الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التشكيليون ورموزهم

10 يوليو 2008 23:45
عندما تتسلل الأفكار والرؤى والصور إلى وسائل الأعلام، فإنها تفرض سطوتها، دون مساءلة أو مراجعة طالما أنها أصبحت في حوزة المتلقي، وهو هنا القارئ الحصيف الذي يخترق الدقائق والتفاصيل ويحكم ويحاكم·· وقبل أن يكون ذلك من حقه، فهو دلالة على رسوخ الوعي، وامتلاك العين الناقدة، التي تدل على الصح وتصوّب الخطأ· في الصحافة الثقافية، تبدو مسألة الصح والخطأ معقدة، ما يسمح بكثير من التسلل غير المحمود للأفكار والرؤى والصور، انطلاقا من إعلاء كل صاحب تجربة فنية أو إبداعية لحقه في التعبير، وتقديم ما يريد أن يقوله للناس ـ وهم هنا القراء ـ مجردا من أي اعتبار، ومستقلا عن أي قانون· ولمدارس الفن التشكيلي والتشكيليين رؤاهم الفكرية التي تخرج عن المألوف الاجتماعي، والعرف الأخلاقي لدواعي الفن، غير أنهم وفي مجمل هذه الرؤى لا يتوخون اسقاط رغباتهم الشخصية، ولا يريدون إثارة الغرائز لدى المتلقي، بقدر ما هي رؤى تكونت بفعل الترميز الذي قد يأخذ لدى بعضهم دلالات معينة، وربما تصيب بعضهم حمى الرومانسية العالية، فيرسمون أشكالا مرفوضة اجتماعيا، وقد يفهم منها الإثارة غير المبررة·· نعم نحن نزور معارض تشكيلية كثيرة ونجد فيها ما هو خارج عن المألوف، كأن ترسم المرأة بأشكال من الصعب مجانستها مع الواقع حيث تبرز بعض مفاتنها، أو مواقع من جسدها وكذا أيضا لوحات تتناول الرجل· ونستغرب حقا كيف كسر الفنان التشكيلي هذا المألوف والعرف الاجتماعي؟ ولكننا عندما نسأل الفنان يواجهنا بمقولة البحث عن الرؤية الفنية لا المغزى الجنسي·· ولهذا قد يفوت على المتلقي الكثير من دلالات هذا الترميز الذي يخرج عن المألوف والقيم والعادات· ذلك ما يحصل في كثير من الأحايين حيث إن عين المبصر المتلقي لا تلم باللوحة كاملة·· إنها عين لا تبصر الجزئيات، بقدر ما هي باحثة عن المعنى الكلي في اللوحة وبخاصة لو افترضنا أن هذا الجزء اللامقبول اجتماعيا قد يشكل واحدا بالمئة من اللوحة، من الصعب التدقيق فيه· تلك هي إشكالية ما يريد الفنان التشكيلي من وضع جزئية غير مقبولة اجتماعيا ضمن أولوياته بينما يبصر المتلقي الكلي بمعناه الجمالي حيث يريد الفنان هذا الجزء المرفوض رمزيا ويريد المتلقي ذاك الكل كلوحة جمالية· وأكثر ما تحتاج إليه الصحافة الثقافية، هو ''الفلتر'' أو المصفي الذي لا يحجب اعتباطا، وإنما يعطي للراسخ الاجتماعي والأخلاقي حقه، وعندما يخل بهذه المهمة، لسبب أو لآخر فإن الجمهور يصبح هو الفاحص الأخلاقي المتجانس مع نفسه· ونحن في ''الاتحاد'' نعتز بهذا الجمهور القارئ، لكل ما يقدمه من ملاحظات وانتباهات صائبة، ونعتذر عن أي تسبب يجرح مشاعره وقيمه، عن غير قصد، باعتبارها قيمنا وأعرافنا التي نقدرها ونأبى الخروج عنها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©