الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيراليون... إعادة إدماج «زوجات الأحراش»!

سيراليون... إعادة إدماج «زوجات الأحراش»!
7 سبتمبر 2009 00:41
إنهن يجتمعن كل يوم في متجر صغير قديم على شارع أحد الأحياء السكنية هنا في هذه العاصمة الواقعة في غرب أفريقيا. إنهن بالنسبة لجيرانهن مجرد سبع نسوة يجلسن أمام آلات الخياطة يتعلمن خياطة الملابس والأثواب الأفريقية التقليدية الملونة، وغيرها؛ ولكنهن في الواقع يشتركن في سر دفين. وعن ذلك تقول إحداهن، واسمها كريستيانا جون، وقد اعتلت وجهها نظرة تعب محسوسة: «إنها قصة طويلة... لا يعجبني أن أتذكر معظم الأشياء التي وقعت لي». إن قصتهن ليست سوى واحدة من قصص آلاف الضحايا الكثيرين الذين تركتهم الحرب الأهلية الوحشية التي مزقت سيراليون وراءها. إنهن «زوجات الأحراش»، وهن الفتيات والنساء اللاتي اختُطفن واغتُصبن وأُجبرن على «الزواج» من مقاتلين وحملن منهم. وحتى اليوم، وبعد سبع سنوات على انتهاء الحرب، مازلن منبوذات من قبل عائلاتهن. ويعد درس الخياطة اليومي، الذي لا يبعد عن المحكمة الدولية التي حاكمت وأدانت مجرمي الحرب، أحدَ الجهود النسائية لمساعدة بعض هؤلاء الضحايا على تعلم بعض المهارات -واسترجاع بعض من احترام الذات، إن أمكن. وقد افتتح «معهد الخياطة الصغير» قبل 15 شهراً من قبل القاضية النمساوية «رينيت وينتر» التي ترأس المحكمة الخاصة لسيراليون. والمعهد مع ذلك مشروع شخصي وغير رسمي، حيث جمعت «وينتر» التبرعات من أجل المشروع من الأصدقاء والزملاء السابقين -نساء في وزارتي العدل والخارجية النمساويتين، بمن فيهم وزيرة العدل نفسها. وتقول وينتر إنه: «مشروع نسائي ومن أجل النساء». وبالمثل فإن الآلاف من المقاتلين السابقين من رجال وفتيان تم نزع أسلحتهم وإعادة إدماجهم ضمن المجتمع السيراليوني منذ أن وضعت الحرب أوزارها في 2002؛ ولكن العديد من عشرات الآلاف من النساء اللاتي تأثرن بالحرب لم يكنّ محظوظات مثلهم. وأحد الأسباب يتصل بالثقافة -ذلك أن العائلات والقبائل في سيراليون، مثلما في مناطق كثيرة من أفريقيا، ترفض الترحيب مجدداً بالنساء اللاتي أُجبرن على الزواج بمحاربين. وترفض بشكل خاص قبول الأطفال المولودين من هذه الزيجات. وفي هذا السياق، تقول القاضية «وينتر»، 64 عاماً، وهي متخصصة في عدالة الأحداث والنساء وانضمت إلى المحكمة في 2002 بعد مهمات أممية في رواندا وكوسوفو: «إن النساء هن أول وأكثر الضحايا في هذه الحرب، مثلما وقع في رواندا». وفي 2004، أضافت محكمة سيراليون المدعومة من قبل الأمم لمتحدة «الزواج بالإكراه» إلى الاغتصاب والعبودية الجنسية باعتبارها جنايات يعاقب عليها القانون على غرار الجرائم الأخرى ضد الإنسانية. وكانت أول محكمة في العالم تفصل الزواج بالإكراه وتعتبره تهمة إجرامية حيث أدين بها ثلاثة متهمين استأنفوا الحكم، ولكن استئنافهم ما زال عالقاً. وعلى بعد مسافة قصيرة من المبنى شديد الحراسة الذي يشكل مقراً للمحكمة، وعلى شارع هادئ على نحو نادر في هذه العاصمة التي تعج بالحركة ويسكنها 2.5 مليون نسمة، تجلس هؤلاء النسوة اللاتي دمرتهن الحرب على مقاعد خشبية يدردشن مع بعضهن بعضاً. وهنالك بعض منهن الآن من يشتغلن على آلات خياطة صينية ذات دوّاسة، بينما يقوم بعض آخر بخياطة الأقمصة يدوياً. وفي أول قسم من معهد الخياطة كان ثمة ست نساء فقط، وكذلك اليوم توجد سبع نسوة في القسم الذي انتهى الآن. وقد تعمدت «وينتر» جعله صغيراً: «حتى لا يكون مثيراً للاهتمام لأي شخص قد يأتي ويطلب رشوة... فذاك أمر يحدث كثيراً مع مشاريع أخرى». وعندما تتخرج النساء من البرنامج، تُعرض المنتوجات التي صنعنها وتباع في معرض يقام بالمحكمة الخاصة. وتمنح النساء ثمن المبيعات وآلة خياطة و100 دولار قبل أن يعدن إلى بلداتهن ليبدأن مشاريعهن الخاصة. أما ما لا تتحدث عنه هؤلاء النسوة كثيراً فهو الماضي، لأن خصوصية كل امرأة تُحترم هنا. وفي هذا الإطار، تقول كريستيانا جون، 55 عاماً، ذات الوجه الطفولي: «إننا لا نسأل بعضنا بعضاً بخصوص لماذا نحن هنا». ولكنها خارج الغرفة، ما زالت تتذكر الحرب بتفاصيلها. كان ذلك يوم 8 يناير 1999 وكانت جون في المنزل في بلدة «كيسي» مع أبنائها الأربعة، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 و25 عاماً، وأقارب آخرين. واقتحم نحو 10 جنود منزلها واحتجزوهم جميعاً ليومين، قاموا خلالها باغتصاب النساء وهددوا ببتر أذرع الأطفال. وتضيف قائلة: «لقد جعلونا عبيداً لديهم وأرغمونا على أن نكون زوجات لهم». وخلال الستة أشهر التالية، حاولت «جون» الهرب ولكن قُبض عليها من جديد وضُربت وطُعنت. ومع ذلك، فإنها تقول إنها محظوظة لأنها لم تحمل، وتقول: «لو حبلتُ، لانتحرت». وأخيراً، تمكنت من الفرار والاختباء في الريف لأسبوع قبل أن تذهب إلى فريتاون. وحين سُئلت عما حل بزوجها، قالت والحزن باد على ملامحها: «لقد سمعتُ أنه مات في المعركة». وتنظر «جون» إلى درس الخياطة باعتباره طريقة للقطيعة مع الماضي، وللتوقف عن التفكير في وضعها، ولبدء حياة مهنية -فتح محل خياطة، ربما بتعاون مع بعض من زميلاتها في القسم. إنها طريق جديدة وعمر آخر يكتب لها. سكوت كرافت - سيراليون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©