الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

المعادلة الجمركية.. حفظ الأمن والتجارة الميسرة

29 يونيو 2016 22:05
باتت العملية الجمركية في السنوات الأخيرة، من الناحيتين الأمنية والتجارية، عملية معقدة على مستوى النظرية والتطبيق، في ظل المتغيرات المتسارعة التي طرأت على الساحة الأمنية والسياسية والتجارية، بل والاجتماعية والثقافية العالمية. وكما هو معلوم، فإن العالم يشهد ثورة في مجال المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا كثيفة المعرفة، هذه الثورة عمقت عولمة عناصر الحياة الاقتصادية من حركة السلع ورؤوس الأموال والخدمات واليد العاملة المؤهلة (الأدمغة). وأصبح لهذه الثورة، وبالخصوص في جانبها المعلوماتي، دور محوري في تشكيل النظام الاقتصادي العالمي. وترتب على تلك الثورة عدد من النتائج التي كان لها تأثيرها على منظومة التجارة العالمية برمتها، ومن ثم تأثيرها على العملية الجمركية، ولعل من أبرز هذه النتائج، إحداث ثورة في الإنتاج تمثلت في احتلال المعرفة والمعلومات الأهمية النسبية الأولى في عملية الإنتاج، وظهرت أنماط جديدة لتقسيم العمل، حتى داخل السلعة الواحدة، بحيث يتم توزيع إنتاج الأجزاء المختلفة من السلعة الواحدة على دول العالم المختلفة وفقاً لاعتبارات الكفاءة الاقتصادية، ولا شك أن هذه الأنماط الجديدة في أسواق العمل قد ساهمت في زيادة حركة التجارة العالمية وما ترتب عليها من أعباء إضافية على قطاع الجمارك في العالم. أيضاً، ترتب على العولمة وثورة الاتصال والمعلومات، ثورة في التسويق نتيجة لاتساع رقعة الإنتاج وتضاعف أنماطه، مما دفع إلى تكون التكتلات الاقتصادية والاندماج الاقتصادي والإقليمي، وقيام التحالفات الاستراتيجية بين الشركات المتعددة الجنسيات، مما أدى إلى بروز أنماط جديدة في العمل الجمركي على مستوى العالم. ولم تتوقف آثار العولمة وثورة التكنولوجيا والمعلومات عند هذا الحد، حيث يتمثل أهم أثر لها من الناحية الجمركية في النمو الكبير والمتعاظم للتجارة الدولية والتدفقات المالية من ناحية، وتحرير التجارة الدولية من ناحية أخرى. ويكفي أن التبادل العالمي يسير بوتيرة تتجاوز ثلاثة أضعاف وتيرة الإنتاج العالمي. كما أن الاتجاهات الجديدة للتجارة والاستثمارات العالمية تتميز بالقطبية والتمركز في المناطق الجغرافية العالمية الكبرى. وحتى يتحقق مرادها في فتح الأسواق وزيادة قدراتها التسويقية، لجأت الاقتصادات والتكتلات الكبرى إلى إلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية على الواردات، كما ألغت القيود الكمية على الصادرات والواردات، ووضعت تعريفة جمركية موحدة على الواردات من الدول غير الأعضاء، وأزالت العوائق التي تحد من انتقال العمل ورأس المال. وتزامن مع ذلك تغيرات حادة في مجال الأمن، في ظل تراجع حالة السلم العالمي وزيادة موجات الاضطرابات والنزاعات الجغرافية والعرقية التي سادت أنحاء عدة من العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، مما أدى إلى زيادة وتيرة التهديدات التي تواجهها الدول عبر منافذها البرية والبحرية والجوية. وزاد من حدة تلك التهديدات الأمنية أن من يديرها مؤسسات ومنظمات لها خبرة وباع طويل في إدارة الجريمة المنظمة، والتهريب عبر الحدود وتوجيه الحروب والنزاعات، الأمر الذي يتطلب منا جميعاً إعادة النظر في مفهوم الأمن الجمركي وعناصره وأبعاده ومكوناته وآلياته وحدود التنسيق المحلي والدولي بشأنه وأدوات واستراتيجيات تطبيقه على الوجه الأكمل. هذه التغيرات التجارية والأمنية وضعت إدارات الجمارك العالمية أمام تحديات جسيمة من حيث الكم والنوع على حد سواء، في وقت تسعى فيه إلى تحقيق التوازن بين طرفي المعادلة الجمركية حفظ الأمن والتجارة العادلة الميسرة. في المحور الأمني، حققت دولة الإمارات نجاحاً كبيراً جعل منها نموذجاً يحتذي بين إدارات الجمارك العالمية، فقد سعى قطاع الجمارك في الدولة بجناحيه، الهيئة الاتحادية للجمارك، وإدارات الجمارك المحلية، إلى تعزيز المنظومة الأمنية عبر إدارة المنافذ الجمركية إدارة منسقة ساهمت في تعزيز الأمن من خلال تشديد إجراءات الرقابة والتفتيش ورفع مستوى الكفاءة واليقظة لدى مفتشي الجمارك في المنافذ المختلفة. وسوف تشهد الأيام المقبلة تطورات مهمة في التفتيش والرقابة على المنافذ الجمركية في الدولة من خلال زيادة دور الهيئة الاتحادية للجمارك في هذا المجال تطبيقاً للقانون رقم (8) لسنة 2015 بشأن الهيئة، وذلك عبر توليها مهمة الرقابة والتفتيش الجمركي في بعض المنافذ كمرحلة أولى، بعد أن كان هذا النشاط قاصراً على إدارات الجمارك المحلية. حرصت الهيئة وإدارات الجمارك في الدولة على تبسيط الإجراءات الجمركية واختصار زمن التخليص الجمركي وتحويل العديد من الإجراءات الجمركية إلى إجراءات إلكترونية عبر أنظمة مبتكرة للتخليص الجمركي السابق واللاحق. هذا النجاح الإماراتي في تحقيق التوازن الذي يتميز بالفعالية والكفاءة بين طرفي المعادلة الجمركية جعلها محط أنظار العالم، وليس أدل على ذلك، في المحور الأمني، من إشادة بعثة الخدمة الاستشارية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقريرها عن دولة الإمارات العربية المتحدة، بالمستوى المتقدم الذي حققته الدولة في مراقبة عمليات الاستيراد والتصدير والعبور للسلع الخاضعة للرقابة النووية، ولم يتضمن تقرير دولة الإمارات ملاحظة واحدة في هذا المجال. وفي المحور الجمركي كذلك، شهدت المؤسسات الدولية بكفاءة الإجراءات الجمركية المطبقة في الدولة، وارتقت دولة الإمارات إلى المرتبة الثالثة عالمياً في مؤشر كفاءة الإجراءات الجمركية وفقاً لتقرير التنافسية العالمي لعام 2014 -2015 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. إلا أن هذا النجاح لا يعني انتهاء التحديات، فالدرب ما زال طويلاً والطموحات والآمال أكبر وأكبر. * مفوض الجمارك – رئيس الهيئة الاتحادية للجمارك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©