السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مظاهر وظلال الثقافة العنكبوتية

مظاهر وظلال الثقافة العنكبوتية
3 يناير 2008 00:19
قبل ما يقارب العقد من الأعوام أطل الإبداع من حيث لايتوقعه أحد، شاشات الكمبيوتر تحولت فجأة منصات ضوئية تهيل في عيون قرائها اشتعالات المخيلة الجامحة، منها ما كان يدرك الأحداق متوهجاً، والكثير كان يتناهى الى الأبصار رمادا مذرورا، بدا الموقف مبررا للاحتفاء بحرية منشودة يتيحها انطلاق الضوء في رحاب الأفق، وكان على زمن ما أن يعبر، وعلى كتابات شتى أن تسفك فوق مذبح الأثير الزجاجي، حتى يتنبه أهل الكلمة الى أن الدرب نحو الوجدان المتلقي تحف به أهوال الاستحقاق الإبداعي، هنا مكاشفة حول مخاض النشر الإلكتروني (خصوصاً الشعري) بعد تحوله واقعاً معاشاً، لعل بين ما يثير الاهتمام في سياقها، ان بعض حماة الكلمة من مخاطر المنع والقمع لايترددون في إقامة الحد عليها من باب السوية الفنية· الشاعرالبحريني قاسم حداد كان سباقاً الى إنشاء موقع إلكتروني منحه تسمية ''جهة الشعر''، وهو يوّصف التجربة بالقول: ''أوائل التسعينات، كنت خارجاً من تجربة مجلة ''كلمات''، التي أوقفنا صدرونا بقرار واضح من هيئة التحرير، ولسبب مباشر يتصل بكون المجلة باتت تصطدم بسقف المؤسسة التي كانت تصدر عنها، وهي أسرة الأدباء والكتاب، وهي مؤسسة جديرة باحترام تجربتها ومنظوراتها التي تفكر بها، كانت ''كلمات'' تصدر من رؤيتنا الثقافية والفنية كهيئة تحرير مسؤولة عن مستوى النص الذي تنشره في المجلة، تلك هي ملامح حريتنا في العمل الذي استمر عشر سنوات، غير أن متغيرات طرأت على طبيعة المؤسسة من حيث تصورات الأحقية المؤسسية للنشر، بحيث صار البعض يتصور أن مجرد عضويته في أسرة الأدباء يعني بالضرورة حقه الفني في النشر في المجلة، حاولنا أن نوضح القيمة الفنية هي مسؤولية هيئة التحرير، فلما عجزنا اتخذنا قراراً بالتوقف·'' ويضيف حداد قائلا ''هذه الخلية هي التي جعلتني مستعداً لمشروع جديد يتجاوز السقف الذي يصادر حريتي في حكم القيمة الفنية الذي أقترحه واصدر عنه في النشر، وعندما اقترح الصديق عبيدلي العبيدلي (النديم) أن أطلق موقعاً خاصاً بالشعر كان الأمر مشوقاً وجديراً بالاهتمام، وقد جئت إلى الفكرة برؤية أن يكون الموقع متجاوزاً الأفق العربي ومستعداً لأن ينطلق متعدد اللغات منذ مرحلته الأولى، بحيث نتمكن من وضع الشعر العربي الحديث في أفقه العالمي الإنساني بلا تردد، وكنت أرى خطواتي بقدر لا بأس به من الوضوح، والأهم أيضا، بقدر واضح من الحرية التي توقفت عند سقف مجلة ''كلمات''· ففي شبكة الإنترنت أنت في النشر الإلكتروني الحر والجميل واللانهائي، وفي مثل هذه الشروط ستحتاج لأن تكون جديراً بهذه الشروط، وكنت أقول مبكراً إن مثل هذا الحقل هو مستقبل لا يمكن تفاديه، وعلى من تأخر عنه أن لا يتأخر أكثر، وفي العام 1996 كان الأمر جديداً وغريباً وغير مفهوم من الجميع في الحقل الأدبي والثقافي تقريباً، وكنت أشحذ همم الأصدقاء وأحمسهم لأن يدخلوا التجربة بجرأة وبسرعة، وكنت كلما أطلق صديق صفحته أو موقعه في شبكة الإنترنت أشعر بفرح كبير''· عداوة وهمية وعن العداوة المفترضة بين الإبداع والتكنولوجيا يقول حداد: ''هي عداوة وهمية إذا صح التعبير، فالأمر كله ضرب من الوهم غالبا ما يصدر عن جهل بالجانبين: الإبداع والتكنولوجيا، وليس ثمة حاجز حقيقي يمنع البعض من التعرف على هذا الحقل، وتكفي دقائق قليلة ليكتشف المتوهمون الأهمية والضرورة والجمال والجدية في هذه الوسائط، فالمواقف المحافظة والمتحفظة إزاء كل جديد متوقعة، وما عليك إلا أن تسأل كيف حدث أن اتصلوا بالكمبيوتر ثم الإنترنت، لكي تسمع منهم كيف يعبرون عن شعورهم بالخسارة الفادحة لأنهم تأخروا عن ذلك، بعد أن اكتشفوا المعنى الإنساني لمثل هذه الشبكة الرائعة التي تضعك في مهب الكون دفعة واحدة''· حوار وليس انتشارا وفي معرض الاشارة إلى نضج التجربة وتطورها يقول حداد: ''نكتسب الخبرة والمعرفة كل يوم، ومعي رفقة من الأصدقاء المبدعين والنقاد يعينونني كلما احتجت بالرأي والمشورة في ما يرد من نصوص ل ''جهة الشعر''، لقد استطعنا أن نكتسب للموقع سمعته الفنية الرصينة، والموقف الموضوعي الواضح بروح حضارية تدفع الكثيرين ليتفهموا عدم إمكانية نشر نصوصهم دون حساسية، بل أنهم يسعون بصدق ومحبة لأن يستجيبوا لمقترحات ''جهة الشعر'' الفنية، وهذه التجربة تلقي علينا المسؤولية الأدبية والثقافية التي تستدعي قدراً من الثقة في النفس، وإثبات الرغبة في الذهاب إلى العالم للحوار الإنساني وليس للانتشار الإعلامي، ونحن في جهة الشعر نعي هذه النزوعات كثيراً، ونحاول تفادي أية سلوكيات تصدر عن شهوة الانتشار الإعلامي أو الشهرة بدون أن يتوفر للنص أو المادة المنشورة قيمة فنية تستحق''· سر حميمي من موقع صاحب التجربة يقول حداد إن ''ثمة سراً حميمياً يحتاجه الموقع المختص في حقل الثقافة والإبداع والآداب والفنون، فلا بد أن تكون ثمة لمسة شعرية شخصية تمنح الموقع طبيعته الإنسانية، أكثر من هذا فإن التجربة تفيد بأنه كلما تيسر للموقع شخصية أدبية أو إبداعية تتولى الأمر بشكل مباشر أو يومي، صار له حظ أكبر من النجاح والحيوية''· ولا يتردد في الحسم مؤكداً أن ''عدداً هائلاً من المواقع الأدبية والشعرية والثقافية لا تشكل أية أهمية بالمعنى التقني والإبداعي في الشبكة العالمية، هي مواقع بالغة السطحية والارتجال من جهة، ومن جهة أخرى فمعظمها يصدر من رغبة بائسة للشهرة والانتشار والدعاية الشخصية الفجة، إلى ذلك كله ثمة غياب كاسح للموهبة الأدبية والفنية لدى أصحاب المواقع، وخصوصا الذين باتوا يتصرفون من حكم قيمة ناجز شعريا مجرد إطلاق كتاباتهم في الشبكة، ويبنون سلوكهم على أنهم كتاب وشعراء ويتوجب على العالم أن يصدق ذلك، وهذه هي الظاهرة المضحكة حقا''· فوضوية التعبير في سياق كلامه يلحظ حداد تأثيراً لحالات الكبت الفكري والاجتماعي وانسداد الآفاق بالنسبة لكل وسائل التعبير، وغياب الحريات العامة والشخصية في المجتمع العربي، وانعدام الحرية في أبسط صورها، ويرى أن كل هذه الظروف لا بد لها أن تفرز سلوكاً ينزع إلى التعبير الفوضوي وبدون ضوابط في الحياة اليومية العامة، ''لذلك سوف يجد الشباب في شبكة الإنترنت وسيلة متاحة ومنفلتة لممارسة التنفيس عن كل هذه العقد المركبة، وربما يأخذ البوح الشخصي بالكتابة لبوساً فضفاضاً بمزاعم خواطر أدبية وفنية زائفة، وهذا ما يفسر الكثير مما نصادفه في شبكة الإنترنت، حيث الانفلات من كل سلطة قانونية لن يوقفه غياب الروادع الأدبية السائبة أصلا في طبيعتها الشخصية''· حصافة القارئ الشاعر حداد يجزم أن القارئ الجيد، الذي يشكل رصيد المبدع، قادر على التفريق بين الغث والسمين، بل هو يتوقع من المستقبل أن يفرز حساسية حذرة وصارمة للتعرف على المواهب الإبداعية الحقيقية في ثقافة الإنترنت، مشدداً على أننا ''لسنا في صدد واقع خال من المشكلات المعقدة في الحياة العربية، فثمة ما يفوق الوصف في العطب الحضاري بكل صوره في حياتنا العربية، لماذا لا نتوقع أن تكون تجربتنا مرتبكة وسلبية في أحد أحدث الحقول والممارسات الثقافية مثل الإنترنت، وهو الحقل الذي لا يزال يعاني من اضطراب وزيف وارتجال وسطحية حتى في الغرب نفسه؟''· إغراء المغامرة لالشاعر السوري علي سفر يوضح أن الحرية التي يتمتع بها الإنترنت شكلت إغراء يبررالمغامرة، ويضيف واصفاً البدايات: ''هكذا تشكلت المعادلة، فالشعر يحتاج لفضاء حر، والحرية متوفرة هنا، وبشكل سهل وممتع وكان أن تعرفت وباجتهاد شخصي، ثم بمساعدة البعض على آليات التعامل مع المواقع والمنتديات الإلكترونية فقمت بمبادرة تأسيس مجموعة بريدية خاصة بالشعراء، وحين اتسعت كفضاء إبداعي انتقلت إلى مجموعة بريدية أخرى أسميناها بـ''الكشكول''، وبعد تجاوز صدمة التجربة خرجنا بفكرة مفادها أن زمن المجموعات البريدية والمنتديات المجانية قد ولى بسبب من كونها عامة، وقد لا تحمل الشخصية الإبداعية المطلوبة، فانتقلنا إلى تأسيس موقع ''جدار'' الثقافي الذي طرح الثقافة السورية الإبداعية على شبكة الإنترنيت بقوة· حساسية المبدع بخصوص الفجوة المزعومة بين المبدع والتقنية يقول سفر: ''الإنسان عدو ما يجهل، فكيف به إذا كان يحمل حساسية المبدع؟ وهنا ثمة مشكلة عامة تتعلق بعدم تعامل المبدع العربي مع التكنولوجيا بشكل عام، بسبب من تخلف المجتمع العربي تاريخياً، إضافة الى كونه يرى يرى أن آليات تشكل المنتج الإبداعي تتعارض مع ميكانيكية الآلة وطبيعتها اللاإنسانية لكن الزمن لا يسير وفقا لرغبات الأفراد، حتى المبدعين منهم''· اختلاف المعايير سفر يؤكد أن المعايير المعتمدة لنشر النتاجات الإبداعية في موقعه ليست تقليدية كما هو حال الصحف والمنشورات الورقية، انما هي ترتبط فقط بجدة وسوية النصوص، مشيراً الى مواقع غير فاعلة على المستوى الثقافي العام، والى مئات المنتديات ذات الطابع المتنوع التي تتيح لبعض هواة الأدب النشر فيها، مما يخلق حالة من غياب السوية في الكثير مما ينشر، أما القراء فيرى سفر أنهم من سويات مختلفة، وثمة هواة لكل ما هو على الشبكة، ''فمن يرغب بالسوية الجيدة لا يعجز عن إيجادها''، لكنه يستدرك مضيفا: ''الرداءة متوفرة في العالم الورقي كما هي في عالم الشبكة، والتخفيف من الكارثة لا يتم عن طريق الإنترنيت بل عبر رفع السوية في عالم الكتابة بشكل عام، ومن خلال خلق مناخ طارد للكتابة الرديئة''· تطويع التكنولوجيا من جهته الكاتب الفلسطيني محمود شقير يقول إن علاقته بالكمبيوتر بدأت قبل عشر سنوات: ''تعلمت الطباعة وتعلمت الدخول إلى الإنترنت، ولم يكن ذلك صعباً، أقوم بطباعة قصصي ومقالاتي على الكمبيوتر مباشرة، القصص القصيرة جداً هي وحدها التي أقوم بكتابتها على الورق ثم أنقلها إلى الكمبيوتر، أنا مسرور جداً لأنني تعلمت الكتابة على الكمبيوتر، فصرت لا أحتاج إلى تبييض ولا إلى كتابة مسودات، أكتب النص مباشرة وأقوم بالتعديل والحذف والإضافة دون مشقة، الكمبيوتر ساعدني على سرعة الإنجاز، وأدى إلى توفير وقت غير قليل كنت أصرفه في الكتابة على الورق، وما يتطلبه ذلك من تفاصيل مربكة ومعاناة''· أما الإنترنت، فيرى شقير أن فضائله لا تحصى: ''يكفي أنه كسر الحدود وأزال الحواجز بالنسبة للنصوص الأدبية الممنوعة وغير الممنوعة، ويكفي أنه مكنني من قراءة عدد غير قليل من الصحف العربية والأجنبية ومن متابعة بعض المجلات في هذا القطر العربي أو ذاك، ومكنني كذلك من الاطلاع على عشرات المواقع الإلكترونية لكتاب وكاتبات، وكذلك من الاطلاع على منتديات ومواقع للقصة وللشعر وللدراسات والأبحاث ولغير ذلك من فروع المعرفة المختلفة''· شلل حتى الفوضى شقير يشير بالمقابل الى سلبيات للإنترنت في ما يتعلق بالكتابة والكتّاب، ذلك ''أن كثرة المنتديات والمواقع التي تشجع نشر النتاجات الأدبية، تؤدي إلى فوضى فعلية وإلى اختلاط الحابل بالنابل، بحيث لم يعد القارئ المبتدئ الباحث عن المعرفة، قادراً على تمييز الغث من السمين، كنت أعتقد أن بوسعي شقلبة القول المأثور في عالم الاقتصاد: العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق، اعتقدت أنه ما إن ينشر الكتاب الذين لديهم مستوى جيد في الكتابة، موادهم على الإنترنت، حتى تتضاءل قيمة النتاجات الرديئة وينفض عنها القراء، فاكتشفت أن العكس هو الصحيح، وأن القانون الاقتصادي المنوه عنه لم يفقد صحته أبداً، فالكتابة الرديئة تجد من يتحمس لها ويعلي من شأنها، ولعل ذلك نابع من حقيقة أن ثمة شللاً أدبية تبذل جهوداً مثابرة لتضليل القراء، عبر كتابات هزيلة لا عمق فيها ولا إبداع، ولعل ذلك نابع من ضعف حركة النقد الأدبي وندرتها في الصحف والمجلات وفي المواقع الإلكترونية سواء بسواء''· ديموقراطية النشر القاص شقير يتابع قائلا: ''ربما كانت ديموقراطية النشر التي نشهدها على الإنترنت عنصراً إيجابياً، وقد ينتج عنها مع الزمن إقبال على القراءة والكتابة بشكل أكثر جدية مما هو عليه الحال الآن، وقد يساعد تكرار النشر وتكرار القراءة على تعلم الفرز بين الغث والسمين، فتصبح الذائقة الجمالية في مستوى أفضل للحكم على الأعمال الأدبية، وقد يستمر الانحطاط في الذوق الأدبي وفي التلقي، وتستمر الاستجابة للأعمال الأدبية الرديئة ما دام التوجيه الصحيح غائباً أو مغيباً لهذا السبب أو ذاك''· وأما بخصوص موقعي على الإنترنت، فأنا أعتقد أنني فعلت خيراً حينما أقدمت على تشغيل هذا الموقع قبل عام، ثمة أصدقاء من الكتاب الذين يزورون الموقع ويقرأون بعض ما يشتمل عليه من قصص ومقالات ويوميات، وثمة دارسون من الطلاب الجامعيين والباحثين يزورون الموقع، وثمة طالبات مدارس وطلاب يقومون أيضاً بزيارة الموقع وقراءة بعض ما يجدونه فيه من مواد أدبية للأطفال ولغير الأطفال· وأشير في هذا الصدد إلى وجود عدد من القراء في الموقع كل يوم، وربما كان قسم منهم مجرد متصفحين عابرين لا قراء، وهذا بدوره يعني أنه لا غنى عن قراءة الكتاب، ويعني أنني لا أستطيع حتى هذه اللحظة، إصدار حكم نهائي على جدوى وجود موقع لي على الإنترنت، مع ذلك، فإن المؤشرات التي تطرقت إليها أعلاه تدعو إلى تفاؤل ما· وبخصوص ثقافة الصورة وما إذا كانت تشكل خطراً على الكتاب، وكيف هي حال الثقافة الآن؟ وهل ثمة ما يدعو إلى التفاؤل في عالمنا الراهن، أقول: ما يدعو إلى القلق اليوم، هو طغيان الثقافة اللاعقلانية التي تعلي من شأن الغرائز والنزعات البيولوجية، ويتعزز هذا الميل اللاعقلاني لدى قطاعات واسعة من البشر، بسبب هيمنة أجهزة الإعلام الحديثة التي تخدم قوى طبقية مستغِلة (بكسر الغين) مستفيدة من تأثير ثقافة الصورة ورواجها وانتشارها الكاسح، ووصولها إلى كل بيت في العالم تقريباً· في زمن سابق، من تطور قوى الرأسمال العالمي، كانت العقلانية مطلوبة لخدمة التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي كانت تجد فيه هذه القوى تعبيراً عن مصالحها في فترة صعودها، اليوم، مع العولمة والشركات متعدية الجنسيات، وجشع رأس المال وركضه وراء الربح السريع، تتحول الثقافة إلى سلعة مبتذلة، ما يفقدها طابعها العقلاني، ويحولها إلى أداة مشوهة لتغذية نزعات الجنس التجاري والعنف والقتل، وإذكاء النعرات الطائفية والإقليمية التي تدفع إلى الاقتتال والحروب المحلية، والتي تحتاج من أجل ذلك إلى أسلحة، تنتجها الشركات الاحتكارية التي لا مصلحة لها في استتباب الأمن والمساواة والسلم في العالم· من هنا، تصبح مقولة ''الفوضى الخلاقة'' هي الوصفة السحرية التي تدر مزيداً من الأرباح إلى جيوب أصحاب شركات الأسلحة وغيرها، ولا تعود على مختلف بقاع العالم، وبخاصة العالم الثالث، إلا بالبؤس والخراب· غير أن ثمة قوى أخرى في العالم تدعو إلى العقلانية المستندة إلى ثقافة التنوير والعدالة والتسامح والحب والسلام، ورغم أنها ما زالت أضعف من أن تسجل انتصارات حاسمة على قوى الظلام، إلا أنها تشكل حاجة بشرية ضرورية لا بد منها، لأن الناس في نهاية المطاف، لن يشعروا بالطمأنينة وهم منصرفون إلى إشباع رغباتهم البيولوجية وحسب، ثمة جانب روحي في البشر، لا بد له من غذاء يومي، يتمثل في سماحة الأديان وقيمها الصحيحة البعيدة عن التطرف والمغالاة، ويتمثل في منجزات الثقافة الإنسانية التي تعلي من شأن الإنسان، وتسعى إلى الحفاظ على كرامته وإلى تعزيز قيمه الإنسانية الراقية، والمسألة لن تحسم بسهولة، وهي تحتاج إلى جهود مثابرة ومبادرات· لا أعرف حتى الآن مدى التأثير الذي ستمارسه ثقافة الصورة على الثقافة المكتوبة، لثقافة الصورة تأثير مذهل على عقول الناس، والقراءة تشهد بالفعل انحساراً مؤسفاً، غير أنني لا أستطيع تصور أن الكتاب المقروء، سوف يصبح مع الزمن، مثل الرمح والسيف والقوس والسهام، حيث لم يعد أحد يفكر باستخدامها في الحروب التي تندلع هنا وهناك هذه الأيام· ومع ذلك، من يدري ماذا تخبئ لنا التقنية المتطورة من مفاجآت· وتبقى هناك مسألة أساسية، وهي أن الإبداع البشري، لن يتوقف ما دامت هناك حياة بشرية على الأرض، ومن الضروري في هذه الحالة، أن يجري التكيف مع وسائط التقنية وتطويعها لخدمة الإنسان، المستند إلى ما كدسته البشرية من إنجازات عظيمة جديرة بالتقدير والاحترام·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©