الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العناصر السبعة.. الروح الخفيَّة

العناصر السبعة.. الروح الخفيَّة
21 يناير 2016 16:23
رضاب نهار يتشرب الإبداع الإماراتي بيئة منتجيه، ويستدعي عناصرها ليصوغ مفرداته المحكية والمكتوبة والمرئية، حيث يقترب في كل مرة من طبائع أهله ويجاورهم في عاداتهم وتقاليدهم، فتصبح أغراضهم وأشياؤهم صوراً لشعرهم ومكاناً يحيط بقصصهم ورواياتهم، وصوراً ترتب المشاهد الدرامية عندهم. ثمة في تلافيف البحث حول العناصر التراثية السبعة المُدرجة على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي ما يغوي بالبحث عن تمظهراتها في الإبداع الإماراتي، وحضورها فيه وقدرتها على تشكيل عوالم المبدعين الزمانية والمكانية. فمن الرواية إلى القصة إلى الشعر والفن التشكيلي والسينما والمسرح والدراما، كيف تجلّت هذه العناصر السبعة: الصقارة – العيالة – المجالس – القهوة العربية – التغرودة – السدو – الرزفة؟ وهل من اهتمام إبداعي بحيثياتها؟ فسيفساء مكانيّة يؤكد الروائي والأديب علي أبو الريش أن «التاريخ الثقافي غير المادي للإمارات غني بمفردات مستلهمة من فسيفسائها الملونة بالبحر والصحراء والجبل والسهل، حيث تختلف بعض العادات ذات الطابع الفني المكتسبة من بيئة لبيئة، وتطلّ اليوم بجماليات لا تنتهي. فالأغاني الشعبية، مثلاً، تتميز في بيئة أهل الصحراء عن تلك الموجودة في البيئة الساحلية. وهو ما ينطبق على التراث المادي أيضاً، إذ يمكن لمن يلقي نظرة عامة على التضاريس الإماراتية أن يكتشف مدى غناها بالآثار والقطع التاريخية التي تعود لفترات بعيدة جداً من الزمن. الأمر الذي يظهر في الرواية الإماراتية ويتجلّى في جميع عناصرها الدرامية، حتى إنه في كثير من الأحيان بات يشكّل الإطار العام للأحداث ويؤثر في مسيرتها. لكن وفي حين يتواجد التراث بشدة في الأدب الروائي بالصيغة التي تحدثنا عنها، تراه يفتقد إلى دور البطولة». فتِّش عن الشعر من جهته أوضح الشاعر والناقد سلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة أن بعض العناصر السبعة «موجودة كأنماط شعرية بحد ذاتها مثل «التغرودة» وحتى «العيّالة» التي تقوم على الشعر والإنشاد الغنائي، و«الرزفة» المفعمة بالشعر النبطي المغنّى. أي أنها تمتلك قوالبها وقواعدها الخاصة، ولا تزال حيّة وتُمارس في المشهد الثقافي الإماراتي. بينما جاءت «الصقارة» كموضوع وغرض شعري في الكثير من الأشعار الشعبية والفصيحة لشعراء إماراتيين، ولطالما سمعناها وقرأناها. ويعتبر وجود «المجالس» في الحياة الاجتماعية المحلية، له علاقة وطيدة مع الشعر والشعراء. فالمجلس بيئة غنية ثقافياً واجتماعياً ومستمرة في التجسّد والحضور». أما العناصر الأخرى، حسب العميمي، فتوجد في الشعر الإماراتي «بشكل جزئي ومتفاوت يتبع الفكرة المطروحة في القصيدة، والغرض الذي يرمي إليه الشاعر نفسه. وغالباً ما تحضر كصورة شعرية تصف علاقة الشاعر بالزمان وبالمكان ومع الأغراض من حوله». حضور خجول ويرى الباحث والسينمائي خالد البدور أن «عناصر التراث الثقافي غير المادي المدرجة على قائمة اليونسكو، بشكل عام، متغلغلة في تفاصيل العيش اليومي للإنسان في مجتمعنا. فالمجلس على سبيل المثال، مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية وهو عنصر من عناصر التراث الهام؛ بالإضافة إلى كونه طقساً اجتماعياً يوازي بوجوده عندنا المقاهي في الدول الأخرى. كذلك تدخل القهوة في تفاصيل المطبخ الإماراتي وتتمحور حولها العديد من الطقوس المعنية بأصول الضيافة والكرم، لذا تراها كثيراً في الفنون والرواية والشعر. وإذا ما أردنا تقصّي وجودها القصدي في نتاجاتنا الفنية والأدبية وتحديداً عند السينمائيين الإماراتيين، فنحن بحاجة إلى دراسة معمقة ودقيقة. وبالعموم لا يسعنا إلا القول بأنها موجودة فعلاً لكن بطريقة خجولة، وبنسب متفاوتة تعتمد على الموضوع المطروح وكيفية معالجته فنياً، حيث نستطيع تأكيد حضور عناصر التراث الثقافي الإماراتي غير المادي كعنصر درامي ثانوي وليس كحكاية أساسية». ويقول: «لعلها فرصة أن نطلب الآن تسليط الضوء على هذه العناصر من خلال الصناعة السينمائية وتحديداً الأفلام الوثائقية، التي تستطيع تناول كل عنصر على حدة، والبحث في نشأته واستمراريته حتى اليوم. وهي مناسبة لدعوة كافة الجهات المعنية، التراثية والثقافية والفنية والتراثية، لتقديم دورات تدريبية حول كيفية تناول عناصر التراث الإماراتي غير المادي في الدراما والسينما وفي البرامج التليفزيونية. كما أننا مطالبون بإلقاء الضوء عليها إعلامياً من قبل اليونسكو كأحد الآليات المترتبة ضمن مرحلة ما بعد التسجيل». ويلفت البدور إلى أن «عدم وضوح النتائج المرجوة في الوقت الراهن، شيء طبيعي، لأن التسجيل ما زال حديث العهد. لكن الرهان الحقيقي على السنوات القادمة التي يجب أن تفعّل هذه العناصر الحية أكثر في مجتمعاتنا. ما يعني البحث في مفهومها الحقيقي وليس شكلانياً فقط، وضرورة أن يكون هناك برامج متخصصة لحمايتها وتقديمها». حضور احتفالي وفي السياق ذاته، لكن فيما يخص حضورها في الدراما التليفزيونية، يقول الفنان حبيب غلوم العطار، مستشار الثقافة في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع: «جميع العناصر المذكورة، حضرت في الدراما التليفزيونية لكن ليس بفعل قصدي يتعمّد إظهارها وتسليط الضوء عليها. فنحن حين نقدّم عملاً ينتمي بأحداثه إلى حقبة الأربعينيات والخمسينيات على سبيل المثال، تتجلى عناصرنا التراثية في الديكور الذي يؤطّر العمل، ما يعني أنها تتبدّى في الشكل وليس كبحث في جوهرها. حتى على الصعيد المجتمعي، نرى أن بعضها يحضر بصيغة احتفالية لا أكثر، وذلك ضمن المهرجانات والأعياد الوطنية وغيرها من المناسبات المماثلة». ويضيف: «أتصوّر أن مثل هذه المفردات يجب أن يكون لها برامج وثائقية خاصة تبحث في أهميتها ومدى حضورها الآني وكيفية الحرص على استمراريتها بطريقة فاعلة تجذب الشرائح المجتمعية كافة. فعلى الرغم من أن التسجيل في اليونسكو خطوة مهمة للغاية، إلا أن هذا وحده لا يكفي أبداً. علينا العمل على تحفيزها وتدريب أبنائنا ككوادر متخصصة للحفاظ عليها وتجهيز خطة خوفاً من اندثارها. الأمر الذي يندرج ضمن مسؤوليتنا ومسؤولية جميع المؤسسات والهيئات الثقافية في الدولة». وينوّه غلوم إلى أن مثل هذا الحكم «يمكن أن يطبَّق على الأعمال المسرحية الإماراتية أيضاً.. لكن الأمر في المسرح يختلف كثيراً، على اعتبار أن التليفزيون يسمح بتعدد أماكن التصوير والديكورات، ويفتح المجال واسعاً أمام تجلياتها المختلفة، خلافاً للتقييد المفروض نوعاً ما على الخشبة وطبيعة عروضها». ضعف بعد قوّة من الناحية التشكيلية، يؤكد الفنان ناصر عبد الله محمد، رئيس مجلس الإدارة في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية أن عناصر التراث الثقافي غير المادي للإمارات، تكاد تكون هي المواضيع الأساسية لحركة الفنون التشكيلية التي بدأت في مرحلة ما قبل الاتحاد، أي في مرحلة ما قبل اكتشاف النفط. وقد ظهرت في الشكل التقليدي للتعبير الفني (اللوحة – المنحوتة) كتوثيق للرموز التراثية وللعادات والتقاليد. إلا أنها قلّت نسبياً مع دخول المدارس التشكيلية الحديثة، بما يوحي أنها أُشبعت وأخذت حقها، وهي فكرة خاطئة تماماً لأن الأجيال الحالية والأجيال اللاحقة يجب أن تعايشها وتشهدها في حالتها الإبداعية. لكنه يسارع إلى التوضيح: «هذه العناصر وغيرها من المواضيع الوطنية والمحلية الموجودة في المجتمع الإماراتي، بحاجة إلى فنانين متخصصين، يعيرونها اهتماماً كبيراً ويخوضون فيها من خلال البحث والدراسة. كما أننا بحاجة لإعادة تقديمها ضمن منظومة الفنون الحديثة، وحتماً سنواجه نتائج ذات جمالية عالية وقيمة فنية رفيعة». معالجات متفاوتة الكاتبة فاطمة حمد المزروعي تجد، هي الأخرى، أن العناصر الإماراتية السبعة المدرجة على قائمة التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونسكو، تساهم بصورة أو بأخرى في بناء البيئة المكانية والزمانية للأعمال الإبداعية الأدبية داخل المجتمع الإماراتي. وهي حاضرة كنمط معيشي وتشير إلى روح الحياة عند الإماراتيين، الرجال منهم والنساء، الكبار والصغار. لكنها لا توجد كموضوع أساسي بحد ذاته من الألف إلى الياء، وتختلف بالطبع في حضورها وتجسّدها من كاتب إلى آخر بما يخدم القصة المروية. حيث ركّز الأدباء قديماً على الصقارة في القصّ والشعر، خاصة في مرحلة ما قبل اكتشاف البترول. ولابد من الإشارة إلى أن الأدباء الإماراتيين لطالما ركّزوا على التراث في كتاباتهم، حتى خارج إطار العناصر السبعة المُسجّلة؛ إذ ركّزوا على النخل، البحر، الخيمة والحياة البدوية وغيرها الكثير. وتقول: «شخصياً، تضمنت كتاباتي القصصية أغاني الأطفال والحكايات الشعبية والخراريف، وهي عناصر تستحق أن تسجّل في اليونسكو باعتبارها من التراث الإماراتي الثقافي غير المادي. وهذا أمر بالطبع، يعتمد على إعداد وتجهيز الملفات والأبحاث التي تفيد بحد ذاتها في تفعيل وتوثيق التراث». القهوة.. عبق المجالس تعتبر القهوة أحد عناصر التراث الثقافي غير المادي المصنفة كممارسة اجتماعية وصناعة تقليدية نظراً للأدوات المستخدمة فيها. وترتبط القهوة بفنون الأداء، حيث يصاحب طحنها عادة التغني ببعض الأغاني والتقاليد الشفهية، كما أن هناك العديد من الأغاني والقصائد عن القهوة والكرم. ويدرك أغلب حاملي هذا التراث فوائدها الصحية باعتبارها أحد المنبهات الخفيفة، كما أنها تساعد على عملية الهضم. وفي الإمارات، اختار ممثلون من مختلف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومعهد البحوث الجامعية في عام 2009 القهوة العربية ضمن عناصر التراث الثقافي لترشيحها بهدف الإدراج في القائمة التمثيلية لعناصر التراث غير المادي، وقد نوقشت مسألة الترشيح في مجالس متعددة في مختلف الأوساط الاجتماعية في الدولة، وعقدت ورش عمل وفعاليات محددة لمناقشة وإعداد ملف الترشيح. وفي إبريل من عام 2011، نظمت إدارة الشارقة للتراث مؤتمراً حول القهوة العربية عرضت خلاله مشاهد مصورة وأوراقا بحثية وخطابات تأييد للترشيح. أدرجت دولة الإمارات العربية المتحدة الرزفة على قائمة حصر التراث الثقافي غير المادي في أبوظبي عام 2007 كعنصر من عناصر فنون الأداء، وتم إدراج نسخة أكثر تفصيلاً في 13 يونيو 2011 وتم تحديثها في 11 مايو 2012. وقد تم إيداع قائمة الحصر لدى إدارة التراث المعنوي في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©