الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جامع الأنور تعلوه مئذنتان فريدتان وأمَّه المصلون والمحتلون والمسافرون

جامع الأنور تعلوه مئذنتان فريدتان وأمَّه المصلون والمحتلون والمسافرون
8 سبتمبر 2009 00:14
الجامع الحاكمي أو جامع الأنور ثاني أقدم مساجد مدينة القاهرة بعد الأزهر، وبدأ الخليفة الفاطمي العزيز بالله تشييده في رمضان سنة 380هـ (990 م)، وقبل أن يستكمل البناء صليت به الجمعة الثالثة من رمضان عام 381هـ، فلما تولى الخلافة الحاكم بأمر الله أمر باستكمال الجامع في عام 393هـ «1002م»، وعندما ظهر خلل في مئذنتي الجامع أمر الحاكم ببناء قاعدتين هرميتين لتدعيمهما، وفي سنة 403هـ (1013م) اكتمل بناء الجامع وفرش وصليت به الجمعة في الخامس من رمضان سنة 403هـ (1013م). وعرف الجامع أولاً بجامع الخطبة ثم جامع الأنور وأيضاً الجامع الحاكمي ويرجع السبب في تشييده خارج أسوار القاهرة التي بناها جوهر الصقلي إلى امتداد العمران خارج السور الشمالي وازدحام الأزهر بالمصلين والأنشطة الدعوية والتعليمية، فأراد العزيز بالله أن ينقل خطبة الجمعة إلى مسجد فسيح لا تتوفر مساحة له داخل أسوار القاهرة. فلما قام بدر الجمالي في عام 480هـ بإنشاء أسوار جديدة للقاهرة ضم جامع الحاكم بأمر الله داخل الأسوار الشمالية الجديدة. بانيه الفاطمي ومشيد الجامع الذي عرف باسمه هو الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أحد أشهر الشخصيات في تاريخنا الوسيط وأكثرها إثارة للجدل. فهناك من يراه مجنونا شاذا طارد الكلاب في الطرقات ومنع الناس من أكل الملوخية وأمر بأن ينام الرعية في ساعات النهار وأن يعملوا طوال الليل. وعلى النقيض يراه آخرون مثالا للحاكم العادل الذي يسهر على مصالح رعيته وما منعه لأكل الملوخية وأطعمة أخرى وتتبعه أيضا للكلاب بالقتل إلا محاولات لمكافحة بعض الأوبئة أما اضاءته للأسواق ليلا فكان بغرض اعطاء الفرصة للتجار والصناع لامتداد المعايش بعد غروب الشمس ولكنه لم يمنع العمل في ساعات النهار. وطبقا للنظام الذي أقره الحاكم بأمر الله فقد كان الخليفة الفاطمي يحضر خطبة الجمعة الثانية في هذا الجامع بينما يحضر خطبة الجمعة الأولى بالجامع الأزهر والجمعة الثالثة في جامع راشدة بالقرافة أما خطبة الجمعة الأخيرة أو اليتيمة فكان الخليفة يحضرها في جامع عمرو بن العاص بالفسطاط.ونظرا لرغبة الخليفة العزيز بالله في تشييد جامع هائل المساحة لاستيعاب أعداد المصلين المتزايدة مع اتساع عمران العاصمة في اتجاه الشمال فقد كان من الصعوبة الحصول على الأعمدة اللازمة لحمل العقود التي سترتكز عليها أسقف ظلات الصلاة دون اللجوء الى استيرادها من خارج مصر أو اقتلاع سائر الأعمدة الرخامية بالعمائر القديمة بكل أرجاء البلاد. ولذلك لجأ مهندس الجامع الي استخدام الدعامات المبنية بالطوب الأحمر «الأجر» لحمل العقود في الجامع الأنور الذي تبلغ مساحته الاجمالية حوالي 13560 مترا مربعا وهكذا أصبح الجامع الثاني الذي يستخدم هذا الأسلوب البنائي بعد جامع أحمد بن طولون وهو أيضا ثاني المساجد التاريخية بمصر من حيث المساحة بعد الجامع الطولوني. وصف الجامع يحتل الجامع مساحة مستطيلة «120م في 113م» ويتبع في تخطيطه طراز المساجد الجامعة الأولى فبوسطه صحن مكشوف مستطيل الأبعاد «78م في 66م» تحيط به أربع ظلات للصلاة أكبرها وأعمقها ظلة القبلة ونظراً لاتساع مساحته فقد استخدمت الدعامات المبنية بالطوب الأحمر لحمل العقود المدببة التي ترتكز عليها أسقف ظلات الصلاة. وبظلة القبلة خمسة أروقة موازية لجدار القبلة ويتوسط الأروقة مجاز قاطع مرتفع تسير عقوده بشكل عمودي على جدار القبلة وينتهي هذا المجاز بقبة أعلى المحراب كما نجد في طرفي رواق المحراب قبتين صغيرتين بهدف زيادة الإضاءة الطبيعية في الرواق. واستخدام القبة فوق المحراب اقتبس بداية من الجامع الأموي بدمشق وانتقل الى مساجد الشمال الأفريقي والأندلس بينما استخدام القبتين في طرفي رواق القبلة يعود الى جامع عقبة بالقيروان واستخدم الفاطميون في مساجدهم بأفريقية القباب الثلاث ونقلوا هذا الأسلوب الى مساجدهم بمصر وخاصة في الجامع الأزهر وجامع الحاكم بأمر الله. ومحراب جامع الحاكم بأمر الله كان في الأصل مكسوا بالجص الأبيض ثم قام نقيب الأشراف عمر مكرم في القرن التاسع عشر بكسوته بأشرطة من الرخام الملون ضمن أعمال الترميم الواسعة التي قام بها لإعادة الجامع الى سابق عهده. وتحتوي الظلتان الجانبيتان على ثلاثة أروقة في كل منهما وتسير عقود الظلتين بشكل عمودي على جدار القبلة أما الظلة الخلفية فبها رواقان فقط. وللجامع مدخل رئيسي يبرز عن سمت جدار الواجهة الشمالية الغربية بحوالي ستة أمتار وشيد باستخدام الأحجار ويعتبر أقدم الأبواب البارزة في المنشآت الدينية بمصر ويحيط شريط من كتابات كوفية تحمل اسم الخليفة الحاكم بأمر الله بهذا الباب التذكاري. يشتهر الجامع الحاكمي بمئذنتيه الفريدتين، والمئذنة الشمالية منهما تتألف من قاعدة مربعة هي طابقها الأول وتعلوها ثلاثة طوابق أسطوانية مستديرة، أما المئذنة الغربية فتتكون من قاعدة مكعبة يليها طابق مربع ثم خمسة طوابق مثمنة، وهما محاطتان ببدنات مربعة لتدعيم بناء المئذنتين. ازدهار وإهمال مر الجامع الأنور بأطوار من الازدهار والإهمال عبر تاريخه الطويل، بدأت بنقل الخطبة إليه في بداية العصر الأيوبي عندما أغلق صلاح الدين الأيوبي الجامع الأزهر عملا بفتوى الإمام الشافعي بالاكتفاء بجامع واحد للخطبة في المدينة الواحدة وعاش بذلك آخر أيامه وأزهى فترات عمره المديد. وفي عام 702هـ (1302م) تأثر الجامع بزلزال عنيف ضرب القاهرة، فتهدمت أعالي المئذنتين وبعض أسقف وجدران ظلات الصلاة وقام الأمير المملوكي بيبرس الجاشنكير بتجديد الدعامات وأقام سقوف الجامع وطلاه حتى عاد جديداً وأضاف للمئذنتين قمتين جديدتين على طراز نهايات المآذن المملوكية المبكرة والمعروف باسم المبخرة وهي عبارة عن قباب مضلعة. ولكن الجامع تخرب في القرن التاسع الهجري وأخذت قوافل التجارة القادمة من الشام الى القاهرة تستخدمه مناخا لإبلها ومعبرا الى أسواق القاهرة. وخلال العصر العثماني استخدمت ظلة القبلة كمقر للمحكمة الشرعية المعروفة بمحكمة جامع الحاكم بينما تركت بقية ظلات الجامع خرابا ترتع فيه الدواب بل انها صارت لبعض الوقت ساحة للتباري في اطلاق البندق وسواها من ألعاب المقامرة دون رادع. وعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر اتخذت منه إسطبلاً لخيولها ومن مآذنه أبراجاً للمراقبة وكأنها كانت تعيد عن عمد وقصد ما قامت به قوات الاحتلال الصليبي قبيل وصول صلاح الدين الأيوبي الى مصر عبر اتخاذ الجامع مقرا لقواتها من الفرسان بناء على اتفاقها مع الوزير الفاطمي ضرغام وكانت هذه الحادثة سببا لموافقة الخليفة الفاطمي الأخير العاضدلدين الله على طلب النجدة من نورالدين محمود زنكي التي جاءت لمصر وعلى رأسها أسد الدين شيركوه وصلاح الدين الأيوبي. وعقب استيلاء البريطانيين على مصر في عام 1882م بعدة سنوات استخدمت أروقة الصلاة بعد سد بعض عقودها كمخزن مؤقت لتجميع التحف المتناثرة بالمنشآت الدينية التاريخية بالقاهرة وما ان تم تشييد دار الآثار العربية «حاليا متحف الفن الإسلامي» حتى نقلت هذه التحف الأثرية إلى الدار فيما رأت وزارة المعارف استغلال الظلات الجانبية لإقامة مدرسة ابتدائية ظلت تقوم بأنشطتها التعليمية داخل أطلال الجامع حتى منتصف القرن العشرين تقريبا.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©