الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رؤى وإشارات يومية

رؤى وإشارات يومية
9 سبتمبر 2009 23:41
صدرت حديثاً عن دار العلم للملايين ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، في طبعة أولى قصص قصيرة للكاتبة فاطمة العريض، بعنوان «كرباج ورا». بعد أن تم اختيارها عبر برنامج (اكتب). بدايةً لم تجد الكاتبة شيئاً لتكتبه، توقف عقلها ولم تعرف كيف تكون البداية أو الخط الذي يجب أن تسير فيه، وتعتبر المدخل للقصص من أصعب المراحل، فهي المرحلة التي ترسم بذهن الكاتب تخيلاً كاملاً للعمل، وفي تسميته. بقيت ليالي تفكر في كيفية دخولها المدخل... جاءتها الفكرة في تسميته «كرباج ورا» من بعد أن رأته يتماشى تماماً مع فحوى القصص. قررت وصف بعض الحقائق وسردها كما رأتها... مشاهد مرت في حياتها، في كل قصة وشكوى وحالة، لقطة ما. تعتبر بأن لكل قصة بداية ونهاية... غريب هو أمرك... تتحول بين يديّ إلى مرآة لامعة براقة شديدة النقاء والوضوح... تفاجئني دون خجل ولا استحياء... تصبح عرافاً متنبئا. ترى بغير عين وتسمع بغير أذن وتتكلم بغير لسان! أحاسب نفسي وأتضاءل أمامها لإهمالي لتلك الأيام، وخيانتي لك أحياناً. أقف للحظة وأرتعش واهم بإلقائك بعيداً... أهرب منك تبتسم تتشبث بي أكثر... ترفض مفارقتي تحتضني وأعتذر لك أنقي نفسي أتصالح معها أتعامل لم أجد من يتقبلني، كما تتقبلني أنت، ولا يطاوعني في شطحاتي، كما تفعل أنت... إلى من أخافه وأكرهه... وأحياناً العنه، إلى من يعريني لأرى ويفتح لي الأبواب لأمر... ويضيء لي المصابيح لأحدد بنفسي أين الطريق وكيف المسير. رسالة غرام إلى حبيبي طبيبي النفسي قلمي. قيس وجودي فوستر يمر قيس بديار ليلى يتبارك بجدرانها، ويقابل عنترة عبلة بسيفه، مغواراً، يرفع سيفه في وجه عدوه، يقهر الليل بحكاياته، يقهر الفراق بمرارة، يقهر ليل بشرته وسواد بعاد عبلة... يكتبون أشعاراً يتلونها ويحيونها، يعيشون حباً سرمدياً وعشقاً أبدياً، تحيا سيرهم خالدة. أساطير، خيالات... يقرأ سيرهم، يفتن بهم... يؤخذ بالفارس... المحب المتفاني... الشجاع... المقدام... المهزوم. تسحره اللغة مشهور عنه غض البصر، ولا مرة اقترف هذا التحديق، لم يخطف ولا نظرة واحدة من أي أنثى. مصادفة محضة تلك التي جمعتها، تتلقفها كل العيون إلا عينيه، يشتهي كلماتها الكل إلا هو، ظنّته متعمدا. لم يكن يرى أي امرأة، سألها أن يأتيها بقهوتها؟ تحبها بالحليب، خجلت من أن تثقل عليه، شربتها مرة. حديث خفيف لا التفاتة فيه ولا إشارة لأي شيء... سوى الحديث بهرها أدبه... فتنت بقوة ساعديه... فتوته... إحجامه. ترى كيف يكون الإحساس بين هذين الساعدين؟ هاجس عادي... اعتادت أن تقيم إعجابها المبدئي بالتخيل فإن تقبلت... قليلاً ما يحدث أصلاً انتقلت للخطوة التالية ـ معظم الوقت لا تنتقل إليها أبداً ـ تقييمها غريب. ترى كيف يكون حديثها؟ ليتها تملك قلباً بجمالها، ليتها! تبهره حكايا حكيمات العرب، والفرسان اللاهثين خلفهن. الفناء فداء للمحبوبة. تبهره الفكرة، يريد امرأة فكرة يتواصلان... إلا أنه بعد فترة وجيزة يتلاشى... لم تعد تشعر به، يصر على التفاني تصر على البعد، تفصلهما قرون يحارب بسيفه وأشعاره، تقود المرسيدس، يسهر الليل، تذهب لجلسات تقشير البشرة، يدعوها للتحليق في سماء العشق، تدعوه لكأس... لم تنم مشاعره إلا من خلال الأسطورة... يحيا في البيداء والصحراء والليل والخيل... ليس له واقع أو تجربة... واقعية حياتها بفجاجة، تركته معربة عن أسفها عليه... لم ينضج... يراها فروسية، وتراها خرافات... سألتها: ألم تكن أسباب نفورك منه الآن، هي ذاتها عوامل الجذب الأولى لك؟ ـ نعم ولكنه لا ينمو أبداً... تقزّم، لم يعد يثير شهيتي له، صعب أن أعيش على المقبلات. بالله عليك كيف يعيش قيس وعنترة مع جودي فوستر؟ بهرني تشبيهها، أخرستني، أشفقت عليه... التمست لها الأعذار. عندها حق مستحيل! أم اصطناعية تمارس رياضة يومية بانتظام تحملها على جنبها وكأنها قطعة منها... تصل إلى نصف طولها تقريباً، وكأنها خرجت منها ملتصقة بها التصاقاً غريباً، لا تفلتها أبدا. سعيدة هي بها. يلعب الأطفال، يروحون ويجيئون، يتقاذفون كرة أو عروسة أو لعبة، أما هي فتجلس على الرصيف تنظر إليهم، تجلس وحدها وتضع السارق تحت الساق. تشد جلبابها وتخنقه تحت فخذها وبطن ساقها حتى لا تبين. تضع رأسها على أحد ساعديها ويحتضنها حجرها كرحم، تجلس وتراقب الباقين، لا اختلاسة للحظة فرح طفولي أو خنق حرية. لا استهتار بحركات الجسد أو لما يبين أو لا يبين، لا وجود إلا لذلك التحفظ النسائي الناضج... لم تتجاوز ثماني سنوات، صغيرة القد، ملفوفة، بذرة أنثى، قوية وجميلة. شعرها حلقات ذهبية، عيناها لا يمكن تحديد لونهما فهما تارة خضراوان وأخرى عسليتان، ليست شقراء وإنما ملونة، لونها كذلك لا يمكن تحديده. قطة... تنظر إلى صدرها فترى نبتة صغيرة جداً جداً، برعماً، تفرح به، وتضع فم صغيرتها من فوق ملابسها عليه، وكأنها ستمتصه وهو على هذه الحالة، تتحسسه يومياً، تنفخ ضلوعها، ترجوه أن ينمو لأجلها، كلما وجدت امرأة ترضع تلتصق بها وتراقبها، لا بد من وجود شيء لا أجيد فعله هو ما يمنع عنها غذائي. أتقنت كل الحركات التحضيرية، كيف تمسك بصدرها، وكيف تحدد بأصبعيها لصغيرتها موضع فمها، كيف تمسك بها هي ذاتها بزاوية محددة... تفعل كما ترى. تسنده من تحته بيد وتشده بالأخرى فتخرجه لها، إلا أنه بعيد جداً، لم ينضج بعد. لا تكاد لعبتها تجد به شيئا طريا وان كان فارغاً لتتسلى به، ليلهيها، تحزن وتحاول أن تعصر برعمها. طفلة، لم ينزل لبنها، رأتها إحداهن وعرضت عليها زجاجة لبن، قبلتها، خشيت على لعبتها الشعور بالنقص إن هي ألقمتها هذا الشيء أدخلت الزجاجة قميصها. وضعتها على ضلعها وشقت صدر جلبابها، التف حولها البنات، ينظرن إليها بانبهار، جعلتهن يكرهن أمومتهن. اللعبة، وأطفالهن، اللعبة تعلقت نظراتهن بها وكأنها أعجوبة. انتشت بتقديرهن، أجللنها... حكين لها، انصعن لنصحها، دون مجهود، صارت أماً أخيراً حبلت وأنجبت بلا دنس، حين نبت لها ثدي، اصطناعي. عناوين ورسائل عناوين وقصص في الجراحة التجميلية، وشلّة مجانين، وبدون عنوان وغيره مختتمة بـ SMS رسالة قصيرة. تقول المؤلفة على الغلاف الأخير لكتابها، بأن هناك الكثير من الأحداث والحوادث، تمر بحياتنا والتي لا نجيد تفسيرها، ولا نرى فيها إلا حدثاً عادياً، في يوم عادي لإنسان عادي كذلك... ولكننا إذا أمعنا التفكير فيها وتركنا لأرواحنا الفرصة للتجول بحرية في فضاء دنيانا وعالمنا. أخذتنا إلى عوالم أخرى، عوالم لم نكن لنبلغها أبداً ونحن في حالاتنا الطبيعية. نرفض الإفراج عن أنفسنا، فتتذمر تلك الروح الحبيسة، وتتمرد علينا وتضربنا في مقتل، لنبقى عاجزين عن فعل أي شيء سوى الاستسلام لهواها واتباعه... هل تؤمنون بالرؤى والإشارات؟ أنا شخصياً أؤمن بها، وبحسب قولها. أعرف أني كلما صدقتها، ازدادت وضوحاً، وانفكت طلاسمها المبهمة، ولم تعد صوراً تحتاج إلى رابط يفسرها، وأصبح كل رمز فيها مفسراً بذاته. أصدق أحلامي وأتبعها، أسترشد بها، أتفهم إشارات الكون من حولي، أعتبر نفسي جزءاً من تلك المنظومة المتكاملة. ولكني في زحام الأيام، تكونت على تلك القشرة المتصلبة، تقوقعت، انعزلت شيئاً فشيئاً إلى أن ضربني إحساس غريب، انصعت إليه، ذابت أول قشرة، وكلما ازداد تقبلي له وقبولي به، أزداد شفافية. صدقوني، جميع الحلول في الرؤى...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©