الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كارثة اليابان: ضربة للاقتصاد العالمي

29 مارس 2011 19:37
بينما نناضل جميعاً في محاولة لفهم الأثر الاقتصادي والمالي المترتب على فاجعة اليابان، يصبح من المغري أن نبحث عن قياس تاريخي نسترشد به. والواقع أن العديد من المراقبين سارعوا إلى الاستشهاد بما حدث في أعقاب زلزال "كوبي" الرهيب عام 1995. ولكن هذا المثال محدود للغاية في فهم ما ينتظر اليابان في المستقبل، وقد يفضي الإفراط في الاعتماد عليه إلى تقويض الاستجابات السياسية المناسبة، سواء في اليابان أو في الخارج. ولننظر أولاً إلى أوجه التشابه بين مأساة اليابان الحالية وتلك التي ألمت بها عام 1995. لقد اشتمل كل من الحدثين المأساويين على زلازل رهيبة أسفرت عن معاناة إنسانية هائلة وأضرار مادية واسعة النطاق. وفي كلا الحالتين جاء الدمار مصحوباً بتعطل الحياة الاقتصادية اليومية. وهناك أيضاً أوجه تشابه مهمة تتعلق بالتخطيط للمستقبل. فكما كانت الحال في أعقاب كارثة "كوبي"، سوف يتلو التركيز الحالي على إنقاذ الناجين برنامج ضخم لإعادة البناء. وقد دفعت أوجه التشابه هذه العديد من خبراء الاقتصاد إلى طرح تكهنات مبكرة فيما يتصل بالعواقب الاقتصادية على الصعيدين الوطني والعالمي، بما في ذلك انخفاض حاد لمعدل النمو في اليابان ثم انتعاش سريع في عام 2011، حيث يعقب الانكماش الأولي طفرة في النشاط الاقتصادي، بما يشير إلى التعافي السريع للقاعدة الضريبية ومستوى الناتج المحلي الإجمالي. والواقع أن مثل هذه التكهنات تنبئنا بضرورة توخي الحذر ضد ردود الفعل المفرطة من جانب صناع السياسات خارج اليابان. فبدلاً من المسارعة إلى دمج التطورات التي تشهدها اليابان الآن في تفكيرهم، يتعين على صناع السياسات أن يتعاملوا مع العواقب التي سيتحملها الاقتصاد العالمي باعتبارها تأثيرات "مؤقتة" - أي أن عكس اتجاهها أمر ممكن - وبالتالي "ينظرون عبرها" في تصميمهم لاستجاباتهم. ولكن هناك خطراً يتمثل في استخفاف هذا التوجه بالعواقب المحلية والدولية المترتبة على كارثة اليابان. وعلى هذا فقد يساهم هذا التوجه في طرح استجابات غير كافية في اليابان ذاتها -من الحكومة إلى الشركات الفردية والأسر اليابانية - وكذلك في بلدان أخرى. والواقع أن مثل هذا التشخيص المختل قد يؤخر ما أعتبره انتعاشاً حقيقياً في اليابان في نهاية المطاف. وهناك خمسة عوامل تشير إلى أن اليابان تواجه مجموعة عصيبة على نحو منقطع النظير من التحديات. الأول أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الكوارث اليابانية الثلاث (الزلزال المروع، والتسونامي المدمر، والأزمة النووية) قد تكون ضعف الأضرار التي أدت إليها كارثة "كوبي"، وعلى النقيض من "كوبي" أثرت هذه المصائب على طوكيو -بشكل غير مباشر لحسن الحظ - حيث يتركز نحو 40 في المئة من الإنتاج الصناعي في اليابان. والثاني أن الموارد المالية العامة في اليابان أصبحت اليوم أضعف مما كانت عليه عام 1995، كما أصبحت العوامل الديموغرافية أقل تبشيراً. فقد بلغ الدين العام المحلي اليوم نحو 205 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 85 في المئة في عام 1995. والثالث أن معدلات الفائدة القياسية تقترب بالفعل من الصفر، وكانت كذلك لفترة من الوقت. وهذا من شأنه أن يقوض من فاعلية السياسة النقدية على الرغم من الجهود الجريئة المبتكرة التي يبذلها بنك اليابان لضخ السيولة إلى شرايين الاقتصاد. ويتلخص العامل الرابع في أن إضافة حالة عدم اليقين النووي المزعزع للاستقرار إلى التأثير المروع للكوارث الطبيعية، يعمل على تضخيم التحديات التي تواجه جهود إعادة البناء. ونظراً للأضرار والمخاطر فإن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن تتمكن اليابان من استعادة قدرات توليد الطاقة بالكامل، الأمر الذي لابد وأن يؤثر على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل. وتشكل سلامة الغذاء أيضاً مصدراً للقلق والانزعاج، وكذلك التأثير الاقتصادي الذي يخلفه عدم اليقين النووي على الحالة النفسية والمعنوية لليابانيين. وأخيراً، أصبحت البيئة الخارجية اليوم أكثر تحدياً بالنسبة لليابان. فأثناء فترة إعادة بناء "كوبي"، كان الطلب العالمي مزدهراً وكانت الإنتاجية العالمية في ارتفاع، وذلك بسبب طفرة الصين، وثورة المعلومات والتكنولوجيا والاتصالات في أميركا، والتقارب السياسي والاقتصادي في أوروبا. أما اليوم فإن الطلب الكلي في الكيانات الاقتصادية المتقدمة لا يزال يمر بمرحلة التعافي من الأزمة المالية العالمية، في حين تحاول الأسواق الناشئة ذات الأهمية الشاملة مثل البرازيل والصين كبح سياساتها في محاولة لتغيير اتجاه فرط النشاط الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، على جانب العرض، تتعامل البلدان مع أسعار السلع الأساسية المرتفعة والمتقلبة، بما في ذلك الارتفاع الحاد في أسعار النفط نتيجة للانتفاضات التي تجتاح الشرق الأوسط. وإذا أثبت هذا التحليل صحته، فإنه يعني ضمناً أن تحديات إعادة البناء في اليابان ستكون أكثر صعوبة من نظيراتها في أعقاب زلزال "كوبي"، وستكون الثروة السلبية والتأثيرات على الدخول هذه المرة أكثر حِدة، ومن المرجح أن تستغرق عملية التعافي وقتاً أطول وأن تكون أكثر تعقيداً. وعلى المستوى الوطني، يستدعي هذا وبشكل عاجل درجة من الوحدة والحسم كانت غائبة عن السياسة اليابانية لأعوام. وفي غياب هذا فإن السلطات سوف تجد صعوبة كبيرة في التواصل وتنفيذ رؤية اقتصادية متوسطة الأمد تضع النمو المعزز السريع، وليس فقط إعادة البناء، في صميم الاستجابة السياسية. كوارث اليابان سوف تضيف إلى الرياح المعاكسة للاقتصاد العالمي -سواء كان ذلك من أثر الهبوط الأولي في الاستهلاك المحلي للدولة صاحبة ثالث أضخم اقتصاد على مستوى العالم، أو تعطل سلسلة التوريد العالمية (وخاصة في قطاعي التكنولوجيا والسيارات). فضلاً عن ذلك فإن أزمة اليابان النووية سوف تعني قدراً أعظم من عدم اليقين بشأن الطاقة النووية في بلدان أخرى. وهناك أيضاً الزاوية المالية، والتي تتوقف أهميتها على المزيج الذي يتألف من الاقتراض الحكومي، وتسييل الديون، وإعادة توطين المدخرات اليابانية التي تستخدم لتمويل برنامج إعادة البناء في اليابان. وكلما كان عنصر إعادة التوطين أكبر، كلما كان التأثير السلبي على بعض الأسواق المالية أضخم. وعلى هذا فإن تجنب الطرق التحليلية المختصرة، على الرغم من الإغراء الذي قد تشكله، ربما يكون السبيل الأفضل في هذه المرحلة المبكرة. وسوف يتطلب الأمر الوقت والتحليل الدقيق لتحديد العواقب الحقيقية المترتبة على كارثة اليابان الثلاثية، بما في ذلك التأثير الأبعد أمداً على اقتصادها وعلى اقتصاد العالم ككل. محمد أ. العريان الرئيس التنفيذي والمدير المشارك للاستثمار لشركة بيمكو، شركة إدارة الاستثمار العالمي ينشر بترتيب مع خدمة «بروجيكت سنديكيت»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©