السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

العالم على طريق التعافي الاقتصادي

العالم على طريق التعافي الاقتصادي
7 سبتمبر 2009 00:29
الأزمات الاقتصادية لا تقع بين ليلة وضحاها، إنها نتاج سنوات بل عقود من التغير الاقتصادي العالمي وأخطاء السياسة وسوء تقييم المستثمر، ولا أحد ينسى أزمة وول ستريت سنة 1929 حين تتراكم توجهات طويلة المدى لتسبب في النهاية فقدان الثقة. وعلى مدى 70 سنة حدث أسوأ ركود وذلك في 15 سبتمبر 2008 حين أعلن مصرف ليمان براذرز الإفلاس وراح المسؤولون عن البنوك في العالم يطرحون أكثر الأسئلة تدميراً لاستقرار العالم المالي: لو سقط بنك معروف جيداً مثل ليمان براذرز، فما هي الجهة في العالم التي في مأمن؟ ثم بدأت المشكلة وبسرعة شديدة بلغت الركود. ومع رفض البنوك الخائفة تقديم القروض اهتز النشاط الاقتصادي العالمي، وتوقفت الحركة التجارية وبدأت المظاهرات والاحتجاجات تنتشر في أنحاء من العالم مثلما حدث في ريكيافيلو بالنظر إلى أن ايسلندا غرقت في الإفلاس، حتى الصين أصيبت بالهلع من القلاقل الجماعية الشاملة حيث سرح الملايين من العمال وأغلقت مصانع التصدير، وإذا شبهنا المسار السياسي بالأحرف الأبجدية راح البعض يتوقع أن يأخذ الركود شكل حرف U أو V أو W وخشي البعض أن يأخذ الاقتصاد العالمي شكل الحرف L (ومعناه عدم التعافي بعد الركود)، فترة مطولة من الركود مع عدم حدوث النمو مثلما وقع في اليابان على مدى 20 عاماً وهذا لم يحدث، وبعد سنة من إفلاس ليمان براذرز ومع اجتماع قيادات شركات السيارات والخبراء لتقييم الموقف فإنه يكاد يكون من المؤكد أن ذلك لن يحدث. من الصحيح أن تظل الأحوال الاقتصادية متدنية. حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي سينكمش بنسبة 1.4% هذا العام ما يعتبر أسوأ أداء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، غير أن خبراء الاقتصاد يشيرون إلى وجود بارقة أمل، ذلك أن اليابان وألمانيا وفرنسا تعافت من الركود في الربع الماضي، وعقب وقفة قصيرة عادت الصين إلى مسار نموها النشط آخذة بيد كثير من آسيا معها. ويقول جوليان جيسوب كبير خبراء الاقتصاد في المؤسسة الاستشارية (كابيتال ايكونوميكس) في لندن: «لقد تم تفادي السيناريو الأسوأ فيما يخص الأزمة الاقتصادية». ويوضح جيم أونيل كبير خبراء الاقتصاد في جولدمان ساس: «نحن خرجنا من الركود عالمياً ولكن حتى إن كنا في طريقنا إلى التعافي فإن ذلك الركود لن يشبه معظم حالات الركود الأخرى حين كانت الأمور تعود طبيعية بعد ركود أو كساد، فالكساد والانكماش له أثر كبير على مستقبل العالم الاقتصادي، فالعالم بعد الكساد الكبير لن يكون العالم الذي عهدناه، ربما غير الركود دور الولايات المتحدة في اقتصاد العالم حيث دأب المستهلك الأميركي لعشرات السنين على كونه المحرك الرئيسي للنمو العالمي، وكانت مخاطر ذلك الاعتماد على مصدر واحد واضحة والآن وقد تمكنت الأزمة المالية من الأميركيين الغارقين في الديون فإن العالم اليوم يبحث عن بدلاء. وان الصين من أجل أن تحول سكانها من مدخرين إلى مستهلكين راحت تنشر مخصصات الدعم لشراء السيارات والأجهزة الكهربية وبذلت الجهود لتكوين شبكة اجتماعية أكثر أمناً، أما في تايوان التي اصيب اقتصادها المعتمد على التصدير بأسوأ إصابة تقوم الحكومة بتشجيع مجالات داخلية جديدة كالسياحة، وقد أعلن الرئيس التايواني مايينج جو «لقد تعلمنا درساً مفيداً وهو أنه يجب علينا تنويع أسواق تصديرنا». وتشير المساعي إلى بشائر النجاح، فآسيا تقود السبيل إلى الخروج من الركود بمساعدة مستهلكيها، وظلت أكبر ثلاث دول المنطقة الصين والهند وأندونيسيا متوازنة طوال الأزمة بسبب الطلب الداخلي في المقام الأول، كما أن القوة الشرائية لأغنياء آسيا الجدد حفزت بداية التعافي في القارة بكاملها، والاستمرار في ذلك التيار أو التوجه أصبح ضمن بنود السياسة الرسمية، فالهند مثلاً أبرمت اتفاقيات تجارة حرة مع كوريا الجنوبية وأنحاء دول جنوب شرق آسيا في شهر أغسطس، وليس من ضرب الخيال أن آسيا في سبيلها إلى أن تصبح كتلة تجارية ذاتية الدفع منفصلة عن الولايات المتحدة، غير أنه ماتزال هناك أسئلة عما ان كان هناك تغير كاف لوضع التعافي على طريق مستدام حقاً. يخشى ستيفن روتش رئيس مورجان ستانلي آسيا أن القلاقل الكبرى التي ساهمت في الأزمة إفراط الدين والعجز التجاري في الولايات المتحدة مع الإفراط في الادخار في بلدان أخرى، لا تزال خطراً على اقتصاد العالم، فالسياسات الرامية إلى دعم النمو مثل مبادرة واشنطن «استبدل القديم بالجديد واكسب» لا يمكنها حل هذه الأزمات إلا بتعزيز أسلوب الاستهلاك الأميركي غير الصحي واعتماد العالم عليه. وحسب روتش فقد أوقفنا النزيف ولكن ليس من الواضح إن كنا عائدين إلى اقتصاد عالمي سليم. ذلك الشك في طبيعة التعافي ينطوي على التحدي الكبير التالي: كيف لمشرعي السياسات تعزيز التعافي الوليد مع تخفيف مخاطر ذلك؟ الطريقة الوحيدة التي تفادى بها العالم ركوداً أشد خطورة أو حتى كساداً كان تدخل الحكومات والبنوك المركزية بشكل غير مسبوق وأسعار الفائدة القريبة من الصفر وإنقاذ البنوك وبرامج التحفيز المالي وفي بعض الأحوال الإنقاذ الصناعي، غير أن مثل هذه الإجراءات الحكومية ان ظلت لفترة أطول من اللازم يمكن أن تؤدي إلى فقاعات أسعار الأصول ومخاطر مربكة أخرى. إن الإفراط في الإسراع بسد الحنفية قد يعيد الركود مرة أخرى كالحرف W، وهذا يجعل من نشر إجراءات التحفيز لعبة لها مخاطرها، فالمعضلة محلولة في الصين ذلك أنه حين يعود النمو فإن النقود السهلة التي ساعدت الاقتصاد ربما تشجع تصعيداً خطيراً لأسعار العقارات مع زيادة العجز التجاري، ولكن أي شائعة بتشديد الإنفاق يؤدي إلى اضطراب شديد في أسهم شنغهاي. لم يشهد اقتصاد العالم تدخلا حكوميا بهذا الثقل منذ عام 1970، وقد أعاد الركود فتح الجدل حول المهام التي يفترض أن تؤديها الدولة والمهام التي يتعين أن تؤديها السوق في ظل اقتصاد عصري وفي اجتماع الدول العشرين المقبل في بنسبيرج بالولايات المتحدة سيكون هناك مناقشات كثيرة حول إصلاح النظام المالي العالمي منعاً من تكرار أزمة أخرى. ولكن قبل أن نقلق بشأن أزمة مقبلة علينا أن ننتهي أولاً من هذه، ربما يكون اقتصاد العالم قد مر بالأسوأ ولكنا لا نزال بعيدين عما كنا عليه قبل الأزمة، فقد سرحت الشركات والمصانع في الولايات المتحدة 6.7 مليون عامل منذ شهر ديسمبر 2007. وسوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتعويض النشاط الاقتصادي الذي ضاع خلال الركود، حسب جيسوب أحد خبراء كابيتال ايكونوميكس، والآن وبعد مرور سنة واحدة على انهيار ليمان أفضل ما يمكن للعالم أن يفعله بصفة جماعية هو التماسك والتعاون الوثيق بين كل من هم على وجه الأرض. (عن مجلة تايم الأميركية)
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©