الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الفلسفة ببساطة» أسئلة وافية وإجابات شافية

«الفلسفة ببساطة» أسئلة وافية وإجابات شافية
8 سبتمبر 2009 00:13
يعد كتاب «الفلسفة ببساطة» لمؤلفه برندان ولسون، والذي نقله إلى العربية آصف ناصر. بمثابة مقدمة للفلسفة، تضم على نقيض معظم المقدمات حجة للنقاش، والحجة هي أن المشكلات التي نحاول حلها في الفلسفة مشتقة غالبا من التغيرات التي تتالت على أفكارنا حول العلّة بدءا من العلل كغايات ومرورا بالعلل كحوافز، ثم إلى الأسباب كروابط، وذلك على امتداد خمسة وعشرين قرنا. ونجد أن ولسون يتناول العديد من القضايا الفلسفية من منظور سببي عبر صفحات الكتاب، فيبدأ بالحديث عن التقدم قائلا «هناك طرحان متناقضان للتقدم العلمي، فبحسب صورة العرف الشائع، يقوم العلماء بجمع المعلومات أولا، ثم يستنبطون نظرية لتفسيرها، ولكن هذا النموذج للمعلومات قد تم تحديده قبلا على يد كارل بوبر( الذي يعرف بفيلسوف العلم). وقامت حجة بوبر على أن العلماء غالبا ما يستنبطون النظرية أولا، وحينئذ فقط ينصرفون إلى البحث عن معلومات وبيانات لاختبارها، وهنا تظهر الإشكالية: هل المعطيات قبل النظرية؟ أم النظرية هي التي تسبق المعطيات؟ قضية العلل يدلف الكاتب إلى قضية العلل، فيناقش مسألتين حول السببية، الأولى: ما هو المعنى الدقيق للقول: إن (س) علة (ص)؟ والثانية: الى أي مدى يكون الاعتماد على الأخذ بالعلل معقولا؟ وهذا يستلزم أن نبين بجلاء معنى كل «المعطيات» أو الشواهد من ناحية، و»النظرية» أو التفسير من ناحية أخرى، فقد كانت قوانين كيبلر في حركة الكواكب نظرية أو تفسيرا بالنسبة الى تيكوبرا، ولكن هذه القوانين نفسها لم تكن إلا معطيات بالنسبة إلى نظرية نيوتن في الجاذبية. ثم يتناول الكاتب مفهوم العلة بقوله: إذا قلنا إن (س) هي علة (ص) فنحن نعني عادة أن (س) قد جعلت (ص) تحدث ونتصور من ذلك أن (س) قد أجبرت (ص) على الحدوث. ولكن هيوم، بحسبما يقول المؤلف يشير الى أننا لا نشاهد هذا الإلزام أبدا، وأننا لا نشاهد في الواقع إلا أن (س) تتبعها (ص) ثم نشاهد بعد حين شيئاً يشبه (س) يتبعه شيء يشبه (ص) وهلم جرا. إن هذه الأمور كلها نشاهدها جلية تماما، ومتفرقة منفصلة عن بعضها كما يقول هيوم. التفكير السببي بما أن هيوم كان تجريبياً بكل معنى الكلمة، فأراد في هذا السياق أن يبين أن كل مفاهيمنا نابعة من تجاربنا الحسية، وهذا أمر مقلق لأنه يعتمد على تصورنا المألوف الذي نتعلق به، وهو في الغالب تصور قاصر ولابد من تغييره. إذا وكما يقول الكاتب: إذا كان هيوم محقا، علينا أن نتوقف عن القول بعد الآن إن (س) قد جعلت (ص) تحدث. ومن العلل ينتقل إلى الاحتمال قائلا: إن المعطيات يمكن أن تؤدي إلى النظرية بطريقة أو بأخرى، ويدعي بوبر -وقد أقنعه تحليل هيوم الرائع والمقلق- بأن المعطيات يمكن أن تبين منطقيا خطأ النظرية ولكنها لا يمكن منطقيا أن تبين صحتها أو حتى كونها محتملة، ويتبع من ذلك أن التفكير السببي (أي حدوث الأشياء تبعا لأسباب معينة)، إذا كان منهجا منطقيا كما نريده جميعا أن يكون، فلابد من أن يكون عمله بابتكار نظريات ومحاولة بيان بطلانها، والمنهج الأساس في العلوم، كما يذهب الى ذلك بوبر نفسه، يبيح لنا أن نقبل بالنظرية ولو كان قبولها على سبيل التجربة، إذا حافظت النظرية على بقائها في وجه المحاولات الكثيرة لدحضها. العقل والجسم في موقع آخر من الكتاب يتحدث ولسون عن الفكرة الحقيقية، بحيث يعمد إلى إثبات الصلة بين السببية والوجود الواقعي، ويحاول الربط بين تصور العلة وتصور الواقع ولا سيما واقع الفكر، فيقول، إن الشيء إذا أمكن أن تؤثر فيه الأشياء الأخرى تأثيرا عليا كما يمكن أن يؤثر فيها بدوره فيكون هذا الشيء عندئذ حقيقيا، أي أن الشيء الحقيقي يجب أن يكون له دور سببي. ويستشهد برأي أرسطو، الذي بين أن «معظم الأشياء تميل بطبيعتها إلى حالة نهائية معينة، وعندما ندرك ما هية هذه الحالة النهائية، نفهم عندئذ أي شيء تكون بأفضل طريقة ممكنة». ثم يسعى الكاتب إلى التحقق من قيام الصلة بين السببية والوجود الحقيقي باتخاذنا حقيقة أفكارنا كحالة اختبارية، فنتبين كيف أن التحول من حالة العلل باعتبارها غايات على العلل باعتبارها دوافع. وهذا بدوره حمل ديكارت على أن يذهب مذهبا جديدا مشوبا بإشكالية عميقة في واقعية العقل، وهو ما يظهر من خلال استعراض المؤلف لمعادلة ديكارت حول ثنائية العقل والجسم، ومحاولة فهم إمكانية وجود علاقات عليّة بين العقل والجسم. الحتمية والحرية ويعرج الكاتب إلى الحديث عن العليّة (السببية) الكونية موضحا أن هناك عواقب مهمة للتحول من العلّة باعتبارها غاية إلى العلّة باعتبارها دافعاً، وهنا يطرح سؤالاً: إذا كان لكل شيء علّة (بالمعنى الآلي الناجم عن الدفع) فهل يمكن اعتبار أي فعل من أفعالنا حرا؟ للإجابة على هذا التساؤل يستعين ولسون بمذهب الحتمية، قائلا «إن المبادئ الجبرية تنتقص كثيرا من حرية الفعل التي يعتقدها كثر». ويتابع حديثه عن الحتمية، لافتا إلى ضرورة التفريق بين الحتمية وبين مسألتين أخريين متناقضتين على السواء لحرية الإنسان، الأولى هي مسألة الجبرية (التسليم بالقضاء والقدر) والأخرى مسألة الإيمان بما هو مكتوب سلفا. ومن الحتمية ينتقل إلى الحديث عن معنى الحرية، موضحا أن «الحرية ليست أساسية لمسؤوليتنا الخلقية فحسب، بل إنها أمر تفترضه مشاعر مختلفة غير المشاعر الخلقية ومنها مشاعر الخيبة والإحباط والأشياء، ومن الناحية الإيجابية مشاعر الثقة بالنفس والأمل والطموح، فهذه كلها وغيرها من المشاعر تفترض بداهة أن يكون لجهودنا التي يمكن لنا بإرادتنا أن نقوم بها أو ندعها أثر مميز». الغايات والفضائل يدلف برندان ولسون إلى استعراض نتيجتين إضافيتين من نتائج العلل باعتبارهما دوافع، الأولى وهي أن الغايات إن لم تكن عللاً فلا يمكن تفسير الأفعال بها، والأخرى أن الفضائل إن لم تُفهم على أنها صراع بين الغايات السامية والمؤثرات العلية للدوافع والشهوات الدنيا، فما هي عندئذ إلا قضية مصالح ذاتية محتسبة. وبقراءة باقي صفحات الكتاب نستطيع أن نفهم وبعمق مبدأ السببية كمبدأ إرشادي ومدخل جديد إلى علم الفلسفة يساعدنا على فهم تاريخ الفلسفة ورؤيته من خلال تسلسل واضح وطبيعي للأحداث عبر الفترات الزمنية المختلفة. وكذلك نكتشف عمق الروابط بين مشاكل العلم والعقل والحقيقة والحرية والمسؤولية والمعرفة واللغة والحقيقة والدين. الصورة: غلاف الكتاب
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©