السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عائدات النفط العربي··· واستثمار المستقبل

عائدات النفط العربي··· واستثمار المستقبل
13 يوليو 2008 23:29
ربما يعتقد البعض أن ارتفاع سعر برميل النفط الخام الواحد إلى 140 دولارا، فيه ما يحمل أخباراً سارة لمنطقة واحدة في العالم -على الأقل- هي الشرق الأوسط، وهو خبر سار بالفعل في الوقت الراهن، إلا أننا قد نكتشف في نهاية الأمر أن المنطقة نفسها هي الأكثر تضرراً من هذه الزيادة، فبالنسبة للأميركيين الذين يعانون ويلات التباطؤ الاقتصادي الحالي الناجم عن ارتفاع أسعار الوقود، ربما تكون هذه الأزمة دافعاً إضافياً لهم لتقديم التضحيات اللازمة للحد من اعتماد بلادهم على طاقة النفط، وفيما لو تمكنا من فعل ذلك، فإنه دون شك سوف يكون إنجازاً كبيراً لاقتصادنا وبيئتنا وأمننا القومي· وعندها سوف ينقلب الوضع في الشرق الأوسط الذي يشهد ازدهاراً اقتصادياً كبيراً في الوقت الحالي، بما يخلق ذلك النوع من الفرص المواتية لتمكين دوله وحكوماته من التصدي للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة، التي أفرزت نشوء الجماعات الإرهابية المتطرفة، هذا ما تأمل فيه قيادات المنطقة دون شك· غير أن الخطر يكمن في ترجيح تدهور الوضع الأمني للمنطقة، واحتمال زعزعة استقرارها أكثر مما هي عليه الآن، بسبب الطريقة التي تنفق بها العائدات المالية الضخمة التي تدرها عليها الأرباح النفطية، وهذه مشكلة لا ريب فيها، ويتوقع لها أن تلقي بتأثيراتها السالبة على العالم بأسره، خاصة وقد عرفت المنطقة بتصدير مشكلاتها وأزماتها إلى بقية دول العالم وشعوبه، ويجب القول هنا إن الشرق الأوسط بدد جزءاً لا يستهان به من الموارد المالية الضخمة الناشئة عن ازدهار صناعة النفط خلال عقدي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، غير أن هناك من القادة العرب من سعى إلى بناء شبكات رعاية اجتماعية هائلة، أسهمت في تحسين مستوى الرعاية الصحيـــة وغيرها، إلا أن الحصص الأكبر من تلك العائدات وجدت طريقها إلى خارج البلاد، حيث استثمرت في قطاع العقارات، أو وضعت في حسابات مصرفية في بنوك سويسرا، ولم يفعل ذلك الإجراء شيئاً لتنمية اقتصادات المنطقة، ناهيك عن تنويع مصادر دخلها القومي، وبالنتيجة وما أن تراجعت صناعة النفط في عقد التسعينيات، حتى حلت المشكلات والأزمات الاقتصادية بالمنطقة، ومعها حلت كذلك موجة الغضب السياسي وعدم الرضا، التي أفرزت ضمن إفرازاتها تيار التشدد والإرهاب· تحسباً لتكرار ما حدث، يحاول قادة المنطقة إبداء قدر أكبر من الذكاء والحكمة في التعامل مع العائدات الضخمة الناشئة عن الارتفاع التصاعدي لأسعار النفط، وفي كل واحدة من هذه الدول، يلاحظ استثمار مليارات الدولارات في مشروعات تنموية داخلية متعددة، كبناء الصناعات، إصلاح الطرق ومشروعات البنية التحتية، إلى جانب توسيع الخدمات الاجتماعية، ولعل هذه التغييرات الجارية هي التي دفعت بعض النخب الإقليمية ومعها الكثير من المحللين الماليين الدوليين للاعتقاد بأن المنطقة تشهد عصراً جديداً من التحولات، يتسم بالاتجاه العام لتطوير وتنويع مصادر الدخل القومي، وإنشاء الوظائف للجميع، إضافة إلى ما يحمله من مؤشرات على تحول المنطقة العربية إلى قوة اقتصادية عظمى دولياً· غير أن هذا الاعتقاد يستعجل الحكم ويتنبأ بما ليس مرجحاً له أن يتحول إلى حقيقة، والسبب أن أموالاً ضخمة تستثمر في البلدان المذكورة، إلا أنها لا تستثمر في المجالات التي تلبي حاجة المنطقة الأشد إلحاحاً وأهمية، وبالنتيجة تفقد هذه الاستثمارات تأثيرها على تغيير الواقع، بل كثيراً ما تؤدي إلى خلق مشكلات جديدة· فمن منظور الاقتصاد الكلي، يبدو الأداء الاقتصادي للمنطقة باهراً، سواء من ناحية نمو الناتج الإجمالي المحلي، أم من ناحية النمو التجاري والاستثمار المباشر الخارجي، جراء النمو الملحوظ الذي تشهده هذه الجوانب مجتمعة· أما من منظور الاقتصاد الجزئي، فالملاحظ أن معدلات البطالة وعدم التوظيف الكامل للطاقة العاملة، لم تشهد إلا انخفاضاً ضئيلاً يكاد لا يذكر في البلدان نفسها، مقابل الارتفاع المتسارع لمعدلات التضخم الاقتصادي، وبالنظر إلى الأداء الاقتصادي لهذه البلدان من زاوية الاقتصاد الجزئي، عادة ما تفتضح حقيقة تلك الصورة الزاهية البراقة التي ترسمها لنا مؤشرات الاقتصاد الكلي· تضاف إلى هذه الحقيقة أن معظم الأموال التي يعاد استثمارها من تلك العائدات، تستثمر في مشروعات تهدف إلى تحقيق الربح السريع للمستثمرين، وليس إلى جني عائدات اقتصادية سياسية طويلة الأمد لتلك البلدان، والدليل أن جزءاً لا يستهان به من الأموال هذه، يعاد استثماره في القطاعات غير المنتجة، مثل القطاع العقاري ومشروعات تصفية النفط وغيرها، وفوق ذلك فإن الكثير من المشروعات القائمة على عائدات النفط، سوف تعتمد بدرجة كبيرة على الميكنة، ما يعني توظيفها لعدد قليل جداً من الأيدي البشرية العاملة، ليس ذلك فحسب، بل إن غالبية المشروعات التي تتطلب عمالة بشرية، مثل السياحة والزراعة والتشييد والبناء وغيرها، تعتمد على جلب العمالة الأجنبية من دول جنوبي آسيا بدلاً من توظيف اليد العاملة المحلية، وبالقدر نفسه يستثمر قسط من العائدات النفطية في توسيع النظام التعليمي، إلا أنه قلما استثمرت هذه العائدات في إصلاح النظام التعليمي القائم، وبالنتيجة تضخ المؤسسات التعليمية لدول المنطقة أعداداً أكبر من الخريجين، الذين سرعان ما يكتشفون افتقارهم للمهارات الأساسية التي تمكنهم من التنافس في سوق العمل، والشاهد أن نسبة البطالة في أوساط الشباب في دول المنطقة الشرق أوسطية، تعادل ما لا يقل عن 25 في المائة، وهي نسبــة تقارب ضعف معدل البطالــة العالمية! أما فيما يتصل بمواجهة آثار التضخم الاقتصادي، فقد لجأت دول المنطقة، لا سيما المملكة العربية السعودية، قطر وعمان، ودولة الإمــــارات العربية المتحــــدة مؤخراً إلى زيادة رواتب العاملين بنسبة 70 في المائة، وربما ساعد هذا العاملين مؤقتاً في التخفيف من تأثير التضخم السلبي على حياتهم ودخلهم، إلا أنه إجراء يقصر دون التصدي لعلاج المشكلات الاقتصادية الهيكليــــة التي تعانيها هذه الدول، يجدر بالذكر أن العمالة الوافدة التي تعتمد عليها اقتصادات هذه الدول -تشكل نسبة تتراوح بين 80-95 في المائة من القطاع الخاص- بدأت التذمر من أوضاعها بفعل تسارع التضخم، والسبيــل إلى تصحيح هذه الوجهــة الاقتصادية، هو إعادة توجيه الاستثمارات إلى المشروعــــات التي تساعــــد في بنـــاء القوة البشرية المحلية العاملة، وليس إلى تلـــك التي تستهدف جني الأرباح السريعة للمستثمرين· كنيث بولاك زميل رئيسي بمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط بمؤسسة بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©