماعية واللباس والسفور والحجاب. فهذه (الوقائع) ليست نفعية إلا في الظاهر، أو هي كذلك في عيون ترى الأشياء ولا ترى سياقاتها المضمرة، أما في العمق، فإنها تحيل إلى واجهات يحضر عبرها الإنسان في عين الآخر، ومن خلالها يبحث عن (وضع) يخصه باعتباره فرداً، أو باعتباره انتماءً إلى هوية يعمل جاهداً على الكشف عن تجلياتها في اللغة وفي استعمالات الأشياء. لذلك لا تشكل الحاجات الأولية سوى لحظة هشة قد تشير إلى معطى بيولوجي ثابت يتكرر من خلاله الوجود الإنساني في الطبيعة، أما الأصل فيه فهو ما تقوله جزئيات السلوك اليومي، أي ما يصنف عادة ضمن (الثقافة)، تلك الحالات الرمزية التي استطاع الإنسان بفضلها الانفلات من (الدورية الزمنية) التي ترعاها الأحكام الدينية، لينوع من حضوره في نفسه وفي الطبيعة. وهذا أمر تؤكده طبيعة الدين نفسه، فما يأتي منه ثابت، أما منتجات الثقافة فزمنية. وضمن السيرورة الزمنية، لا ضمن مُطْلقات الدين، تبلورت كل التصورات الخاصة بالثقافة. فقد كانت خروجاً عن طوع الطبيعة أولاً، ونمطاً في العيش ثانياً، وحالة من حالات السلوك المهذب والراقي ثالثاً. إنها تشير، بحكم هذه الزمنية ذاتها، إلى سيرورة قادت الكائن البشري بشكل تصاعدي من الإنساني، إلى الاجتماعي، إلى الكوني كقيمة يتحدد الإنسان/ الفرد داخلها باعتباره حصيلة سيرورة عامة تتحقق في التاريخ وفي الحضارة استناداً إلى قوانين هي من صلب الممارسة الإنسانية، وليست تطبيقاً لتوجيهات غيبية». ويتابع المؤلف: «إن الثقافة، من حيث نِسبيتها الناتجة عن زمنية السلوك وطبيعة التعاقدات الاجتماعية، تؤكد، من خلال التنوع فيها وضدا على كليات الدين وعمومياته، حق كل الثقافات في الوجود، شريطة ألا تتناقض مع ما يصنف ضمن (الأخلاق الإنسانية الكونية)، أو ما يمكن أن يناهض (الضمير الإنساني)، باعتباره واحداً في ذاته، ومتعدداً في الجوهر والتحقق والتجلي»، ويضيف «وجوهر الثقافة هذا هو الذي يجعل البحث في جزئيات وتفاصيل المعيش اليومي بحثاً في الجوهر الحقيقي للإنسان نفسه. فما يقوله عن نفسه وما يحتمي به، باعتباره واجهة دينية قد تجنبه (نار العقاب) أو تقيه (شر الأحكام الاجتماعية)، أو باعتباره واجهة تحدد عرقه أو أصله، ليست، في واقع الأمر، سوى قناع تختفي وراءه أشكال سلوكية (أرضية) شوهتها التقاطعات الكبيرة بين أحكام مسبقة ميزتها الثبات في الزمن، وبين إفرازات سلوك متطور في الثقافة. فكما أن اللغة هي كينونة الإنسان وامتداده في الآخر وفي التاريخ، فإن أشياءه وطقوسه هي الواجهة المادية لهذه الكينونة. وهو أمر يمكن أن نفسر من خلاله الأحكام الخاصة بالحجاب مثلاً، فهو في جوهره نمط اجتماعي في اللباس، ولكنه تحول، ضمن قواعد الدين وأحكامه، إلى هوية يتحقق داخلها الانتماء، ومن خلالها يصدق الإيمان ويترسخ». ويؤكد بنكراد أن هدفه في هذا الكتاب هو من أجل التعاطي مع محيط إنساني «دال» بالجوهر والعرض واللون والشكل، ودال أيضاً من خلال أشياء الذات الاجتماعية وأهوائها ومنتجات عينها ولسانها. فبداهات هذا الوجود لا يمكن أن تنسينا أن في المظهر النفعي للظواهر تختفي الإيديولوجيا والأحكام المسبقة والتصنيفات الدينية والعرقية والطائفية، ووراء يافطات الانتماء إلى العقائد تتسلل الثقافة باعتبارها الشاهد الوحيد على تطور الإنسان في الزمن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©