الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللاجئون الكوريون الشماليون...هاجس الترحيل

اللاجئون الكوريون الشماليون...هاجس الترحيل
9 سبتمبر 2009 00:14
في إحدى ليالي خريف 2003، وضعت «لي مي يانج»، التي فرت من كوريا الشمالية إلى الصين، قبلة على جبين صغيرها «كانج» ابن التسعة أشهر، وبعد ذلك نظرت إلى والد ابنها الصيني الذي اعتنى بها لعامين، فعانقته ثم رحلت تاركة عائلتها وراءها. وتقول «لي»، التي تستعمل اسما مستعارا مخافة العواقب: «لقد كان أمراً فظيعاً؛ ولكن كان لا بد من أن أغادر حتى يكون لابني مستقبل». ابن «لي»، وعلى غرار العديد من الأطفال الذين وُلدوا لأمهات كوريات شمالية وآباء صينيين في شمال شرق الصين، كان في مأزق قانوني. فرغم أن القانون الصيني يمنح الجنسية لأطفال المواطنين الصينيين، فإن العديد من الآباء لا يسجلون أطفالهم مخافة أن يتم اعتقال أمهات الأطفال وترحيلهن إلى كوريا الشمالية، أو لأنهم لا يستطيعون توفير الرشى المطلوبة، وهو ما يحرم الأطفال من التعليم وخدمات اجتماعية أخرى. ولهذا السبب قررت «لي» الرحيل لأنه بغيابها سيصبح باستطاعة «كانج» أن يسجَّل كصيني. استقلت «لي» الحافلة في رحلة تستغرق خمس ساعات إلى مدينة داندونج الصينية، حيث عملت نادلة في أحد المطاعم لادخار المال. وتقول «لي» التي كانت تعلم أنه إذا قُبض عليها، فإنها ستُرحل إلى كوريا الشمالية : «كنت دائما خائفة ولم أكن أستطيع الخروج». وبعد ثلاث سنوات في «داندونج»، تمكنت من ادخار ما يكفي من المال لإرسال 300 يوان لـ «زوجها» الصيني لدفع رسوم تسجيل ابنها . وفي 2008، انتقلت إلى سيئول في كوريا الجنوبية. وقد بدأ مسلسل الهروب من كوريا الشمالية في منتصف التسعينيات خلال مجاعة يُعتقد أنها حصدت أرواح مليون شخص. وبحثاً عن الغذاء والعمل، عبر مئات الآلاف من الكوريين الشماليين، وبخاصة من الأقاليم الشمالية، إلى الصين. وكان الكثيرون ينوون البقاء لبضعة أشهر من أجل ادخار بعض المال قبل العودة لإطعام عائلاتهم. ولكن البعض مثل «لي» بقوا؛ والعديد ممن فروا متركزون اليوم في إقليم جيلين. غير أن الصين تعتبر الكوريين الشماليين «مهاجرين اقتصاديين غير شرعيين» حيث تقوم باعتقالهم وترحيلهم؛ بينما يعتبر نظام الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج إيل المغادرة بدون إذن الدولة خيانةً، ويعاقب المقبوض عليهم بقسوة حيث يتعرضون للاعتقال، والتعذيب، والقتل أحيانا. وتشكل النساء أغلبية الأشخاص الذين يفرون، حسب تقرير صدر هذا العام عن «لجنة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية» التي يوجد مقرها في واشنطن. فنظراً للتفاوت الديمغرافي في المناطق الفقيرة لشمال شرق الصين، فإن العديد من الرجال الصينيين يُقبلون على الزواج من زوجات كوريات شمالية، رغم أن الزيجات غير معترف بها رسميا. كما أن بعض النساء اللاتي يفررن إلى الصين، بسبب أوضاعهن الهشة، يرغَمن على الزواج. غير أنه حين يبلغ أبناء اللاجئات الكوريات الشماليات سن الذهاب إلى المدرسة، يواجه آباؤهم اختيارا صعبا. وفي هذا الإطار، وجد تقرير «لجنة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية»، واسمه «أرواح للبيع»، أن حوالي ثلث هؤلاء الأطفال فقط مسجلون في «نظام تسجيل العائلات الصينية»، الذي يسمى «هوكو». وبدون «الهوكو»، فإن هؤلاء الأطفال، والمعروفين بـ «الأطفال الذين لا دولة لهم»، لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة، أو الحصول على المقررات الدراسية، أو إيجاد وظيفة، أو الذهاب إلى المستشفى. وفي هذا السياق، يقول تيم بيترز، الناشط في مجال حقوق الإنسان ومؤسس «أياد مساعدة – كوريا « ، وهي منظمة مسيحية في سيئول تساعد الأشخاص الفارين من كوريا الشمالية: «إن مستقبلهم قاتم ... وإذا لم يحصلوا على المساعدة، فإنه لا مستقبل لديهم». التقديرات بخصوص عدد هؤلاء الأطفال تختلف وتتراوح بين بضعة آلاف وعشرات الآلاف؛ مثلما تختلف السياسات بخصوص تسجيل هؤلاء الأطفال «نصفهم كوريون» من منطقة إلى أخرى، غير أنه منذ 2007 بدأت العديد من المناطق تمنح الـ «هوكو» مقابل رسوم. وفي هذا الإطار، ذهب المزارع كيم دونج إيل في 2001 لتسجيل ابنه الذي لم يتجاوز عمره الثلاث سنوات بعد ترحيل زوجته الكورية الشمالية. ويقول إنه طُلب منه أن يقدم وثيقة رسمية تؤكد أن أم ابنه قد اعتُقلت، ويأتي بثلاثة شهود لتأكيد أنها رُحلت. وإضافة إلى ذلك، كان على كيم، الذي يدخر 100 يوان في السنة، أن يدفع 500 يوان، اقترضها من أصدقاء وأقارب. غير أن آخرين يضطرون لدفع رشى حتى يستطيع أطفالهم غير المسجلين الذهاب إلى المدرسة. فابنة كيم مي سونج، الكورية الشمالية التي فرت من جيلجو وتستعمل اسماً مستعارا أيضا، التي لم تتجاوز ربيعها الرابع، تذهب إلى رياض أطفال بدون الـ «الهوكو» . ولكن كيم اضطرت لدفع 400 يوان في السنة لاقتناء الكتب وغيرها من الأدوات المدرسية التي تُمنح عادة بالمجان. فعندما ولدت ابنتها، طُلب من كيم وزوجها الصيني دفع 1000 يوان للتسجيل؛ ولكن الزوج، الذي يجني حوالي 1500 يوان في السنة، لم يكن يستطيع توفير ذلك المبلغ، في حين تحصل كيم في الأيام الجيدة على عمل في الحقول وتتقاضى 30 يوان مقابل كل 10 ساعات من العمل. وتقول كيم: «أنا قلقة جدا. ستستطيع (ابنتي) الذهاب إلى المدرسة الآن؛ ولكني لا أعلم ماذا سيكون مصيرها بعد ذلك». والواقع أن طفلي «كيم» و»لي» يلقيان بعض العناية؛ ولكن تلك ليست هي القاعدة حيث يقول بيترز، الذي يساهم أيضا في إدارة دور أيتام في المنطقة: «في معظم الحالات، ينظر الرجال الصينيون إلى النساء الكوريات الشماليات كسلعة. ولا يشعرون بالمسؤولية تجاه الأطفال، ولكن حتى حينما يبدون حس المسؤولية، فإنهم فقراء جدا ولا يستطيعون التكفل بهن». غير أن ابن «لي» يبدو واحدا من الأطفال المحظوظين. فهو الآن يذهب إلى المدرسة، ويعد تلميذا نجيبا، ولديه أصدقاء كثيرون. وتتحدث «لي» مع «كانج» مرة كل أسبوع، وقد ذهبت لزيارته في أبريل الماضي حين حصلت على جواز سفر كوري جنوبي. ولكنها تشعر بكلفة هذا النجاح في كل يوم وهي بعيدة عنه . وتقول وقد اغرورقت عيناها بالدموع: «لقد كانت تلك الطريقة الوحيدة!». لينا يون- سيئول ينشر بترتيب خاص مع خدمة» كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©