الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

قـرون من الرفـاهية والنمو في أوروبا.. تصطدم بلعنة القرن الرابع عشر

قـرون من الرفـاهية والنمو في أوروبا.. تصطدم بلعنة القرن الرابع عشر
18 مايو 2017 19:49
حسونة الطيب (أبوظبي) بينما كانت أوروبا خلال القرن الثالث عشر على أعتاب نمو سريع، حيث التطور المتصاعد في العلوم الرياضية والفكرية والتقنية، شهد القرن الرابع عشر، جملة من الاضطرابات، وتقلص التطلعات، وفقدان الثقة في المؤسسات، والشعور بالوهن أمام قوى تفوق تحكم البشر. وعانت أوروبا خلال القرن الرابع عشر من بطء عام في نمو الإنتاج، طال القطاع الزراعي أولاً، حيث شح إنتاج الحقول الهامشية وتلك المستخدمة للرعي والزراعة، ما أدى إلى هجرها. علاوة على ذلك، سادت القارة تحولات مناخية، أثرت بشدة على إنتاج المحاصيل. كما أن إنتاج الموارد الزراعية لم يرق لمستوى الزيادة في عدد السكان في ذلك الوقت، لتطل المجاعة برأسها مصحوبة بانتشار الأوبئة بين الناس. ويعتقد معظم الناس، بمنْ فيهم المؤرخون، باستمرارية التقدم الاقتصادي والثقافي، وبأن حياة الناس تتحسن من قرن إلى آخر. لكنْ هذا الافتراض، لم يستمر طويلاً عند بدء العصور المظلمة في أعقاب انهيار الإمبراطورية الرومانية. ويسود اتفاق عام على استمرار واستقرار عصر «النهضة» في القرن الحادي عشر في غرب أوروبا، منذ ذلك الوقت وحتى الآن. وبذل مؤرخو الاقتصاد جهوداً كبيرة في إقناع المؤرخين الآخرين، بأن التراجع العلماني الكبير في غرب أوروبا في الفترة بين 1300 إلى منتصف القرن الخامس عشر، سُمي خطأ باسم «الكساد». ومن بين أسباب هذا الكساد، الهيمنة الجديدة التي فرضتها الدولة. وشهدت العصور الوسطى العليا توازناً بين قوة الكنيسة والدولة، مع زيادة نسبية في قوة الكنيسة. لكن اختفى ذلك التوازن في القرن الرابع عشر، حيث طغت هيمنة الدولة، وتلاشت قوة الكنيسة، وفرضت الضرائب واللوائح، إضافة إلى شن الحروب المستمرة، مثل، «حرب المئة عام» من 1337 إلى 1453. ومن أولى الخطوات المهمة والحاسمة التي تؤكد هيمنة الدولة على حساب شل حركة نمو الاقتصاد، تدمير معارض التجارة في مدينة شامبانيا الفرنسية. وإبان العصور الوسطى العليا، كانت هذه المعارض، السوق الرئيسة للتجارة الدولية والمركز المحلي والعالمي للتجارة. وتم تنظيم هذه المعارض بدقة لتكون بمثابة مناطق حرة للتجارة غير خاضعة لفرض الضرائب أو لنظم ولوائح الملوك أو النبلاء الفرنسيين، في حين تقوم بتطبيق العدالة بكفاءة وسرعة، عبر محاكم تجار أو محاكم خاصة تتنافس فيما بينها. وبلغت هذه المعارض ذروتها، خلال القرن الثالث عشر، حيث كانت تعمل كمركز للتجارة الأرضية حول جبال الألب القادمة من شمال إيطاليا محملة ببضائع من مناطق بعيدة. وفي بداية القرن الرابع عشر، لجأ ملك فرنسا فيليب الرابع «1285 – 1314»، لفرض الضرائب والنهب، ليدمر بذلك معارض شامبانيا على الرغم من أهميتها الكبيرة. ولتمويل حروبه الملكية المستمرة، فرض الملك فيليب ضريبة مبيعات باهظة على معارض شامبانيا التجارية. كما عمد إلى تدمير رأس المال والتمويل المحليين، من خلال فرض رسوم مصادرة متكررة، سواء على المجموعات أو المؤسسات الغنية. وفي العام 1308، قام بتدمير نظام ثروة فرسان الهيكل، أقوى التنظيمات العسكرية التي تعتنق الفكر المسيحي الغربي آنذاك، ومصادرة أموالهم لمصلحة الخزينة الملكية. كما اتجه الملك فيليب، لفرض سلسلة من الرسوم الباهظة وعمليات المصادرة على اليهود وسكان الجزء الشمالي من إيطاليا. علاوة على ذلك، وفي حربه مع الفلامنجو، كسر فيليب تقليداً كان متبعاً لفترة طويلة من الوقت بالترحيب بالتجار كافة في المعارض، حيث أصدر أمراً بحظر الفلامنجو. ونتج عن هذه الإجراءات، تراجع مستمر في معارض شامبانيا، وفي الطريق التجاري حول جبال الألب، لتبدأ إثر ذلك المدن الإيطالية في إنشاء طرق تجارية جديدة، لكن من دون فائدة تذكر. ويبدو أن الملك فيليب، هو أول من ابتدع نظام الضريبة الدائمة في فرنسا، حيث لم تكن موجودة قبله. وفي حقبة العصور الوسطى، عندما كان الملك قوياً داخل محيطه، اقتصر ذلك المحيط على قدسية الملكية الخاصة. ويفترض أن يكون الملك، هو الذي يسن القانون، ويحافظ عليه، وينبغي تحصيل عائداته من إيجار الأراضي الملكية والرسوم الإقطاعية. وربما امتلك التجار وأرباب رؤوس الأموال المال في معارض شامبانيا، لكن يأتي المال الأكثر أهمية، من الكنيسة الكاثوليكية. واتجهت الأسر الملكية في فرنسا وبريطانيا، لفرض ضرائب على الكنيسة، ما أدى إلى الاصطدام مع البابا. وقاوم البابا بونيفاس «1294 -1303»، هذا الإجراء بشدة، ومنع الملوك من فرض ضريبة على الكنيسة. وتمثل رد فعل الملك إدوارد، في إنكار العدالة للكنيسة في المحاكم الملكية، بينما كان فيليب عسكرياً أكثر، من خلال حظر تحويل عائدات الكنيسة من فرنسا إلى روما. وبعد موت بونيفاس، نقل فيليب كرسي البابوية من روما إلى فرنسا، ليخضع تعيين البابا له شخصياً، العرف الذي استمر طيلة القرن الرابع عشر لتعود البابوية إلى روما في بداية القرن الخامس عشر. ولم يكتف الملك بذلك، بل اتجه لتأمين المزيد من العائدات، عن طريق خفض قيمة العملات المعدنية بتقليل نسبة الذهب والفضة فيها. لم تكن حروب القرن الرابع عشر، المصدر الرئيس للخراب والدمار، حيث كانت الجيوش محدودة والعداوات متقطعة، بل نتجت هذه عن الضرائب الباهظة والتضخم المالي، والاقتراض من أجل تمويل التجارب الملكية المثيرة والمستمرة. وكانت الزيادة الكبيرة في الضرائب، أكثر الجوانب أهمية في تعطيل حركة الحروب. وتفوق تكلفة الحروب وتعيين أفراد الجيش ودفع رواتبهم والمؤن، وغيرها، المصاريف العادية للتاج الملكي بنحو اثنين إلى أربعة أضعاف. ويضاف إلى ذلك، التكلفة العالية لتقييم الضرائب وتنفيذها، وتكلفة القروض، والعبء الكبير لضريبة الحرب. وانتشرت الضريبة الجديدة، في مناحي النشاطات التجارية والزراعية كافة، التي انعكست سلباً على الكنيسة وعلى مزارع الرهبان الكبيرة، حيث تمتص 40% من أرباح المزارع. وبلغت نسبة الضرائب، أجر شهر على عمال الزراعة، وأجر أسبوع على عمال المدن. وبينما يتم دفع أجور هؤلاء عينياً بدلاً من النقود، يواجهون صعوبة بالغة في تأمين المال لتسديد هذه الضرائب. ومن أنواع الضرائب الجديدة، ضريبة القيمة التي يتم فرضها على الصفقات التجارية كافة، وعلى مشروبات الجملة والتجزئة، ورسوم على تجارة الملح والصوف. ولمحاربة التهرب الضريبي، أنشأت الحكومة أسواق احتكار لبيع الملح في فرنسا ونقاط بيع للصوف الإنجليزي. وتسببت هذه الضرائب، في تقليل كميات المؤن وارتفاع الأسعار، وشل الحركة التجارية للصوف الإنجليزي. كما تعطل الإنتاج والتجارة، بسبب المطالب الكبيرة من قبل الملوك، ما نتج عنه تراجع مريع في الدخل والثروة، بجانب عمليات إفلاس كثيرة وسط المنتجين. وباختصار، عانى المستهلكون من ارتفاع الأسعار غير الحقيقية، والمنتجون من تراجع العائدات. ولم تعد عمليات الاقتراض الحكومي ذات فائدة، بل ينتج عنها عجز مستمر في السداد، ومن ثم خسائر كبيرة وعمليات إفلاس لبنوك القطاع الخاص التي تقرض الحكومة بغير وعي كافٍ. وبينما كان فرض الضرائب، ضرورة أملتها الحروب، أصبحت الضريبة الجديدة، سمة دائمة، ليس بسبب استمرار الحرب لقرن كامل، لكن لأن الدولة ظلت تسعى باستمرار لتعضيد دخلها وقوتها، واقتناص الفرصة لتحويل ضريبة زمن الحرب، لجزء دائم من الإرث الوطني. وتزامن مع التراجع الاقتصادي، تراجع كبير في عدد السكان. لكن ومنذ القرن الحادي عشر، نجم عن النمو الاقتصادي، ارتفاع واضح في عدد سكان غرب أوروبا، من 24 مليوناً في سنة 1000 ميلادية، إلى 54 مليوناً في سنة 1340. وفي غضون ما يزيد على القرن بقليل، من 1340 إلى 1450، انخفض عدد سكان غرب أوروبا من 54 مليوناً، إلى 37 مليون نسمة، بنسبة قدرها 31%. وبدءاً من سنة 1320، كانت هنالك مجاعة كل عشر سنوات، ترتفع على إثرها أسعار المواد الغذائية، حيث صُعب على العديد من الناس الحصول على الغذاء، ليرتفع عدد الموتى، وينخفض عدد المواليد. وعرّض تكرار المجاعات الناس للأوبئة، التي ضربت أوروبا في الفترة بين 1313 إلى 1348، من تيفويد والجذام والإسهال والجدري. ودخل الاقتصاد الأوروبي، في دائرة مفرغة، أدى فيها الجوع والأمراض المزمنة والمنهكة، لتراجع معدلات إنتاج العمال والحبوب، ما نجم عنه ارتفاع أسعار المحاصيل. كما انخفض مستوى المعيشة والتغذية بشدة، ليعاني الأوروبيون من مشكلات صحية جمة. وبرزت خلال أزمة القرن الثالث عشر التي يُشار إليها أحياناً بأزمة القرون الوسطى، 3 أزمات رئيسة تسببت في تغييرات جوهرية في مناحي المجتمع كافة، تمثلت في انهيار التركيبة السكانية، وعدم الاستقرار السياسي، والاضطرابات الدينية. وتعرضت القارة لجملة من المجاعات ومرض الطاعون، بدأت بـ«المجاعة الكبرى» في الفترة بين 1315 إلى 1317، و«الموت الأسود» في سنة 1348 الذي تسبب في خفض عدد السكان بنحو النصف، ثم «العصر الجليدي الصغير»، في الفترة بين نهاية 1200 إلى سنة 1600. وانتشرت الثورات في أوروبا خلال القرون الوسطى والحروب الأهلية بين النبلاء داخل البلد الواحد، مثل «حرب الوردتين»، وحرب «المئة عام» بين بريطانيا وفرنسا وغيرها. التركيبة السكانية شهدت بداية القرن الرابع عشر ارتفاعاً في الكثافة السكانية في أوروبا، بينما تسببت قسوة برودة الطقس في الشتاء، نهاية القرن الثالث عشر، في قلة المحاصيل. وفي شمال القارة، لم تكن الابتكارات التقنية الجديدة مثل المحراث الثقيل، ونظام الثلاثة حقول، بالفاعلية الكافية في نظافة الحقول الجديدة للحصاد. كما عانى الناس من نقص المواد الغذائية والتضخم السريع في الأسعار، حيث النقص في القمح والشعير والكلأ، وبالتالي في أعداد الماشية. ونتج عن هذا الشح سوء في التغذية، أدى إلى تعرض للعدوى وضعف في المناعة. وفي خريف 1314، بدأت الأمطار تهطل بغزارة، لتبدأ سلسلة من سنوات من فصول الشتاء الباردة والممطرة. وتأثرت محاصيل شمال القارة، لتبدأ مجاعة السنوات السبع. وفي الفترة بين 1315 إلى 1317، اندلعت مجاعة عرفت باسم «المجاعة الكبرى»، في شمال وغرب القارة، كانت بمثابة الأسوأ في تاريخها، تراجع عدد السكان على إثرها بنحو 10%. الاضطرابات السياسية والدينية تلاشت وحدة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بعد انفصال الغربيين، بجانب تراجع صفة تبجيل الإمبراطورية الرومانية في أعقاب فترة خلو العرش «1247 -1273»، حيث فقدت الإمبراطورية تماسكها وأصبحت الممالك المنفصلة لمختلف الدول الألمانية، أكثر أهمية من الإمبراطورية العامة نفسها. تداعيات تعددت الآثار التي نجمت عن الاضطرابات التي سادت غرب أوروبا، حيث تمخضت عن الطاعون صدمة عنيفة وشعور باللامبالاة. وبدت قطعان عديدة من المواشي من دون راعٍ لها، ومحاصيل تفتقد من يقوم بحصدها. وفي نهاية المطاف، انغمس العديد من الناجين، في شهواتهم بحثاً عن تخفيف مآسي المرض والاستمتاع بأموال الموتى، في وقت اتسم بنقص حاد في عدد العمال. وكثيراً ما ترتبط معاداة السامية بالاستياء من الاقتراض النقدي، والرغبة في محو الديون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©