الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مذكرات طالب تتحول إلى فيلم

مذكرات طالب تتحول إلى فيلم
19 مايو 2010 20:00
أثار الفيلم المغربي “زمن الرفاق” جدلا واسعا بين النقاد بسبب موضوعه الذي يتحدث عن الحركة الطلابية والتيارات الفكرية والسياسية التي أثرت فيها في فترة التسعينات التي شهدت حراكاً كبيراً وتحولات عالمية مهمة، وأثارت معالجة المخرج محمد الشريف الطريبق للخلاف داخل الساحة الطلابية بين التيار الإسلامي والتيار الماركسي والصراع الخفي بينهما جدلا واسعا بين النقاد الذين اتهموا المخرج بمحاولة فرض رأيه على أحداث واقعية وتمجيد فصيل طلابي على باقي الفصائل والانتصار للتيار الماركسي وانتقاد أطروحات وآراء التيارات الأخرى. وبينما قال بعض النقاد إنه كان ينبغي على المخرج أن يكون أكثر حيادية، اعتبر آخرون أن طرح المخرج جريء وانحيازه للحركة الطلابية الماركسية كان منسوجاً بحرفية وبإتقان، فيما وجد آخرون أن انحياز المخرج جاء على حساب أحداث ووقائع، حيث إن الحركة الطلابية المغربية تأثرت في فترة التسعينات بالصراع الحاد بين هذين التيارين وحوّل النقاش حولهما حرم الجامعة إلى حلبة لفرض الوجود واستقطاب الطلبة، فكان التيار الإسلامي أكثر استقطابا وتواجدا من التيار الماركسي الذي انحسر وجوده. لكن النقاد أشادوا بالفيلم باعتباره أحد الأفلام المغربية القليلة التي تجرأت على التطرق إلى هذه الفترة الحساسة وإلىهذا الموضوع من خلال المزج بين الدراما السياسية المباشرة والكوميديا السوداء. وحصد الفيلم عدة جوائز أهمها الجائزة الكبرى لمهرجان السينما الأفريقية بخريبكة، وجائزة “سينما تتحرك” بمهرجان سان سبستيان بإسبانيا، وجائزة العمل الأول بمهرجان طنجة المغربي، وجائزة الجمهور بمهرجان تطوان المغربي، كما عرض في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية بمهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبوظبي. اختار المخرج فترة التسعينات التي شهد فيها العالم تحولات كبرى وجعلت الكثيرين يعيدون النظر في قناعاتهم الأيديولوجية كنقطة انطلاق أحداث الفيلم، وحاول المخرج أن يحيط بجميع أحداث المرحلة ومرجعياتها الفكرية والسياسية وأجوائها النفسية، وكيف حولت هذه الأحداث الجامعات إلى حلبة صراع شهدت سجالا طاحنا تجاوب الطلاب معه وانقسموا إلى تيارات مختلفة. ومن رحم هذه الأحداث، تولد قصة حب بين الطالب الجامعي سعيد وزميلته الحسناء رحيل التي اختارت الانخراط في الحركة النضالية للطلاب رغم معارضة عائلتها، أما سعيد فكان سلبيا محبطا ومنعزلا عن كل ما يحدث في الجامعة إلى أن تأثر بالحياة الثورية التي فرضتها عليه حبيبته فتحول إلى شخص آخر وأصبح يلعب دور البطولة في مواجهة التيارات الأخرى التي تحاول السيطرة على الاتحاد العام لطلاب المغرب. وأصبح الحب في حياة سعيد الشعلة التي أوقدت الثورة وشجعته على أن يصبح أحد زعماء الحركة الطلابية، وحاول المخرج أن يرصد تطور شخصية سعيد، حيث نتابعه في بداية الفيلم وهو منزوٍ عن الساحة الطلابية ومجرياتها رغم قدراته الكبيرة على السجال، الأمر الذي يدفع الطلبة من الحركة اليسارية إلى محاولة استقطابه دون جدوى، لكن بعد أن يتعرف سعيد على زميلته رحيل المنخرطة في الحركة الطلابية وبعد معركة سيخوضها ضد ثلاثة شبان للفوز بقلبها، يبدأ سعيد في التغير والتطور، الأمر الذي سيعجل بالتحاقه بالحركة الطلابية وتزعمها من أجل إثارة انتباه رحيل ونيل ودها. وفي خضم الأحداث والأجواء المشحونة بالمواجهات والنقاشات السياسية والإيديولوجية التي سادت الجامعة المغربية خلال تلك الفترة يجد سعيد نفسه وقد تورط في الحياة النضالية الجامعية ورغم أن حبيبته رحيل ستقرر في النهاية مغادرة الجامعة وقطع علاقتها مع سعيد، إلا أن هذا الأخير يواصل النضال متحديا زحف التيارات الأخرى وانحسار المد اليساري في الجامعة المغربية. وظف المخرج الكثير من مشاهد الإضرابات والمسيرات التي تؤرخ لأحداث سياسية شهدتها الساحة العربية في تلك الفترة، ونجح في تقديم الجانب الرومانسي العاطفي والمزج بين العام والخاص، بين العاطفي والثوري، بين الصراع على حب فتاة والمواجهات بين التيارات الطلابية. وتدور أحداث الفيلم بمدينتي تطوان ومارتيل وتحديدا في الحرم الجامعي، حيث حاصر المخرج شخوصه في إطارات مغلقة بين الكلية والحافلة والمنزل في عالم منفصل تماما عن الحياة الاجتماعية القريبة منهم كناية عن الحصار الأمني الذي يطالهم. واقتبس المخرج قصة فيلم “زمن الرفاق” من مذكرات للحركة الطلابية في التسعينيات، وقد دافع عزيز قنجاع صاحب مذكرات الفيلم عن الانحياز لتيار ضد آخر، وقال إنه من الطبيعي أن يكون الفيلم منحازا وليس موضوعيا تماما، فهو يتكلم من منظور رؤية شخصية أو تجربة خاصة، واعتبر أن الانحياز كان محتما لأن الفيلم يعالج وجهة نظر تاريخية لمسار طلابي معقد لا توجد فيه مواقع الوسط، وأضاف أن “الفترة من 1989 إلى 1994 كانت القنطرة التي حملت العالم إلى حالته الجديدة الراهنة، ففيها كان انهيار جدار برلين وغزو الكويت من طرف نظام البعث بالعراق واكتساح جبهة الإنقاذ الجزائرية الانتخابات البلدية، وما رافق ذلك من انقلاب على نتائجها وبداية مسلسل الدم بالجزائر وأيضا تزامنت مع إعلان تفكك الاتحاد السوفياتي وظهور القوى الإسلامية كقوة موحدة تطمح للسيطرة على الاتحاد الطلبة المغرب بجميع الأشكال، وعرفت أيضا مسلسل مدريد الذي سيعطينا أوسلو وتراجع المد القومي ومسلسل المشاورات حول التناوب السياسي بالمغرب وانهيار نظام الأبارتايد ودخول الحركات اليسارية بأميركا الجنوبية في المفاوضات حول التداول الديمقراطي للسلطة”. ويلعب أدوار البطولة في فيلم “زمن الرفاق” مجموعة من الممثلين الشباب، يقف أغلبهم لأول مرة أمام الكاميرا، لكنهم استطاعوا تجسيد شخصياته بإقناع وتميّز كفرح الفاسي، ومحمد عسو، ونعمة بن عثمان، ومنال الصديقي، وياسين الفرجاني، وفاطنة الخماري، وعقبة ريان وآخرون، ويونس عصاص ونعمة بنعثمان وعزيز بوزكري، سيناريو وحوار محمد الشريف الطريبق وهشام فلاح عن مذكرات عزيز قنجاع إخراج محمد الشريف الطريبق. وحظي الفيلم بإقبال جماهيري كبير حتى أن بعض النقاد اعتبروا أن منح الفيلم جائزة الجمهور في مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط في دورته الخامسة عشر، وهي الجائزة التي أحدثت لأول مرة في هذه الدورة، جاء لإرضاء الجمهور الذي حضر عرض الفيلم، ففسر بعض النقاد ذلك بأن الجائزة استحدثت خصيصا للفيلم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©