الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جامع خالد بن الوليد مكافأة السلطان عبدالحميد لزين العابدين

جامع خالد بن الوليد مكافأة السلطان عبدالحميد لزين العابدين
9 سبتمبر 2009 00:10
تضم مدينة حمص السورية عدداً كبيراً من مقامات الصحابة والأولياء الصالحين، ويفاخر أهلها بأن الصحابي الجليل والقائد العسكري النابغة خالد بن الوليد قد أمضى بقية عمره فيها، حتى توفي في سنة إحدى وعشرين للهجرة، مردداً مقولته الشهيرة: «لقد شهدت مائة زحف أو زهائها، وما في جسدي موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء». قال ذلك وهو يأسف على عدم نيله الشهادة، وأوصى للخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بميراثه، وكان مكوناً من فرسه وسلاحه فقط. وعندما بلغ نبأ وفاة سيف الله المسلول إلى المدينة، خرجت بنات مخزوم يبكين، وكان الخليفة عمر منع النحيب على المتوفين، فخرج لإسكاتهن، ولما سمع النبأ قال: «دع نساء بني مخزوم يبكين على أبي سليمان، فإنهن لا يكذبن، فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي». محج السلاطين والقادة دفن خالد بن الوليد على أطراف حمص، وكان قبره عبارة عن مقام، ذكره بعض الرحالة في كتاباتهم، ولم يتحول إلى جامع إلا عندما مر به السلطان الظاهر بيبرس عام 1265 للميلاد، وأغلب الظن أنه كان في ذلك الوقت على هيئة المدافن الأيوبية والمملوكية، فأقام ضريحاً خشبياً فوقه، وأرخت لذلك لوحاتان مكتوبتان بخط نسخي في تربة خالد، وتتضمنان توثيقاً لانتصار الظاهر بيبرس على مملكة سيس الأرمنية في جنوب هضبة الأناضول شمال بلاد الشام. وفي عام 1291 ميلادي، مر بالضريح الملك الأشرف خليل بن الملك المنصور قلاوون، خلال توجهه على رأس جيش لملاقاة الروم، فأمر بتجديد شباك التربة، وتشير إلى ذلك لوحة خشبية ثالثة تقع في ثمانية أسطر، وبعد ذلك قام الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ببعض الإصلاحات للمسجد. وقد دون أكثر من سلطان انتصاراته في جامع خالد بن الوليد، وتبارك به قبل التوجه إلى المعركة. وعندما جاء عهد السلطان العثماني عبد الحميد، قام والي الشام ناظم باشا بتجديد الجامع، فهدم القديم وبنى مكانه مسجداً على نمط جامع السلطان أحمد في اسطنبول. وذلك في عام 1912 ميلادي. ولبناء هذا الجامع قصة. السلطان والشيخ كان للسلطان عبد الحميد أخت مريضة، عجز الأطباء عن علاجها، فاستعان بأطباء من الصين وألمانيا، ولم ينجحوا، فأشار عليه بعض العلماء بأن يستعين بالشيخ محمد سعيد زين العابدين المشهور ببراعته في طب الأعشاب. وبالفعل نجح في علاج المريضة، وحين شفيت، أراد السلطان عبد الحميد أن يكافئه على ما صنع، وسأله بأن يطلب ما يشاء، ليقدمه له، فرفض الشيخ دافعاً بأنه رجل علم ودين، لا دنيا ومال. لكن السلطان أصر على مكافأته وأمهله ثلاثة أيام ليقرر. فلما انتهت، طلب الشيخ أن يكون في حمص جامع على قبر الصحابي خالد بن الوليد، كمثل جامع السلطان أحمد في اسطنبول، وهكذا كان. فأمر السلطان العثماني عبد الحميد بهدم المسجد القديم، وبناء جامع أكبر وأبهى، يليق بعظمة هذا الصحابي والقائد العربي الإسلامي الفذ. وجاء من اسطنبول مهندس معماري اسمه علاء الدين أولسوي، وهو خريج جامعة السوربون الفرنسية، وقام بوضع مخططات الجامع، وشارك في بناء الجامع أهالي المدينة من المسلمين والمسيحيين مجاناً، وخلد اسم المعماري وصورته في المتحف الإسلامي المقام ضمن الجامع، كما شارك في البناء المعماري المسيحي الشهير عارف بن عبد الله خزام، وهو الذي صمم أروقة الجامع وصحنه وبحيرته، وكان يلقب بالمعمار باشا، أو رئيس البنائين، حيث زار عارف القاهرة ليطلع على نمط بناء جامع محمد علي فيها، واقتبس منه الكثير، فجاء بناء جامع خالد بن الوليد مزيجاً من العمارة العثمانية والمصرية وبخصوصية حمصية. معلم ديني يعد جامع خالد بن الوليد اليوم رمزاً لمدينة حمص، فهو يمثل أهم معلم ديني وتاريخي وسياحي لها، ويقع إلى الشمال من الساحة الرئيسة للمدينة، بالقرب من حي الخالدية (نسبة لخالد بن الوليد)، في أول طريق حماة. يعرف شعبياً بجامع (سيدي خالد). وقد بني من الحجر الأسود والأبيض، وهو أسلوب البناء المعروف والمنتشر في حمص على مدى تاريخها، ويوصف هذا الأسلوب من البناء بـ»الأبلق»، أي توالي الحجارة السوداء والبيضاء. وبالتالي فهو وإن كان نسخة عن جامع السلطان أحمد في اسطنبول، ويشبه جامع القلعة في القاهرة، فإنه يحمل مميزات تاريخ حمص وهندستها وهويتها، وهي التي تسمى بأم الحجارة السود. وللجامع حرم مربع الشكل، يتكون سقفه من تسع قباب نصف كروية، أعلاها القبة الوسطى، حيث يبلغ ارتفاعها ثلاثين متراً، وقطرها اثني عشر متراً، تستند إلى أربع ركائز مربعة وضخمة. ويتألف من صحن واسع، ويضم الحرم ثلاثة محاريب، لاثنين منها عمودان من الرخام الأبيض. أما المحراب الأوسط، فقد زين بالرخام المجزع بأشكال هندسية جميلة ملونة بالأحمر والأسود والأبيض. بينما بني المنبر من الرخام الأبيض وعلى جدرانه نقوش وتخاريم، وقد صنعت واجهته على طريقة الدهان العجمي، ولها مقرنص لطيف. وللجامع مئذنتان رشيقتان مضلعتان بالحجر الأبيض، ومزينتان بقرانص بسيطة، تنتهي كل واحدة منها بمخروط عثماني، وفي جهته الشمالية عدد من الأروقة والأقواس، كما يضم المتحف الإسلامي، الذي يحوي لقى أثرية وجدت في فترات زمنية مختلفة، منها مصاحف مذهبة وأسلحة قديمة، ومن بينها قوس مصنوع من خيزران منطقة ينبع في الجزيرة العربية. يقع ضريح خالد بن الوليد في الزاوية الشمالية الغربية من الحرم، وهو مبني من الرخام الأبيض، تعلوه قبة من الخشب. وفي زاوية هذا الضريح، ضريح صغير لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد. كما يضم الجامع في الزاوية الشمالية الشرقية منه ضريح عبيد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ويحيط بمقام خالد تابوت أثري نفيس من الخشب المحفور المزدان بالألوان، وله قاعدة سفلية يقوم فوقها صف من ستة محاريب ضامرة في كل من الجانبين العريضين، وثلاثة في كل من الجانبين الضيقين، وكل هذه المحاريب مملوءة بالزخارف الهندسية والنباتية البارزة، ثم يأتي فوقها صف من الزخارف الكتابية الكوفية، وفوق هذه صف آخر من الزخارف الكتابية النسخية، وقسم آخر مكتوب عليه آية الكرسي. وكانت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا قامت بترميمه وغطته بخزانة زجاجية تحافظ على حرارته في درجة مناسبة.
المصدر: حمص
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©