الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لورنس فرلينغتي عواء جيلٍ مُنهك

لورنس فرلينغتي عواء جيلٍ مُنهك
18 ابريل 2018 21:02
لورنس فرلينغتي، شاعر سان فرانسيسكو الأكثر تقديراً يقترب عمره من قرن من الزمن، قرن من الشعر والاحتفاء بالكلمة ولا يزال نهر شعره يفيض بالكلمات الرنانة. يقتربُ فرلينغتي من عمر المائة، ولا يزال شعر البيتْ (Beat) مستمراً كأسلوب فني يحتفي بالحرية في كل أبعادها الإنسانية، هذا الأسلوب الشعري الذي اقترن بفرلينغتي منذ بداياته في أواسط القرن الماضي، فكان مؤسسه إلى جانب ثلة من الكتاب والشعراء ورائد ثورته ضد القيود التي تحد مسار الكلمة. - عُرف فرلينغتي شاعراً حراً في الأوساط الأدبية الأميركية بعد نشره لمجموعته الشعرية «صور من العالَم الرّاحل» عام 1955. فتلقى نقداً لاذعاً بسبب جرأته الكبيرة في استعمال الكلمات، مكسّراً كل قيود الشعر الكلاسيكي، والحقيقة أن أميركا لم تكن لتعرف انبثاق هذا الشاعر لولا نشره لكتابه بنفسه في مكتبته ودار النشر التي أسسها تحت مسمى «مدينة الأضواء City Lights». ومع انتشار الكتاب في أروقة بقية المكتبات في أميركا، ظهر أن الرأي العام معاكس لما يُقذف به لورنس، فاعتُبرَ شعره فأساً صغيرة تضرب في شجرة المجتمع المحافظ الكبيرة وقيم الشعر الكلاسيكي الرّاسخة. ثورة شاملة «ما هذا؟ فكّرتُ. كيف سُمح لهذا الشاب أن يكتبَ بهذه الطريقة؟ فتلك الخطوط المتقافزة تحملُ جرعة كبيرة من الحرية إلى حد الثّمالة»، قال أحد الصحفيين حينها معلقاً على الكتاب. آنذاك، ابتاع الكتاب حتى هؤلاء الذين لم يسبق لهم أن ابتاعوا كتابا شعريا، فقد انتشر هذا النوع من الشعر بين المراهقين وكل من يطالب بالحرية بمفهومها الشاسع، مما أجج الرأي العام حول خطورة ما يتم نشره تحت مسمى «جيل البيتْ». هذا الأخير الذي تبلورَ كفكرة صغيرة تدعو إلى رفض القيم التعبيرية الكلاسيكية في الرواية والشعر ورفض الرأسمالية بكل أشكالها وتدعو إلى الانفتاح على الديانات الشرقية وحرية استعمال المخدرات والتحرر الجنسي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. في العام 1956، نشرت دار النشر «سيتي لايتس» قصيدة «عواء» للشاعر آلن غنسبيرغ في شكل كتيّب للجيب، وهي قصيدة مطولة تنتقد سياسة أميركا الداخلية والخارجية والتعسف الأمني ضد الحريات والتمييز العنصري. فأُخذَ كل من غنسبيرغ وفرلينغتي إلى المحاكم نظرا للجرأة الكبيرة في فضح سياسة أميركا واستعمال لغة قوية تكاد تكون سباً وشتماً، حيث اتهما بنشر الفاحشة والتشويش على الرأي العام. أدى هذا الأمر بعدد من الجمعيات الحقوقية إلى مناهضة التعسف الأمني معتبرة إياه مضاداً لحرية التعبير، إذ اعتبر البعض أن عفوية استعمال علامات الترقيم عند كتاب البيت ولغتهم الواضحة والبسيطة والمتجاوزة للحدود أسلوب جديد يجب تقبّله. كما أن هواية القراءة ارتفعت نسبتها كثيرا داخل المجتمع الأميركي آنذاك، الشيء الذي اعتُبر من إيجابيات كتّاب البيتْ. بعد فترة قصيرة، حصلَ غنسبيرغ وفرلينغتي على حريتهما، واستمرّا في ريادة مجموعة الكتاب التي تدعو نفسها بـ «البيتْ» وهي كلمة تعني حرفياً الجيل المُنهك، كان قد دعا إلى تفعيلها الكتاب: جاك كرواك وهربرت هانكي وويليام بروز والمحرر الصحفي لوسيان كار في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي. وتأكيدا على بقاء ثورة هذا الجيل وامتداده، نشرت دار النشر (فايكين بريس) في مدينة نيويورك رواية جاك كرواك الأولى «على الطريق» عام 1957، والتي تحكي قصته وهو يجول أميركا حرا وبدون دفع تكلفة النقل مع أصدقائه الكتاب والشعراء خصوصا نيل كاسيدي وآلن غينسبرغ. ثم، نشر ويليام بروز روايته «الغداء العاري» في باريس في العام 1959، والتي تسرد عن شخص متمرد يدمن التدخين والمخدرات، ويستعمل أسماء مستعارة في كل بلد يحط به الرحال، خصوصاً بلده أميركا والمكسيك ثم مدينة طنجة المغربية التي كانت منطقة دولية آنذاك. مع الإنسان في وقتٍ، اعتُقدَ أن فرلينغتي يعيش عزلة مثل إ. إ. كامينز وتشارلز بوكوفسكي نظرا لتشابه الأسلوب، إلا أنه على العكس من ذلك تماما، فقد اعتاد الرجل أن يكون بوابة كبيرة للشعراء الشباب في أميركا على مر سنين نشاطه الشعري، فدائما يساعدهم ويشجعهم من خلال استقباله لهم في مكتبته وقراءة شعره في أماكن متعددة وحضور محاضرات أدبية مجاناً قبل أن ينهكه العمر ويذهب إلى عزلته في مزرعة في نواحي سان فرانسيسكو تاركا سيتي لايتس في أيدي عماله، وهو الذي قال: «إذا كنت تريد أن تكون شاعرا، فعليكَ أن تخلق فنا راقيا للرد على الأوقات المروّعة التي تعيشها ولو بمعنى مروّع. أنتَ وايتمان وآلن بو ومارك تواين ونيرودا وماياكوفسكي وبازوليني، وأنتِ إميلي ديكنسون وإدنا سانت فينسنت ميلاي، وأنت أميركي أو غير أميركي... يمكنكَ قهر الغُزاة بالكلمات.» وإلى جانب وقوفه ضد حرب الفيتنام، فقد وقف فرلينغتي إلى جانب الشعراء الهنديين في «حركة شعراء الجوع» بعد اعتقالهم في العام 1964 في كلكوتا، فساعد على ترجمة شعرهم وقدمهم للقارئ الغربي في مجلة سيتي لايتس للأدب والثقافة التي يديرها متعاطفاً معهم ومع الكلمة الحرة بصفة عامة. يقول فرلينغتي: «بما أني عملت في البحرية الأميركية زرت ناغازاكي ورأيت تلك الأطلال والخراب الذي خلفته القنبلة النووية بعد ستة أسابيع على سقوطها في اليابان، فتغيرت وجهة نظري صوب العالم والحياة.» منذ تلك اللحظة إلى الآن صار فرلينغتي من دعاة السلام مدى الحياة. بعد استقراره في سان فرانسيسكو في 1950، نما الولع والحنين إلى وطن مسالم وعالم بلا حرب عند فرلينغتي فوجد ضالته في الأدب والفن يكتب الشعر ويرسم ويقرأ بنهم، وهناك أسس مكتبة سيتي لايتس على أنقاض بناية خربها زلزال كان قد ضرب المدينة قرب الشاطئ الشمالي، فأضحت معلمة أدبية كبيرة وصخرة شامخة من أجل الشعر والفكر التقدمي، تنشر الموضوعات الأكثر وضوحا وجرأة، والآن إنها مكان عالمي يقوم عُشّاق الأدب بالحج إليه. ومن هناك استمر فرلينغتي في كتابة الشعر والاحتفاء بالأدب الحر لعقود عديدة حتى وهو يقترب من عيد ميلاده 99 الآن، يعتبرُ أبرز ناشر وراعٍ للفن في وقتنا المعاصر. سيمفونية تاريخية مؤخراً، أصدرَ الشاعر مجلداً يضم أهم أعماله بعنوان: «أعظم قصائد فرلينغتي». في هذا الكتاب، تترتب القصائد زمنياً بشكل سلس كأنها جزء من سيمفونية تاريخية، تذكر كل اللحظات الصعبة التي مر منها العالم منذ الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا. وإنه لأمر فظٌّ نكران أن فرلينغتي قد منح للقيم الشعبية حقها في الكثير من الخطوط المتعذر محوها. منذ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فقد وقف صوته وسط جوقة منشقة ومتزايدة خلال أيام المقاومة السياسية والصراع العرقي، والآن إنه من المألوف أن نلتقي مع بعض من عباراته في المواقع الاجتماعية، عبارات تدعو إلى الحرية ومقاومة التعسف السياسي. إنه يعرف كيف يرمي صنارته ويصيد الفكرة والقارئ معا، فقد صنفه البعض ككاتب أغان ماهر، وكلماته دائما تتدفق بسهولة على اللسان وواضحة للعقل كأغنية جميلة. لديه موهبة أن يساعدك على سماع ما يقال بشكل خال من المرشِّحات التي يصعب إدراكها، فهو يشعر بالحساسية من الغموض المتعمد كما أوضح في قصيدته «بيان شعبي» في كتابه «هذه أنهاري». إن العودة إلى فرلينغتي هو في نهاية المطاف عودة إلى التجمعات الرومانسية في الوسط الذي صنع فرلينغتي. لذلك فمن المنطقي أن بعض أساليبه الأكثر ثباتا هي تلك التي ينظر من خلالها إلى الوراء أثناء ذروة مجد جيل البيتْ في القرن الماضي. يملأ شعر فرلينغتي الحنين إلى مدرجات الشاطئ الشمالي حيث انتشرت ثقافة البيتْ واجتمعت مع محبي موسيقى الجاز، وصار الكل يرتدي القبعات ويدخّن السجائر الفرنسية ويستمع للشعر. لذلك، تبدو القصائد، حتى عندما قارب صاحبها مائة عام من حياته، مفعمةٌ بالطاقة الشابة، كنبض تحرير لا يزال معدياً جداً في عصرنا هذا. اقهَروا الغزاة بالكلمات إذا كنت تريد أن تكون شاعراً، فعليكَ أن تخلق فناً راقياً للرد على الأوقات المروّعة التي تعيشها ولو بمعنى مروّع. أنتَ وايتمان وآلن بو ومارك تواين ونيرودا وماياكوفسكي وبازوليني، وأنتِ إميلي ديكنسون وإدنا سانت فينسنت ميلاي، وأنت أميركي أو غير أميركي... يمكنكَ قهر الغُزاة بالكلمات. لورنس فيرلنغتي مختارات من قصائد لورنس فرلينغتي أنتظر أحداً يوقف هذا العويل! حقا، يمكن للملابس الداخلية أن تقيّدك يرتدي السود لماما ملابس داخلية بيضاء قد تؤدي إلى متاعبٍ وأنا في انتظار حل لقضيتي وأنتظر ولادة جديدة عجيبة *** أنتظر شخصاً ما ليكتشف أميركا حقاً ويوقف هذا العويل *** لقد رأينا أروع العقول من جيلنا دمرها الملل من القراءات الشعرية، فالشعر ليس مجمعاً سرياً وليس معبداً والكلمات السرية مهما هتفت لن تقدم شيئاً *** صعدت عصابة من المتمردين إلى أسطح المنازل قرب المقابر القديمة، وجعلت من الجنون مائة عام من الغضب *** الأشواق والتماسات الطريق الأوهام والتوهج مثل السير إلى ما لا نهاية عبر الشوارع المنحنية كموهبةِ تحسُّسِ نماذج مرسومة بعينين معصوبتينِ مثل الأعالي والخمر اللذيذ، أُحيّيكَ الآن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©