الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة النقود شاهد على التاريخ والخط العربي

صناعة النقود شاهد على التاريخ والخط العربي
10 يناير 2014 21:00
القاهرة (أحمد الصاوي) - تعتبر عمليات سك النقود المعدنية، من منتجات الفنون التطبيقية، وهي تأتي في دراستها كقاسم مشترك بين فروع من علم التاريخ أهمها تاريخ الفن والتاريخ الاقتصادي، فضلا عن مشاركة أساسية من علم الآثار وأخرى هامشية من الدراسات الحضارية المعنية بتتبع الصناعات المختلفة. وقد احتلت النقود المعدنية مكانتها بين الفنون القديمة بفضل الرسوم والزخارف، التي كانت تحتوي عليها وغالبها إما يشير إلى الحاكم بصورة شخصية أو رمزية أو يحمل معاني دينية كرسوم القديسين أو دور العيادة. أما في الفنون الإسلامية وعلى الرغم من ندرة الصور في العملات الإسلامية فإنها استحقت أن تكون في دراسات الفنون، لما تضمه من خطوط فنية دقيقة تعبر عن تطور الجوانب الزخرفية في الخط العربي. ميدان أساسي إعداد قوالب السك هو الذي منح للنقود المعدنية جدارتها الفنية لما تستلزمه عملية حفر الكلمات من دقة وبشكل مقلوب في حيز صغير من الصلب ومهارة فنية وصناعية. ويعد النقاش أو معد قوالب السك من أهم أصحاب الوظائف بكافة دور السك الإسلامية وتتوارث عائلات بعينها تلك الوظيفة لما يجب أن يتوفر في صاحبها من الأمانة والمهارة. وتعتمد دراسات تطور الخط العربي على العملات كميدان أساسي لعملها لما لتلك النقود من سمات خاصة مثل ارتباط العملات بتواريخ محددة، وثبات المستوى الفني للقائمين على حفر قوالب السك، ناهيك عن أن خاصية الفراغ التي تميز بها فن الزخرفة الإسلامية قد أوجدت بعضا من العناصر الزخرفية لشغل الفراغات بين الأسطر الأفقية للكتابات بوجهي القطع النقدية. ومما يستحق التنويه أن المسلمين لم يدخلوا مجال صناعة النقود إلا من بعد تعريب عبدالملك بن مروان للنقود والاستغناء كليا عن نقاشي النقود السابقة على الإسلام في الأراضي، التي كانت خاضعة قبل الفتوحات للفرس والبيزنطيين. وقبل تعريب عبدالملك للنقود كانت صور معبد النار وأكاسرة الفرس تنقش على الدراهم، مع إضافة بعض الكلمات العربية بينما كانت الفلوس النحاسية والدنانير الذهبية تحمل صوراً لأباطرة الدولة البيزنطية، ولا نظن أن هؤلاء العمال من الفرس والبيزنطيين، قد تم الاستغناء عنهم في المرحلة التي كان عبد الملك يضع فيها نقشا لصورته على الفلوس ثم الدنانير. وأصبحت النقود المعدنية الإسلامية ميداناً واسعاً لاستعراض فن الخط العربي، وما لحق به من تجويد في النسب بين الحروف، وتطور في رسمها وهذا الباب شارك فيه ابتداء المسلمون في صناعة النقود، وما لبثوا أن شغلوا وظائف الصناعة المختلفة من سبك أو صهر للمعادن وطرق أو مد للسبائك وصولاً للترصيع أي إعداد القطع لاستقبال النقوش بالطرق عليها لضمان تماثل السمك وانتهاء بالضرب أو السك، وهو وظيفة يعرف صاحبها في دور السك باسم الضراب، وهو الذي يقوم بضرب القطع المعدنية بقالبي السك في وقت واحد لتظهر نقوشها بشكل عكسي ظاهرة مستقيمة كما يقول ابن خلدون. وظل اليهود يشغلون بعض الوظائف الفنية بدور السك الإسلامية المختلفة بدءا من المغرب بأقصى الغرب الإسلامي وصولا لأواسط آسيا بل وتخوم الصين شرقا ولكن عملهم يكاد يكون محصوراً في تزويد دور السك بالمعادن وفي بعض الأحيان إعداد السبائك المعدنية. ويعزى ذلك إلى أن المسلمين كانوا ينظرون لتجارة المعادن على أنها من أنواع الربا لذلك سمح لليهود بالقيام بذلك الدور وحتى بعد أن دخل بعضهم الإسلام ظلوا يقومون بتوفير المعادن النفيسة من الذهب والفضة لدور السك. الخط الكوفي نرى البدايات الأولى للخط الكوفي البسيط في الدنانير والدراهم الأموية، وكذلك في الإصدارات الأولى للخلافة العباسية حيث تميزت الحروف بالبساطة التامة وخلوها من الطابع الزخرفي، ولكن بدءا من منتصف القرن الثالث الهجري أخذ الخط الكوفي المتقن الأطراف في الظهور على العملات العباسية وكذلك في العملات الفاطمية التي سكت في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري. وكان لظهور الدويلات المستقلة سياسياً عن الخلافة العباسية في أرجاء آسيا أكبر الأثر في تنوع الخطوط الكوفية التي ازدانت بها وخاصة في أطرافها التي زودت برسوم لأوراق نباتية. وظل الخط الكوفي معتبراً ويغرد وحيداً في كافة النقود الإسلامية مع تنوع كبير في أنواعه وخاصة لدى المرابطين والموحدين بالمغرب والأندلس الذين غزوا بنقودهم المجتمعات الأوروبية حتى أصبحت كلمة مرابطي اسم علم على النقود الذهبية الجيدة. ولكن الخط الكوفي بأنواعه المختلفة سرعان ما أزيح عن عرش الخط الرسمي للعملات الإسلامية على يد الأيوبيين الذين أدخلوا في عهد الملك الكامل محمد خط النسخ للمرة الأولى لنقودهم الذهبية والفضية ولما كانت خطوط النسخ قد تطورت وتكاثرت أنواعها بحسب التطور الفني بالأقاليم الإسلامية، فقد أخذت النقود الإسلامية تكتسي بطوابع من الجمال والتأنق الفنيين بفضل أنواع الخط النسخي مثل النسخ والثلث، وأصبح بالإمكان التمييز بمجرد النظر بين الإصدارات النقدية للدول الإسلامية، وبات الفرق واضحاً بين نقود الشرق الآسيوي وخاصة في الهند وبلاد الفرس وممالك الترك وبين نقود الأقاليم العربية. ونرى هذه الفوارق بوضوح بين نقود دولة المماليك بمصر والشام ونقود الممالك الإسلامية بالهند المعاصرة لفترة حكم المماليك وكذلك بين نقود فارس وممالك التركستان الشرقي والغربي. أما نقود اليمن فقد تميزت دوما بطابع فني خاص ولاسيما في عهود بني زياد وبني نجاح حيث أخذت الحروف الكوفية أشكالا تشبه رؤوس عيدان الكبريت مما يجعل قراءة نقوشها أمراً محفوفاً بمخاطر الخطأ. انتكاسة خطيرة تعرضت صناعة النقود المعدنية لانتكاسة خطيرة قبل أن تغزوها الماكينة الحديثة، ثم العملات الورقية عندما تسيدت النقود الأوروبية أسواق التداول النقدي ببلاد الشرق، حتى إنها صارت تدمغ فقط بخاتم يحمل اسم المنطقة التي تتداول بها مثلما نرى في ريالات ماريا تيزا النمساوية المدموغة بما يشير لقبولها في الحجاز ونجد. محطات في تاريخ الدنانير الإسلامية إذا كانت الخلافة العثمانية قد تفردت باستخدام الطغراء لإثبات أسماء الخلفاء على النقود فإن أباطرة المغول بالهند زودوا نقودهم الذهبية المعروفة بالمهر برسوم الأبراج الفلكية للمرة الأولى في تاريخ النقود الإسلامية. ويجب أن نشير لمحطات رئيسة في تاريخ الدنانير الإسلامية أهمها ضغط دوكات البندقية عليها واضطرار المسلمين إلى تغيير وزن الدينار الإسلامي من وزن المثقال «4,25 جرام» إلى وزن الدوكة «3,49 جرام» ولما كان الأشرف بارسباي المملوكي هو أول من قام بذلك فقد عرف الدينار الإسلامي في مصر وفارس والهند وتركيا باسم الأشرفي أو الشريفي لالتزامه بهذا الوزن الجديد فضلا عن أن صناع النقود تأثروا بتقاليد البندقية في خلط الذهب بالنحاس الذي كان يعطي الذهب صلابة أكبر ولونا أكثر إحمرارا مقارنة بالدنانير الإسلامية الأولى التي كانت تتميز بلونها المائل للخضرة نتيجة لخلطها بالفضة. وقد عرفت النقود الإسلامية العديد من الإصدارات النقدية التذكارية في العديد المناسبات وهي غالبا من أوزان ثقيلة من الذهب أو الفضة فضلا عن الميداليات التي كانت تضرب بدور السك ومن أواخرها الميدالية العثمانية التي ضربت بمناسبة افتتاح خط سكة حديد الحجاز.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©