الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسلمو في إسبانيا .. أقلية منعزلة تبحث عن مجد ضائع

مسلمو في إسبانيا .. أقلية منعزلة تبحث عن مجد ضائع
12 سبتمبر 2009 00:26
تشغل إسبانيا حيزاً داخل التاريخ الإسلامي، يشهد على عظمة الحضارة الإسلامية في أزهى عصورها، حين تحولت إسبانيا من عصور الظلام لتصبح تحت اسم «الأندلس» البقعة الأكثر إشراقاً وعلماً وثقافة في أوروبا بعد أن فتحها المسلمون في عهد الدولة الأموية، وبالتحديد في فترة الخليفة عبدالملك بن مروان. وتشكلت الخطوط الأولى للوجود الإسلامي في إسبانيا وفق ما اتفق عليه المؤرخون في عام 92 هـ (711م) في معركة «وادي لكه» التي انتصر فيها المسلمون عندما بعث والي المغرب موسى بن نصير القائد العسكري طارق بن زياد بناء على طلب من سكان إسبانيا من طالبي النجدة والحماية. وبالرغم من سيطرة الإسلام على الأندلس بدء من عام 93 هـ فإن الحضارة الإسلامية في الأندلس ازدهرت بشكلها المعروف - وفقا لما ذكره سيد عبدالمجيد بكر في دراسته حول «الأقليات المسلمة في أوروبا» - مع انتقال قيادة الدولة الأموية بعد سقوطها في المشرق على يد العباسيين إلى الأندلس على يد القائد الأموي عبدالرحمن الداخل عام 138هـ. ومع مرور الزمن أخذت الحكومات المركزية والمحلية مواقعها في عموم إسبانيا وأسهم الإسلام والمسلمون في نشر الثقافة الإسلامية، فأصبحت مدينة قرطبة في القرن الرابع الهجري - العاشر الميلادي أكثر مدن أوروبا تمدنا وكذلك مدينة طليطلة مثلت أول مركز علمي عظيم لنقل الثقافة من الإسلام إلى المسيحية في الغرب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وقد شكلت الدولة الإسلامية في الأندلس، الفترة الذهبية لتاريخ اليهود حيث حظُوا بحرية لم يعهدوها من قبل. ولعل شهادات الأوروبيين في هذا المجال تكفي المسلمين عبء توضيح فضل الحضارة الإسلامية على أوروبا، وهو ما يتبين من الكلمة التي ألقاها ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز لدى افتتاحه مركز أكسفورد للدراسات الإٍسلامية عام 1993 كونه الرئيس الشرفي له حيث قال: «نحن انتقصنا من أهمية المجتمع الاسلامي وثقافته في إسبانيا لمدة ثمانمائة عام ما بين القرنين الثامن والخامس عشر الميلادي، فالإسلام في إٍسبانيا ساهم مساهمة كبيرة في الحفاظ على الأسس العلمية في عصور الظلام كما ساهم في وضع اللبنة الأولى لبداية عصر النهضة في أوروبا، فقرطبة في القرن العاشر كانت أكثر المدن حضارة في القارة الأوروبية، وكثير من عناصر الحضارة التي تفتخر بها أوروبا المعاصرة منبعها الإسلام في إسبانيا». ومع ضعف الدولة الأموية بالأندلس وكثرة الحروب الداخلية والثورات والانقلابات وتعاقب حكم الإمارات والدويلات، بدأت شمس الإسلام في الأندلس بالزوال شيئاً فشيئاً حتى كانت النهاية بسقوط دولة بني الأحمر، وحاضرتهم غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس في عام 898 هـ (1491 م) أمام مملكة قشتالة وليون على يد الملك فرديناند وزوجته إيزابيل. وبدأت منذ هذا التاريخ كما يؤكد علي بن المنتصر الكتاني في كتاب «المسلمون في أوروبا وأمريكا» القوى الصليبية منذ هذا التاريخ على محو الإسلام هناك بأي شكل من الأشكال حتى أنهم منعوا التعامل باللغة العربية وارتداء الزي العربي، وهدموا الحمامات والمنشآت الإسلامية، وصادروا أموال المسلمين، وسنوا قانون الإعدام والحرق بالنار لمن يخالف هذه القوانين، فهاجرت أعداد كبيرة من المسلمين إلى بلاد المغرب، واضطر من بقي أن يخفي عقيدته سراً وهم «الموريسكيون» الذين تمردوا في سنة ( 976 هـ - 1568 م )، ولما يئس الإسبان من إجبارهم على ترك دينهم أمروا بطردهم من إسبانيا سنة ( 1019هـ - 1610 م). ومع سقوط الأندلس انقطعت صلة الإسلام والمسلمين بإسبانيا، والتي تحولت إلى بقعة مسيحية خالصة لا تعرف للتعدد الديني أو حرية العقيدة أي مظهر، واستمر الحال على هذا لمدة خمسة قرون وبالتحديد إلى فترة الحرب الأهلية الإسبانية، والتي انتصر فيها الجنرال فرانكو عام 1939على خصومه وأسس الجمهورية في إسبانيا، وكان فرانكو قد استعان بعناصر إسلامية مغربية أدخلها في جيشه وفي حرسه الخاص، وبقيت فيه حتى قبيل وفاته عام 1975. وعلى الرغم من هذه العودة الخجولة جداً للإسلام إلى إسبانيا إلا أنها أخذت، وفقاً، لما أورده الكتاني في مؤلفه، في التزايد شيئاً فشيئاً، خاصة مع إعلان إسبانيا قانون حرية الأديان عام 1967 م، ثم بدأت تتزايد بصورة منتظمة وكثيفة منذ العام 1992 حين أبرمت الحكومة الإسبانية والهيئة الإسلامية الإسبانية اتفاقاً وقّعه الملك خوان كارلوس وحدّد بموجبه قانوناً للمسلمين يفسح المجال بشكل رسمي أمام التعددية الطائفية. وبالرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة لأعداد المسلمين في اسبانيا بسبب المهاجرين الذين يدخلون بطرق غير قانونية وعدم وجود الأساليب الكافية لتعدادهم، إلا أن الأرقام الصادرة عن الاتحاد الإسباني للهيئات الدينية الإسلامية تفيد بأن عددهم يصل إلى نحو المليون وبالتحديد 1.2 مليون مسلم يمثلون حوالي 3 % من إجمالي سكان إسبانيا البالغ 40 مليون. ومعظم مسلمي إسبانيا الحاليين من المغرب وبعض دول شمال افريقيا، وهناك عدد آخر منهم أتى من السنغال وسوريا ودول عربية وإسلامية أخرى، بالإضافة الى أكثر من 30 ألف اسباني اعتنقوا الإسلام خلال السنوات العشرين الأخيرة. ويتردد هؤلاء للصلاة على 236 مسجداً أو قاعة للصلاة، ويرتفع هذا الرقم إلى ما يزيد على الـ 300 إذا شملنا المراكز الاجتماعية والثقافية التي تضم مساجد صغيرة، وأماكن مخصصة للاحتفالات الدينية، وأهم هذه المساجد المركز الثقافي الاسلامي في مدريد الذي افتتحه الملك خوان كارلوس برفقة الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، في صيف عام 1992. وينتشر المسلمون في كافة أرجاء إسبانيا، لكنهم يتركزون أكثر في المدن الكبرى مثل برشلونة عاصمة إقليم كتالونيا، ثم مدريد والأندلس وبالنسيا وجزر الباليار وقشتالة وجزر الكناري وأراغون ومليلية. ويعاني المسلمون في إسبانيا، كغيرهم في باقي الدول الأوروبية، من مشاكل عدة ومختلفة، ربما أهمها مشكلة الاندماج الاجتماعي حيث يتخبط المسلم بين المحافظة على تقاليده وعاداته وبين الاندماج في مجتمع جديد يتناقض إلى حد مع مبادئه الدينية والحياتية، وتأتي بعدها مشكلة «فوبيا الإسلام» واتهامهم بالتطرف والإرهاب خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وتفجيرات 11 مارس 2004 في مدريد التي دفعت الحكومة الإسبانية لتبني قوانين صارمة في مجال الهجرة تضرر منها المسلمون أكثر من غيرهم. ومن المشاكل الأخرى التي يعاني منها المسلمون في إسبانيا، البطالة، وعدم وجود مرجع واحد يعود إليه مسلمو إسبانيا عند الحاجة نتيجة اختلاف المذاهب والانتماءات الوطنية والعرقية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©