الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحمامات الشعبية في بيروت متعة واستجمام ونظافة

الحمامات الشعبية في بيروت متعة واستجمام ونظافة
9 سبتمبر 2009 23:25
لعبت المسلسلات السورية دوراً مهماً في إحياء ظاهرة الحمامات العربية، بالرغم من وجودها في العاصمة بيروت وطرابلس وصيدا منذ عشرات السنين، وأعادت إلى تلك المعالم التاريخية البريق الذي فقدته منذ عهد المماليك. وفي هذه الأيام، نرى مجموعات من الشباب تهوى زيارة الحمامات من أجل مشاهدتها عن قرب، على أمل العودة بالذاكرة إلى الماضي الجميل. منهم من يحاول تقليد (أبو شهاب)، ومنهم من يشعر بنفسه بأنه يشبه (معتز)، أو (أبو قاسم) صاحب حمام «باب الحارة» أو (عبدو) صبّي الحمام والمشرف عليه. في السابق، كان الحمام حاجة ضرورية ملحّة للناس، بسبب ندرة المياه إلى البيوت، أو لانقطاع الكهرباء الدائم، وإن كانت الحمامات فقدت جاذبيتها بعض الشيء في الأحياء الشعبية، إلا أنها تبقى صرحاً أثرياً يفرض وجوده في هذه الأيام. وتحول حمام «النزهة» في بيروت، و«باب الحارة» في الضاحية، وحمام العبد في طرابلس.. كلها معالم لحمامات نقصدها ليس من أجل النظافة والاستحمام فقط، بل بهدف الاضطلاع على العادات القديمة العفوية، وبهدف التسلية واللهو مع الأصحاب والأصدقاء. بينما في الماضي كان يجتمع فيه الأهل والجيران، فيستأجرون الحمام ويدعون من يحبون، فيشترك الجميع في الابتهاج والفرح وتبادل التهاني بالأعياد والمناسبات السعيدة. ورغم دخول حمامات «السونا» الحديثة على النسق الغربي، إلا أن الحمامات الشعبية سبقتها منذ مئات السنين. ويبقى حمام «النزهة» في بيروت وتحديداً في منطقة زقاق البلاط، مقصداً للكثير من الراغبين في قضاء وقت ممتع، يرفهون عن أنفسهم ويعيشون ساعات طويلة على سجيتهم، كذلك «باب الحارة» وغيره. نظافة واستجمام عند دخولك الحمام تنساب روائح عطرة وأغان تراثية وشعبية، وأول ما يصادفك بركة مياه مصنوعة من الرخام الأبيض، في قاعة فسيحة محاطة بنوافذ من الزجاج، تزيّنها أدوات أثرية ولوحات تحمل آيات قرآنية وحكم شعبية ومصابيح وفوانيس رمضانية. ويتألف الحمام من ثلاثة أقسام: الحمام «الجواني»، وهو يتألف من عدة غرف، واحدة للتدليك «السونا»، وغرفتين كبيرتين للتبليل، وفيها تجري المرحلة الأولى من الاغتسال التي يتولاها المستحم بنفسه دون الحاجة إلى أحد. في هذه الغرف، جرن حجري للمياه الساخنة، فيه وعاء لصب المياه بعد التبليل، ومن ثم ينتقل المستحم إلى غرفة «التكييس»، حيث يتولى عامل مختص فرك الجسم بكيس مصنوع من شعر الماعز مع استعمال الصابون الذي يختاره المستحم لناحية نوعه ورائحته، وعند الانتهاء من «التكييس»، ينتقل إلى غرفة أخرى مخصصة للتدليك، وهذا يعود إلى رغبة المستحم، على أساس أن هذا الأمر من الكماليات وليس الضروريات. القسم الثاني يسمى «الوسطاني»، وهو عبارة عن فسحة داخلية تحيط بها غرف «الجواني»، ويخرج المستحم إليها بعد إتمام المرحلة الأولى، ويجلس على مقعد حجري يتوسط الفسحة، ليبرّد جسمه لفترة عشر دقائق أو ربع ساعة استعداداً للخروج. أما القسم الثالث ويدعى بـ»البراني»، يخرج إليه الزبون بعد فراغه من «الوسطاني»، وغالباً ما يقضي فيه وقتاً من الاستجمام والراحة، يقضيه في تدخين النرجيلة (الشيشة) مع احتساء كوب شاي أو زهورات، والغاية من هذا التدرج والانتقال، هو الحماية بين الجو الشديد الحرارة في «الجواني» والمعتدل في «البراني». وكلا القسمين يضاء بإضاءة طبيعية بنور الشمس، عبر قطع زجاجية خاصة مزروعة بكثافة في قبة السقف، خصوصاً أن تعديلات شتى في «الديكور» أضيفت إلى حمام النزهة، بينما «باب الحارة» تلافى هذا الأمر، لأنه أنشئ حديثاً وجمع الطراز المتطور والنمط القديم. وتبقى غرفة الزاوية، وهي عبارة عن مطبخ أو كافتيريا للعمال، يعدون فيها طلبات الزبائن من شاء وقهوة ونارجيلة، وحالياً أضيفت إليها «السندويشات» على أنواعها. عادات قديمة وصف أحد مديري الحمامات الشعبية هذه الظاهرة، بأنها محاولة إحياء لعادات قديمة شهدت ازدهاراً وإقبالاً فيما مضى، وخفت في حقبات متتالية، والآن عاد الانتعاش إليها من قبل السواح العرب والأجانب. وعن خصائص الحمام، يقول: «توفير الراحة التامة للزبون، متطلب أساسي، فالكل في خدمته، ومعظم الزبائن يقصدوننا من أجل الاستجمام لساعات، حيث ينسون تعب العمل ووجع الرأس، عدا عن أن الكثير منهم يأتون عندنا وهم يشكون أوجاعاً في الرقبة والظهر، و»تكلس» في المفاصل والعظام. لذلك يطلبون معلم «التدليك» لفرك أجسادهم نتيجة للخبرة التي يتمتع بها، وللحرارة العالية التي نوفرها داخل الحمام، فيجد المريض تحسناً ملحوظاً في وضعه، بعد عدة جلسات في الحمام». وحول الزبائن المميزين، يوضح: «المقبلون على الزواج من أهم الزبائن، فهم يدعون أصحابهم إلى هنا، لمساعدته في الحمام لدى «الفرك» الذي يتم على وقع الأغاني والأهازيج، حيث يحتفلون به قبل زفافه. وفي الجانب الآخر، تقوم مجموعة من السيدات بحجز الحمام طيلة نهار معين وسط احتفالات، لذلك أصبح الحمام اليوم تسلية أكثر مما هو حاجة ملحة». ويضيف: «من عادات أهل بيروت القدامى أنه في اليوم الذي كانت تذهب فيه العروس إلى الحمام قبل الزفاف، كان العريس يبعث إلى عروسه يوم تقصد الحمام، (فوطة العروس)، ويكون فيها حلوى وفاكهة. ويقال إذا كان العريس بخيلاً، فإنه لا يبعث بشيء في الفوطة. وإذا كان كريماً أرسل الكثير من الفاكهة والحلوى. ويقال إن هذه (الفوطة) كانت تفسد الزفاف عندما تكتشف العروس أن عريسها بخيل».
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©