الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جلال لقمان «ضد التيار» تقنياً وموضوعياً

جلال لقمان «ضد التيار» تقنياً وموضوعياً
19 مايو 2010 19:53
وجوه وأجساد بتكوينات ذات إمكانات تعبيرية عالية، وقدرات في التشكيل صادمة، ولغة رقمية في التصوير بتقنيات حديثة متعددة، وتنوع في أساليب التشكيل وأدواته يتمثل في التنقل بين التصوير والنحت والتلوين، إضافة إلى المضامين التي تنطوي عليها أعماله، المضامين المرتكزة في الأساس وباختصار على مفهوم الحرية ونقيضها العدواني.. هذه كلها بعض ما يميز تجربة الفنان الإماراتي جلال لقمان، التجربة الممتدة على مدى يزيد على عشرين عاماً في التجريب والبحث والتجديد، حتى كرس الفنان مفردات وعناصر صنعت منظومته الفنية الخاصة.عمر شبانة الفنان جلال لقمان، كما تبدو في معرضه الذي يحمل عنوان «ضد التيار» المقام في “استوديو تشكيل” في دبي، تشكل تجربة متميزة، وربما فريدة، في كل تلك الجوانب المشار إليها، فعلى صعيد التكوينات، يفاجأ المشاهد بالضخامة في التكوين، ليس من حيث حجم اللوحة فقط، وهناك لوحات ليست بتلك الضخامة، بل بضخامة يوحي بها أسلوب العمل وطريقة الفنان في تقديمه ضمن إطار غريب أو غرائبي. وهذه الضخامة تمثل السمة الأولى التي تفاجئ المشاهد وتستوقف بصره قبل الدخول في عالم اللوحة ومضمونها وتفاصيلها. ضخامة تحيل إلى نوع من التحدي وقدر من الرغبة في التعبير عن مطاردة الحرية. وقريباً من هذا ما تذكره لطيفة بنت مكتوم مؤسسة استوديو تشكيل في حديثها عن عمل الفنان في تقديمها للمعرض، فهي تقول: “في الوقت الذي كنا ننظم فيه للمعرض مع جلال، بدأت تظهر أنماط واضحة في عمله، بينما معظم عمله يميل إلى الصور المظلمة الغامضة، كانت هناك أيضاً لمحات إيجابية بالرغم من أن التوتر كان عنصراً أساسياً، وكانت العدوانية واضحة تقريباً في كافة أعماله. إن عمل جلال مستوحى من أحداث يومية في حياته، من الأحلام أو الكوابيس الطويلة التي تلهم الأساليب لخلق الصورة قبل أن يفقدها من ذاكرته”، وتضيف: “جلال هو مثال ساطع على الإبداع الأصيل تماماً. ويبدو شغفه الفني واضحاً وجلياً من الوهلة الأولى التي تلتقي فيها به، ووراء مظهره الخارجي يكمن مزاجه البركاني الذي يثور عندما يُطلب منه إثبات أن أعماله على الدرجة نفسها من الجودة التي تتمتع بها الأشكال التقليدية للفن..”. وفي توصيف عمله، جاء في كتالوج المعرض تحت عنوان “السيرة” أنه “على ضوء سمعة جلال لقمان كواحد من الفنانين الإماراتيين الأكثر استفزازاً وإثارة للتفكير، فإنه يتحدى باستمرار أتباعه من خلال طبيعة الموضوع الذي يختاره والطريقة التي يبدع بها فنه، فهو أول فنان يجمع بين الفن المعدني والفن الرقمي، ومنهجه غير المحدود في إبداعه الفني يتجلى في أسلوبه المزدوج في أعماله الفنية، فهو يستعمل رسوماً رقمية من تسعة برامج حاسوبية مختلفة، قبل دمجها في المعادن الصناعية الملتوية، وهذا ينتج صوراً ثلاثية الأبعاد في الدماغ تتجاوز حدود الإطار مباشرة إلى نفسية المشاهدين. وتتراوح أعمال جلال بين الفن الرقمي المعاصر والنحت القوطي المعتم، مما ينتج رسومات فريدة هي أقرب إلى الاعترافات الروحانية، ويصور أعمق المشاعر الإنسانية”، و”تؤكد أعماله عمق تجربته وثرائها، كي يعتبر واحداً من أهم العاملين في هذا الشكل من أشكال الفن في الإمارات..”. أعمال لقمان في معرضه هذا تعبر خير تعبير عن تجربته في أحدث صورها، ففي هذا المعرض تحضر أشكال التعبير المختلفة والمتعددة، كما تحضر مع كل عمل حكايته ودلالاته ورمزياته التي تظهر في الخطوط والتكوينات على نحو بارز، إذ لكل عمل قصة يرويها المؤلف بأسلوبه الذي يتسم بالقوة والغرابة رغم كل ما يظهر فيه من واقعية شديدة. أكثر ما يشد المشاهد لأعمال المعرض منحوتة برونزية ضخمة (200x 248x155) تحمل عنوان “العملاق الخفي”، عملاق بلا رأس، وبصدر عريض يحمل كل إيحاءات القوة، وبساقين وقدمين تلتصقان بالأرض بثبات، وبيد ممدودة للمشاهد وأخرى مسبلة إلى الأسفل، وكأن في هذه المنحوتة تعبيراً عن الضعف رغم “العملقة” التي تميز جسد هذا الكائن البشري. فالحركة في هذا التمثال تعكس ضعفاً أكثر مما تعكس قوة مفترضة. ويوجه الفنان أعماله في التعبير عن قضايا وهموم تخص الإنسان، فيصور مثلاً آفة الإدمان في أقسى الصور، ففي عمله “مَواطن الإدمان” تبدو جلية آثار هذه الآفة التي تشوه وجه الإنسان وملامحه، فنرى في الصورة وجه شخص بمعالم شائهة وندوب تدمر صورته الطبيعية، وقد لعبت التقنيات الرقمية دوراً مباشراً وكبيراً في إظهار الصورة هنا على هذا النحو الذي أراد الفنان أن يظهره على أقصى قدر من التشويهات، كما لعب اللون البني ودرجاته الغامقة والفاتحة دوراً في ذلك. وفي عمل آخر بعنوان “حامل الرسالة”، ثمة شخص بلا ملامح، ولكنه بجسد يبدو قوياً وبوجه يرتدي قناعاً أو لثاماً، يحمل في يده رسالة مدموغة بالأحمر الدموي، وفي تفاصيل العمل ما يدعو إلى التأمل والتفكير، فمن هو هذا الشخص الغامض الملامح، وماذا يحمل بيده، وأية رسالة ينقل، وممن إلى أين؟ والسؤال الأهم هو: لماذا الإصرار على هذا اللون البني الذي يمنح شعوراً بالقسوة؟ ولو تناولنا عملاً آخر مثل “الابتسامة”، بما يحمله من نية في إظهار قدرة الفنان على اللعب بلوحة دافنشي الشهيرة، الموناليزا، سنكتشف رغبة في التحريف والتشويه، رغم الاحتفاظ بملامح الابتسامة وطيفها الساطع، إلا أن تغييراً بل تشويهاً كبيراً قد جرى عليها، فقد وضعها الفنان في إطار ضخم ينتمي إلى عالم شرقي قديم لا يمت بصلة إلى زمانها ومكانها وهويتها الأصلية. وعلى مستوى مقارب، يبدع الفنان صورة التعامل مع القناع، فيقدم عملاً بعنوان “تحت ألف قناع”، يبدو فيه وجه امرأة حقيقي مقنع، ولكن هذا “البرقع” الذي يتلبس الوجه لا يستطيع إخفاء ملامح الوجه، بل يمنح هذه الملامح بعداً تعبيرياً يجعلها تبث مشاعر غامضة، ثم يحيطها بإطار الشال ذي الأطراف الحمراء، لتزداد الصورة قوة فوق قوة العينين المحدقتين في المشاهد بقوة. ويتتابع عمل الفنان في دمج تقنياته المتطورة وموضوعاته الواقعية، فيقدم تصورات تمزج هذين البعدين، كما تدمج الواقعي والخرافي، فنتلقى عملاً يتجسد فيه كائن خرافي ينفث من فمه ما يسميه الفنان “الكلمات القاتلة” التي تتخذ أشكالاً غير عادية، هي تعبير عما يمكن أن تحمله الكلمات من قدرة على التأثير والأذى، وبعض هذه الشكال يتخذ صورة الوردة أو اليد، ولكنها تحمل روح الشر أيضاً. وفي المقابل، نجد الفنان في لوحة “ترويض الحيوان” يعبر عن قدرة الأنثى التي تحمل الوردة على ترويض حيوان بتكوين أسطوري أو خرافي، حيوان يوحي شكله بالوحشية والقدرة على البطش والأذى، لكن أنثى رقيقة وناعمة التكوين تستطيع السيطرة عليه وترويضه، في تكوين فني يجمع المتناقضين، القوة الظاهرية للحيوان والقوة الحقيقية للأنثى، قوة النعومة وضعف الخشونة والقسوة، تعبيراً في آخر الأمر عن قوة الحب الذي تمثله الأنثى ووردتها. وتكريساً لطبيعة القسوة التي تسم أعمال الفنان جلال لقمان، نتوقف أمام عمله “الألم” الذي يعبر عما هو أقسى من الألم، ففي عمله هذا الذي ينفذه أيضاً باللون البني ودرجاته، ترسيخا لتوجهاته في استخدام هذا اللون، وتوظيفاً لإمكاناته التعبيرية، نقف على كل مشاعر العذاب التي يمكن للإنسان أن يعاني منها ويواجهها، مشاعر تتفجر في وجه تتدفق فيه أشكال التعبير وصوره شديدة القسوة، في الفم والعينين، وفي قبض الأصابع على الوجنتين، وفي قسوة اصطفاق الأسنان، وفي تداخل درجات البني بصورة أساسية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©