الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دارفور.. العودة إلى الحرب

21 مايو 2010 22:03
عادت أخبار القتال في دارفور مرة أخرى لتحتل واجهات الصحف وتتصدر نشرات الأخبار العالمية والمحلية، حيث اشتدت ضراوة الحرب بعد الانتخابات البرلمانية وبعد الاتفاق الإطاري بين الحكومة وبعض الحركات المسلحة الذي تم توقيعه في الدوحة، بصورة ذكرت المدنيين بالأيام التي سبقت اندلاع حرب دارفور قبل سبع سنوات. وبعيداً عن ادعاءات كلا الطرفين، بأن الطرف الآخر هو البادئ بالعدوان وتجديد القتال، فالواقع الذي سجلته تصريحات قيادات القوات المشتركة والمنظمات الطوعية الأجنبية والمحلية، أن التصعيد العسكري -الذي أعد له بهدوء وسرية واستعدادات كبيرة حتى عندما كان المفاوضون الحكوميون ونظراؤهم المقاتلون يتفاوضون في الدوحة- قد فاقم وبشدة سوء الأحوال الإنسانية، وهدد بانتشار المجاعة والأوبئة وارتفاع أعداد النازحين، وهي بعض الأسباب التي كانت تدفع الوسطاء والمجتمع الدولي الذي اعتمد الوساطة القطرية مركب النجاة الأخير باستمرار الضغط على "السودانيين" المعنيين حكومة وحركات، بالإسراع للتوصل إلى اتفاق يوقف نزيف الحرب والقتال، حتى لا تتكرر مأساة المجاعة في دارفور. ويأسف المرء عندما يطلع على الصورة التي رسمها تقرير لمسؤول عالمي، حيث عرض أحوال النازحين واللاجئين، وكيف أن الخوف والهلع من تكرار مآسي السنوات الماضية التي كان النازحون واللاجئون في معسكرات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي قد تعرضوا لها، دفعا سكان أحد معسكرات اللاجئين إلى الهروب الجماعي من المعسكر ليلاً، حتى عندما جاء الصبح وجد المسؤول المعسكر خالياً إلا من كبار السن والعجزة من النساء والرجال. وحتى ساعة صدور ذلك التصريح لمن يكن أحد يعلم أين ذهب النازحون الهاربون من جحيم الحرب، وإلى أين تشتتت وتبعثرت جموعهم. تلك صورة لا تقل بشاعة عن جريمة الإبادة الجماعية. ومن يقف وراء هذه المآسي يعلم أن الضحايا دائماً هم الأطفال والمساكين والبؤساء من "أهلهم" أهل دارفور وليس القوات المقاتلة (الميليشيات). العودة إلى الحرب والتصعيد العسكري في دارفور، مهما كانت المبررات "الظاهرة" التي تتحجج بها الحكومة هذه الأيام، هي عملية تدل على الفشل السياسي في إدراك الواقع الذي يعيشه البلد المأزوم بعد الانتخابات، فإذا كان في اعتقاد الحكومة -التي التزمت باتفاق الدوحة أمام العالم وأمام شعبها- أنها بذلك ستنهي إلى الأبد مشكلة دارفور، وتحقق النصر الأخير بدحر القوات المتمردة وتطوير ملف دارفور بالأمر الواقع -وهو خيال فقط- هو مجرد تكرار لتجربة بل تجارب فاشلة لـ"الإنقاذ" وأهلها في جنوب البلاد، فكم مرة كانت "الإنقاذ" أعلنت للشعب ولأنصارها وخصومها عن "الحملة الأخيرة" لإنهاء وجود "الحركة الشعبية"؟ وكم من صيف العبور قد أعلنته وبشرت بقدومه لتحقيق السلام وفرص الاستقرار في الجنوب؟ وكم "حملة" أخيرة قد عادت منها مهزومة وهي أضعف من ما كانت؟ ولو كانت "الإنقاذ" تتعلم لكانت تجربتها الفاشلة في فرض السلام وأسلمة الجنوب تكفيها لتغير من أساليبها ووسائلها في معالجة قضية دارفور التي بدأت بحركة تمرد صغيرة -في صفوف حزبها (الجبهة القومية الإسلامية) وكبرت حتى أصبحت (تمرداً كبيراً) وحرباً أهلية شارك فيها تقريباً كل أهل دارفور ومن بينهم أعضاء وقادة من رفاقهم الإسلاميين. ذلك أن "القضايا التاريخية" مثل قضية الجنوب ودارفور وما يشابههما، لن تحلها البنادق والطائرات إنما تحل في إطار التوافق والتراضي والسعي المخلص للسلام.. بالسلام وليس الحرب تحل أزمات وقضايا السودان التاريخية التي تعود جذورها لنشأة الدولة السودانية الحديثة والسياسات التي اتبعتها حكومات الخرطوم السابقة لانقلاب "الإنقاذ". ولـو سـأل سائـل، أهـل العقـل والرأي مـن قـادة "المؤتمـر الوطنـي": مـا الفائدة و"الأرباح" التي يمكن أن تعود عليهم وعلى حزبهم خاصة في هذا الظرف التاريخي الحرج بالنسبة للسودان الوطن والشعب المهدد بالتمزق والتقسيم؟ ساسة السودان يعلمون هول الأزمات المقبلة، ويعلمون أنهم لن يقدروا على التصدي لها بوهم الديمقراطية والانتخابات المعيبة حتى لو تنازلت الولايات المتحدة وقبلت ما يجري مقابل تحقيق هدفها الاستراتيجي الأساسي في السودان الذي لم يعد خافياً على أحد. عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©