الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

جريمة إعلامية !

جريمة إعلامية !
21 مايو 2017 17:00
أحمد مصطفى العملة نهاية الأسبوع الماضي نشرت بعض المواقع الإلكترونية العربية مقطع فيديو صادماً لطفلة صغيرة تدخن «الشيشة» مع والدتها وبتشجيع منها. وجهت تلك المواقع لوما حادا وانتقادا شديدا للأم التي ارتكبت بحق طفلة لا يتعدى عمرها 4 سنوات «جريمة» مزدوجة (التشجيع والتصوير)، لكن هذه المنافذ الإعلامية أخطأت أيضا، كالأم، عندما نشرت مقطع الفيديو كما هو دون أن تتدخل لإخفاء وجه الصغيرة البريئة. وفي العرف يعد ذلك جريمة تشهير بطفلة لا تعي ما فعلت ولا تملك حق الدفاع عن نفسها أو حماية حياتها الخاصة. وقانوناً، يمثل ذلك انتهاكاً صارخاً للمادة 16 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تمنع «كل تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو أي مساس غير قانوني بشرفه». المشكلة أن هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها، بل الأسوأ.. أنها ربما تلخص طبيعة العلاقة الشائكة والغريبة بين الإعلام والأطفال في عالمنا العربي. ففي غمرة التركيز الشديد والانشغال بالقضايا التقليدية (الجاد منها والتافه) في عالم الكبار، يكاد أحباب الله يغيبون عن المشهد العام في وسائل الإعلام العربية. فهم ليسوا على رأس قائمة الاهتمام، كالسياسيين والفنانين أو نجوم الرياضة مثلا... إنهم من الفئات المهمشة (مثل أصحاب الهمم والنساء وسكان الريف) التي يغض الإعلام الطرف عنها وعن قضاياها. ونظرة سريعة على الصحف أو المواقع الإلكترونية أو حتى برامج التلفزيون، تكشف أنه لا وجود حقيقيا للأطفال خارج قنوات ومجلات نادرة جدا مخصصة لهم.. وكأن المجتمعات العربية كلها من البالغين. حتى الأطفال في مناطق النزاع الكثيرة بالمنطقة من سوريا إلى جنوب السودان، مرورا بالعراق وليبيا واليمن، لا وجود لهم تقريبا على خريطة الإعلام العربي. ولو ظهروا، فهم مجرد وجوه بائسة حضورها ثانوي في خلفية الدمار والخراب. في الوقت نفسه، لا يتورع البعض عن استغلال براءة الصغار بطريقة رخيصة، فلا يجد غضاضة في نشر صور أو مقابلات مع أطفال أبرياء تعرضوا للاغتصاب أو محاولة تحرش، أو حتى كانوا شهودا على جرائم مروعة وقعت أمام أعينهم. تفعل بعض وسائل الإعلام ذلك، للأسف الشديد، وهي تعرف جيداً أن هذا النوع من التغطية سيبقى محفوظا للأبد على شبكة الإنترنت، ليظل ماضيا مروعا يطارد الصغير طوال سني حياته. لكن هذا لا يشغل اهتمامها أبدا. المهم فقط عندها هو التوزيع وعدد مرات التصفح! مثل هذا السلوك يستدعي في حقيقة الأمر وقفة مع النفس بين القائمين على وسائل الإعلام العربية، لضمان حضور إعلامي صحي ولائق للأطفال، يتيح تسليط الضوء على قضاياهم واحتياجاتهم، ويحترم في الوقت نفسه حقوقهم ولا يهدر حرمة حياتهم الخاصة تحت أي دعاوى. ويتحقق ذلك، باعتماد طريقة جديدة في تقديم الخدمات الإعلامية للأطفال، تقوم على التوسع في المساحات المخصصة لهم في الصحافة العامة ومحطات التلفزيون، بدلا من الاكتفاء بمجلات وقنوات خاصة قد لا تصل رسالتها لمستحقيها. كما يتعين في الوقت نفسه، استغلال هوس الصغار بالتكنولوجيا الحديثة من أجل تقديم مواد تناسبهم وتلبي احتياجاتهم عبر الشبكة بدلا من تركهم فريسة للمجهول في عالم الإنترنت. ahamed.moustafa@alittihad.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©