الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضابط إنجليزي يستعيد التاريخ عبر الجغرافيا في «رحلات في الجزيرة العربية»

ضابط إنجليزي يستعيد التاريخ عبر الجغرافيا في «رحلات في الجزيرة العربية»
9 سبتمبر 2009 23:31
من أي بقعة عبر بنو إسرائيل «مياه البحر الأحمر»؟.. سؤال حيّر الكثيرين بل ظلوا غير مهتدين إلى اجابته لحد الآن وكأننا نبحث عن المحطات الوسيطة بين النقطة التي حطوا فيها و»هضبة سيناء». يقول جي. آر. ويلستد في كتابه «رحلات في الجزيرة العربية» الجزء الثاني بترجمة الدكتور ماجد النجار وتقديم ومراجعة الدكتور أحمد عبدالرحمن السقاف «بعد أن استبعدت من ذهني جميع الفرضيات واستهدائي بالكتاب المقدس اقتنعت أن هذا العبور لابد أن يكون قد حصل قرب السويس، أما الاعتراض القائل بعدم وجود ماء كاف هناك لإغراق جنود فرعون الحاشدة فهو اعتراض ليس له أي وزن، إذ يوجد في الوقت الحاضر ما يكفي من الماء، ولابد أن ما وجد من الماء آنذاك أكثر من الكافي». ويضيف ويلستد: «يُقال إن رياحاً عاصفة كانت إحدى العوامل التي أحدثت المعجزة، عند السويس يتقهقر الماء بعد هبوب رياح شمالية غربية لبعض الوقت، ولو تبع هذا هبوب رياح جنوبية شرقية لارتفع الماء ارتفاعاً مفاجئاً جداً قد يصل في بعض الأحيان إلى ستة أقدام، فيحيل المعبر الذي يقع على بعد ميل ونصف إلى شمال البلدة والذي كان بمقدور المسافرين من السابلة قطعه سيراً على الأقدام إلى مكان يتعذر تماماً على الجمال اجتيازه». ويذكر ويلستد أن «نابليون بونابرت» كاد يهلك هنا وهو يعبر هذا المكان، كل هذا جاء ضمن رحلة الضابط ويلستد وهو يتناول أحوال الجزيرة العربية في رحلته من الطور إلى السويس عام 1830 حيث امتطى جمله وباشر بالسير طالباً السويس بصحبة بدو رحل في تلك المناطق. البحث عن التاريخ وفي خلال رحلته تلك لاحظ جبلاً اسمه «الناقوس» يحتوي على ممر ضيق للمشاة لا يصلح لسير الجمال ويمتد هذا الممر إلى رأس جيهان ومن هناك دخل سهل «القاع» ومن خلال هذه الرحلة يصف ويلستد علاقة البدوي بجمله ويرجع إلى التاريخ ليقرأ عبور بني إسرائيل البحر متوجهين إلى سيناء ثم إلى فلسطين. 15 ساعة هي المسافة التي حددها الضابط الإنجليزي ويلستد بين السويس بعد عبور اليهود وهوّارة وبينهما بريّة «شور» التي يرتبط اسمها في التوراة برحلة سيدنا ابراهيم ومعه زوجته هاجر من مصر واستيطان أحفاد إسماعيل، وتبعاً لذلك فقد تم تحديد موضع «شور» في أقصى الشمال الغربي لشبه جزيرة سيناء على الطريق الذي يسلكه الخارج من مصر متجهاً نحو الشام أو العراق. ويتتبع ويلستد رحلة اليهود إلى فلسطين عبر أسماء المناطق التي مرّ بها والزمن المستغرق لقطع الرحلة بين مكان وآخر حيث يقول: «وكما جاء في التوراة فإن الطريق المجاور إلى وادي «سدرة» يدخل مجدداً الجبال» وهو أيضاً يعترف أنه لا يمتلك شيئاً يدلل على ذلك غير أسماء المدن التي يمكن أن يحدد من خلالها المناطق الجغرافية. ويعدد ويلستد خمس مراحل مبتدئاً من شواطئ البحر الأحمر قرب رأس سليمة حيث يفترض أن الاسرائيليين خيّموا ـ قديماً ـ هناك إلى هضبة سيناء. إذ كما يقول إن هذه المنطقة قد أخذت منه خمساً وعشرين ساعة مما يعني سيراً يومياً لمدة خمس ساعات. وكان خط السير الذي اتبعه الضابط الإنجليزي ويلستد في عام 1830 هو من الدير إلى سفح شِعْب الحبل 4 ساعات ومن وادي صالح 2.25 ساعة وإلى ممر ضيق في وادي فيران 3.30 ساعة وطرف بستان النخيل 1.25 ساعة ومكان التوقف ـ جبل المكتّب 4.50 ساعة وجبل المكتّب 2.50 ساعة ووادي سدرة 5.10 ساعة ورأس سليمة 1.30 ساعة بما يصبح مجموع الرحلة زمنياً 20.25 ساعة حكاية يورد ويلستد حكاية طريفة حيث يقول: وأنا في طريقي إلى إنجلترا قابلت حاخاماً يهودياً كان قد سافر إلى الكثير من بلدان الشرق ونشرت رحلاته مؤخراً في الهند ومنه علمت أنه رأى خلال رحلته عبر الصحراء المجاورة لمدينة دمشق والخاوية من أي نوع من الأشجار والخضرة مادة مترسبة عرفت من وصفه أنها في مظهرها وحجمها ونكهتها تشبه شبهاً كبيراً المنّ المذكور في الكتاب المقدس، ويعتقد هذا الحاخام وكذلك سكان البلاد اعتقاداً جازماً أن هذه المادة سقطت هناك كقطر من السماء. المن والسلوى يقول ويلستد: «وبعد سيرنا في طريق متعرج المجرى «في وادي حبرون» وفي الساعة الحادية عشرة والنصف ظهراً توقفنا عند ضفتها تحت الظل اللطيف الذي وفرته بضع نخلات، وفي الساعة الثالثة استأنفنا رحلتنا من جديد، وبعد سيرنا في طريق متعرج لمدة ساعتين وعلى بعد عشرين ميلاً من البحر وعلى ارتفاع ألفي قدم فوق سطح البحر رأيت أولاً الشجرة التي تنتج المنّ». ويصف ويلستد رؤيته «تفرز هذه المادة اللافتة للنظر عدة أشجار في مختلف بلدان الشرق. وفي بلاد فارس يعتقد الناس أنها من إفراز حشرة وتجمع من شجرة تدعى «جافان» بالفارسية ويبلغ ارتفاعها قدمين وتشبه شبهاً مذهلاً المكنسة. وفي منطقة التلال في لورستان وفي وادي الرافدين نجد هذه المادة على عدة أشجار من فصيلة البلوط ذات طول في هذه المناطق يقل عن طول مثيلاتها في إنجلترا، ومن هذه الأشجار يجمع المنّ على شراشف تفرش تحتها ليلاً ويتخذ له شكل قطرات بلورية كبيرة من الندى تشبه ما نراه على النبات في إنجلترا - بحسب ويلستد - في الدقائق المبكرة من الصباح. ويستشهد ويلستد بإشارات أحد الرحالة وهو بيركهارت فيقول: يشير بيركهارت إلى أن مادة أرضروم وهو اسم موضع في شرق تركيا تشبه المنّ في مذاقها وبنيتها تتقطر من الشجرة التي تحمل العقص وتشكل مادة من المواد الأساسية الغذائية للسكان، ويظهر أن هذه الأنواع من المنّ تختلف عن المنّ الصقلي الذي يستعمل لأغراض طبية، حيث عدّه علماء النبات لباناً نباتياً يحصل عليه الناس من كالابريا وهو إقليم في جنوب إيطاليا عاصمته كاتنزارو وصقلية، ويفرز من «نبتة الدريدار» أو «شجرة الدردار المزهر» غير أن الافتراض السائد هو أن هذا يمكن أن يكون من انتاج حشرة «الأرقة» وهي حشرة تمتص عصارة النبات وتسمى المنّة أيضاً. ويعلل سبب اختلاف المنّ في هضبة سيناء عن باقي الأنواع في العالم فيرى أن هذا النوع من المنّ يختلف في صفاته عن تلك الأنواع وإنما لقي اهتماماً خاصاً لعلاقته بحدث مثير جداً سجل في تاريخ الكتاب المقدس. شجرة الطرفاء الشجرة التي تنتج المنّ في هضبة سيناء هي من نوع شجرة «الطرفاء» وتسمي «تاماريكس مانيفيرا هرنبرغ» وهي فصيلة تختلف عن تلك التي تتواجد عند ساحل البحر لكونها أكثر طولاً وأكثر كثافة في الأوراق، والمادة التي تنتجها هذه الأشجار تعرف في أوروبا باسم «مانا» ويسميها العرب «المنّ» وهو الاسم الذي أطلقه العبريون أبناء عمومة العرب على الطعام البري. ويقول ويلستد: «ورغم تفتيشي الدقيق لم أشاهد أي حشرة ـ في رحلته هذه ـ يمكن أن تنتج هذه الثمرة». يجمع البدو المنّ في الصباح الباكر ويعصرونه بقماش خفيف ثم يضعونه في قرب أو أغلفة ثمرة اليقطين ويستهلكون كميات لا يستهان بها منه. ويرسل قسم منه إلى القاهرة، كما يباع بعضه إلى الرهبان في هضبة سيناء. وهؤلاء يبيعونه بيعاً مجزءاً إلى الحجاج الروس الذين يتلقونه بقدر كبير من الإجلال كبرهان لا يقبل الجدل على الحدث الذي يشير إليه. ومن الغريب أن البدو في تلك المنطقة من هضبة سيناء يؤكدون للرحالة ويلستد أن مجموع الكمية التي تجمع في كافة أرجاء شبه الجزيرة وفي أوج موسم الإثمار لا تتجاوز مائة وخمسين أوقية، وكان يباع عادة بسعر 60 دولاراً للأوقية. وهم ينظرون إليه كغذاء مفرط في الترف ويستعملونه لنفس الأغراض التي يستعمل لها العسل. يجمع المنّ في المواسم التي تعقب أمطاراً غزيرة ويحفظ في بعض الأحيان لمدة 7 سنوات ومن احتفاظه باسمه ولأنه يوجد في مثل هذه المنطقة الجغرافية يعود ذهن المرء بالطبع إلى الحدث الذي سجل في الكتاب المقدس. وصل ويلستد إلى هذه المنطقة ليجد شجرات الطرفاء وطيور الحجل الطويلة الساقين وطيور السمّان والحمام وطيور الدلق والخطاف والصقور والنسور. حياة البدو ويصل ويلستد إلى «حبرة» حيث ينبوعها المائي الرقراق ويجتازها إلى جبل موسى بهضبة سيناء. وينتقل في رحلته تلك من الشرم إلى سيناء ومن هناك إلى فلسطين ثم إلى العقبة في عام 1933 ثم يدخل ساحل شبه الجزيرة العربية. يصف ويلستد حياة البدو في هذا الساحل الذين يعيشون على أغنامهم وزبدهم، أما الأغنام فتنتقل إلى نجد وتقايض بالحبوب وبالذرة في المقام الأول ويباع الزبد على زوارق الحجاج على الساحل، أو إلى القوافل خلال مرورها في أراضيهم أو ينقل إلى ينبع حيث يباع فوراً. ويصف ويلستد أيضاً لباس الشيوخ وعلية القوم من العباءة التي يشترونها من سوريا أو مصر، والحزام والخنجر، وزناد لقدح النار لا يستغني عنه أي بدوي. وبعد أن يلتقي ويلستد الشيخ عليان أحد شيوخ المنطقة آنذاك يعلمه بأن الوصول إلى غزة يستغرق أربعة أيام وإلى القدس في 6 أيام وإلى الدرعية في 7 أيام وكانت تنقل الرسائل من الهند باستعمال الطريق إلى غزة بسهولة كبيرة إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. ويصل إلى ينبع ويصفها الرحالة ببراعة حيث الحياة فيها وأوضاع قبيلتها المعروفة فيها «جهينة» ورياضها ومنازلها، وأوضاع نسائها اللابسات الخمار الملون المصنوع من قماش قطني رقيق شفيف. وينتقل ويلستد من ينبع إلى جدة ومكة، ويصف وضع الحجيج ويتناول شحة المياه آنذاك والسوق وما يباع فيه، حيث يباع الجراد في أسواق ينبع وحيرة. ويطلق عليه بحسب ويلستد المكن Mukin أو الجراد الأحمر الممتلئ والذي يقول فيه: «وحين يقلى ويرش عليه الملح يعد طعاماً صحياً ومغذياً». ويقول أيضاً: «وفي عام 1831 اجتاحت هذا الجزء من الساحل البحري العربي أسراب لا تصدق من الجراد التي ألحقت أضراراً فادحة بأشجار النخيل، وغرقت أسراب منه خلال مرورها من الساحل المصري وانتثرت جثثها على الشاطئ الرملي إلى عمق عدة أقدام». وتستمر رحلة ويلستد إلى أعماق الجزيرة العربية حيث عادات البدو وحياتهم وأسرارها. ? الكتاب: رحلات في الجزيرة العربية ـ الجزء الثاني ? المولف: جي. آر. ويلستد ? ترجمة: الدكتور ماجد النجار ? تقديم ومراجعة الدكتور أحمد عبدالرحمن السقاف ? الناشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©