الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاختلاف منهج حياة

18 ابريل 2018 00:55
الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين في أمور كثيرة، مِنها التفكير والعادات والطباع واللغة والشكل والاهتمامات، وغيرها الكثير، لا لشيء إلا لنتعارف ونتعاون ونتشارك فيما بيننا، وذلك امتثالاً لقوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير». ولنعلم جميعاً أن اختلاف أنماط الناس إيجابي وتكاملي، وإن اختلاف الألوان يُعطي جمالاً للّوحة. من هذا المنطلق، يجب أن نسعى جميعاً لترسيخ مفهوم الاختلاف، المحمود، وجعله أسلوباً ومنهجاً في حياتنا، لأن مجالات الاختلاف كثيرة ومتعددة، ففي الدين ما يُعرف «بفقه الاختلاف» ومنذ أن أصبحت الرحمة في اختلاف علماء الأمة، فتح باب الاجتهاد فأثيب من أصاب بأجرين، وأثيب من أخطأ بأجر، وذلك يؤكد قبول الفروق الفردية والتعددية والاختلاف، واحترام منزلة العقل البشري. قال الإمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». وإذا أخذنا بهذا المفهوم، فلن يثور أحد على الآخر في رأيه، لأن الخلافات التي تحدث في وجهات النظر، سببها في الأغلب تعصب أطراف الحوار لآرائهم وعدم الاستماع إلى الرأي الآخر، وفي ظل انتشار وسائل الاتصال العابرة للقارات، والتي جعلت العالم يتمثل في هاتف جوال، يفرض علينا قبول التنوع الحضاري والثقافي في عالم «ثقافة الاختلاف». «إذا كانت أفكاري بعيدة عنك فلا ترفضها دعني أقربها لك» حكمة لا يُطلقها إلا المثقف الواعي بأفكار الآخرين. وفي الأدب، يتجلى مصطلح «أدب الاختلاف» وفي العصر الحديث تلاحق هذا المصطلح في كثير من السياقات. إن طبيعة الاختلاف تفرض آدابه، فقد يكون فكرياً، وقد يكون اجتماعياً، وقد يكون علمياً، ولكل واحد من هذه الاختلافات أدبه الخاص به. ويبقى «أدب الاختلاف» غاية الحياة ومبتغاها فهو من يعطيها معناها. فكل ما في الحياة يخضع لمعيار أن يتفق البشر عليه أو يختلفون عليه، خاصة في المجال الفكري. لذلك تبقى ثقافة احترام رأي الآخر، واحدة من أهم أسس التحضر والتعايش، التي تتمتع بها المجتمعات الراقية والمتطورة، والتي تبني حضارة إنسانية وفكرية وثقافية، قبل أن تبني ناطحات السحاب والجسور. ولا بد من تطوير ثقافتنا العربية السائدة من أننا هكذا نشأنا وتربينا. لابد لنا أن نربي أبناءنا وفق هذه الثقافة، وليس من الممكن أن نجعل من أبنائنا نُسخاً طبق الأصل منا، ولا أعتقد أن هذا سينجح، بل سيصبحون نُسخاً مقلدة لا ينتمون لنا ولا للعصر الحالي. والحقيقة أن التراث العربي يحدثنا بغير ذلك، فقد ذكر عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: «ربوا أبناءكم على غير شاكلتكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم.. «أي لابد من تأكيد الاختلاف في النشأة، واحترام اختلاف وجهات نظرهم، حسب مفاهيم ومقتضيات العصر، وألا يكون العقاب والحرمان مصير من يبدي رأياً آخر، أو يُظهر اعتراضاً. ويبقى مبدأ الشفافية الفكرية وثقافة الاختلاف القائمة على احترامي لأفكارك واحترامك لأفكاري هي الأساس، من دون التعصب والانحياز للفكر الآخر. ولننتج فكراً وحواراً بيننا يعيد تشكيل تلك المفاهيم والأفكار المختلفة، دعونا نبدع معا في إنتاج فكر جديد يضاف إلى مفهوم الاختلاف، بحيث يجمعنا تحت مظلة معرفية واحدة، وإنْ استمر الاختلاف بيننا سأبتسم لك، وأصافحك راجياً لك المزيد من الخير والمعرفة، كان الإمام الشافعي، رحمه الله، يقول: «ما ناظرت أحداً إلا وددت أن الله تعالى أجرى الحق على لسانه». فمن دون فهم وقبول الاختلاف الفكري والثقافي، تصبح تلك الأفكار صخباً يفقد قيمته، ويؤدي في النهاية لواحدية القطب والتعصب لرأي مفرد، يقتل الإبداع والتطور والبناء والتنمية. د. محمد الحوسني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©