الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مأزق جيران روسيا

19 مايو 2010 00:13
قبل نحو 14 شهراً، حذرتُ في "صفقة كبرى" بين واشنطن وموسكو في إطار جهود إدارة أوباما الرامية لبدء صفحة جديدة من العلاقات مع موسكو. وكان أحد مصادر القلق حينها أن تتبع الإدارة الأميركية سياسة "روسيا أولاً" على حساب جيران روسيا؛ لكن المشكلة على ما يبدو باتت أسوأ بكثير، حيث يبدو أن الإدارة قد انتقلت إلى مقاربة "روسيا فقط" بعد أن أهملت بلداناً أخرى في المنطقة، بل وتخلت عنها. والمثال الصارخ على هذا التوجه يكمن في رسالة أرفقها البيت الأبيض باتفاقية تعاون نووي مع روسيا أعاد رفعها إلى الكونجرس، قال أوباما إن الوضع في جورجيا "ينبغي ألا يظل عائقاً أمام المضي قدماً" في مراجعة الكونجرس للاتفاقية. وكانت إدارة بوش قد وقعت هذه الاتفاقية في مايو 2008 ولكنها سرعان ما سحبتها من الكونجرس بعد ذلك بأربعة أشهر لعلمها بأنها ستُرفض عقب غزو روسيا لجورجيا في أغسطس من ذلك العام. والحال أن القوات الروسية مازالت تحتل منطقتين انفصاليتين من جورجيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وذلك في انتهاك سافر لاتفاقية وقف إطلاق النار بين البلدين؛ كما تقوم بإنشاء قواعد في المنطقتين اللتين تعترف بهما موسكو كدولتين مستقلتين. ولذلك، فإن الوضع يظل متوتراً ومشحونا ويمكن أن ينفجر من جديد. كان الأمر سيبدو مختلفاً لو تمت إعادة رفع الاتفاقية إلى الكونجرس مشفوعة بملاحظة تقول إن واشنطن مازالت لديها خلافات مع موسكو بشأن جورجيا. ولكن بدلاً من ذلك، فإن الإدارة الأميركية، بقولها إن الوضع في جورجيا لم يعد يشكل عائقا أمام الدفع بالعلاقات الروسية – الأميركية، إنما تخلت عن الجورجيين وأعطت روسيا إشارة الضوء الأخضر للاستمرار في سلوكها الاستفزازي على طول حدودها. وإضافة إلى ذلك، فإن اهتمام إدارة أوباما بإعادة إحياء المعاهدة المتعلقة بالقوات المسلحة التقليدية في أوروبا، التي علقت روسيا عضويتها فيها نهاية 2007، يثير قلقاً مماثلًا؛ ذلك أنه على الرغم من الجهود التي قادتها إدارة بوش بين حلفاء "الناتو" وموقعين آخرين على الاتفاقية حتى تأخذ في عين الاعتبار بواعث القلق الروسية، فإن موسكو رفضت التقيد بـ"التزامات اسطنبول"، التي وُقعت في 1999 وتعهدت فيها روسيا بسحب قواتها من جورجيا ومولدوفيا، اللتين لم يمنح أي منهما روسيا موافقة على احتلال أجزاء من أراضيهما؛ ولكن المشكلة ازدادت سوءاً بعد غزو روسيا لجورجيا. ذلك أنه إذا كان لدى موسكو من قبل قاعدة واحدة متبقية للانسحاب منها (جودوتا)، فإنها اليوم تتوفر على عدد أكبر من القوات والأسلحة في جورجيا (كما أنه ليس ثمة أي تحرك من قبل القوات الروسية في مولدوفيا أيضاً). وبالتالي، فالسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل ستقدِم إدارة أوباما على التخلي عن جورجيا ومولدوفيا عبر إسقاط إلحاحها على الانسحاب الروسي من هذين البلدين، وذلك من أجل إزالة المواضيع المثيرة للغضب من أجندتها مع موسكو؟ أم ستقوم بالشيء الصائب والصحيح وتعتبر "موافقة البلد المضيف" مبدأ مقدساً وتستغل الجهود الرامية لإعادة إحياء المعاهدة المتعلقة بالقوات المسلحة التقليدية في أوروبا كآلية لتسهيل انسحاب روسيا في الأخير من جورجيا ومولدوفيا؟ الواقع أنه سبق لأوباما ومسؤولين أميركيين كبارا آخرين أن قالوا في مناسبات عدة إنهم لا يعترفون بـ"منطقة نفوذ" روسية، لكن الأفعال أصدق أنباء من الأقوال. والأفعال تشير إلى أن الإدارة الحالية، عبر إهمالها لبلدان في المنطقة باستثناء روسيا، إنما تتنازل لموسكو عن مثل هذه المنطقة بالضبط. وحسب بعض الإحصاءات، فإن عدد المرات التي تحدث والتقى فيها أوباما مع "صديقه وشريكه" ميدفيديف هو أكبر مقارنة مع أي زعيم آخر. وبالتالي، فحري بأوباما أن يغتنم تلك المناسبات ويوضح أن اعتداء روسيا على جيرانها واحتلالها لهم أمر غير مقبول. كما يجدر به أن يبدأ في كسب "أصدقاء وشركاء" في أماكن أخرى من المنطقة. صحيح أن بعض هؤلاء الزعماء ليسوا من النوع الذي يمكن التفاهم معه بسهولة، مثلما أنهم ليسوا نماذج لاحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن الأمر نفسه ينطبق على ميدفيديف وفلاديمير بوتين. ديفيد كريمر مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأوراسيا بإدارة بوش ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©