الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أرض.. عشبكِ يخيط قماشة القلب

أرض.. عشبكِ يخيط قماشة القلب
2 ابريل 2014 20:24
أرض.. أنت المهد والنهد، أنت الوعد والعهد، أنت.. أنت القبلة والمقلة.. أنت شفة تبلل الشغاف برضاب وخضاب، أنت نخلة الحُلم.. أنت النجمة الغافية على خد وقد.. أرض.. نَداكِ نِداء السماء نشيد الطفولة، والوادي السحيق في قلبي، طريق المطر، وأحلام ترعرعت كأنها أعشاب ترفل بالهوى، كأنها شهقة الأنثى ساعة الظفر.. أرض.. بفستان الفرح، تجلجل بخلاخيل النهوض، وتحتسي من نشوة الخلاص، كأساً ونبساً، والحرقة اللذيذة ورطة المنتمين إلى قيم وشيم.. أرض.. فرض ونافلة، وأشواق مُخَّلدة في الثنايا والسجايا، لا شيء يختزل الحزن سوى رائحة الطيب من ثوب تجلل من ترابك. لا شيء يكبر مثل أشجار الغاف إلا ذلك، الهوى المعتَّق ببخور الناعسات الكواعب، وأشياء أُخر تحط عند مرابع القلب، والعصا قامة تهش على جملة الأحداق والأشواق.. أرض.. مثل نحر امرأة جاشت لوعة حين ترامت الدروب معشوشبة بالأسئلة.. أرض مثل عين اغرورقت بدمعة الفرح، حين رفعت المراكب أشرعة المجيء. أرض.. متفشية في اللغة ككل النساء اللواتي غرقن في الحنين، ككل العاشقات اللواتي أمسكن بتلابيب أشواقهن.. مدهشة، كقصيدة مفعمة بالأسئلة، مدهشة كأنثى في نهديها حليب الحياة، مدهشة في المباغتة والأخذ بناصية التعلق.. أرض.. تجيئين جذلى، كلما فتحت المسافات، شفة متوهجة.. أرض.. طالما فتشت عن نهد فلا نهد سوى هضابك المترعة بالحب، وشهوة الانسحاق في رمل وأمل.. أرض.. أريد أن أخبرك قبل الرحيل، قبل الصهيل، قبل إغماضة العين، أنني لست سوى ذرة أو قطرة، لامست وريقاتك فاستقام العود، منتصباً كأنه الصوت الإلهي، في محاريب الأسئلة.. أرض.. مثل الفرح، تنامين في الصدر، وتغسلين القلب بالأمل، تغتسلين طهارة من أوجاع التاريخ من سنابك عاثت وتفشَّت طعوناً في الخلايا والنوايا. أرض.. خرافية كشفة امرأة نادرة، خرافية، كعيني امرأة كحلها أهداب بلا كحل، وبريقها مقلة متبتلة.. أرض.. جل عشاقك يفترسون الطفولة، وينامون قريري العيون ثم يسقطون، جرحى وقتلى، لأنك من سور الأولين.. من أقانيم التاريخ القديم، من أيقونات الغارقين عشقاً ونسقاً، الذاهبين في المعاني، يسطرون النون والقلم، ويسجدون ويقرؤون أحلى الكلم.. فاتحة وخاتمة أرض.. فاتحة وخاتمة، وما بين السطور تاريخ مجلل بسير وسور وصور، ومشاهد لا تقرأ إلا في عيون النساء الراشفات من هوى ونجوى.. أرض.. دخولك، مثل دخول الرواية، مثل دخول الغواية، مثل دخول الصلاة، دخولك، مثل تداخل الجسد والجسد، مثل حبل المدى والأمد، مثل احتشاد المعاني في زمزم الأبد.. أرض.. أحسو هواك كما تحسو الحسان أنخاب الهوى وأمضي في التحديق كأنما أحدق في السماوات بحثاً عن خلاص يوحدني بإله، ويلف مشاعري عند خُصلة هي جل القناعات عندما لا يفرق الحب ما بين التربة والترائب.. أرض.. أحاول أن أرسمك أن أحتويك فوق الورق، فتبدين مثل طائر يغزو مشاعر الألوان ويكتسي بالسماء لوناً فأمزق الورق أمزق نفسي ثم أعيد الكرة، أكون أنا أنت بلون السماء وشكل الوجود المترامي، وبلا نهاية ولا بداية. أرض.. أمشي على أوراق خريف وأروي الشرايين من ربيع انتباهتي، أرتوي، وأشعر أنني قد أسقيتني من ربيعك المستديم، أشعر أنك أطول من كل الفصول.. أرض.. تشربين من فنجان تألقك، تشربين وتشربين، حتى يضوع الكون تألقاً حتى تتفتح أزهار السماء، وتنمو أشجار الفرح في الخليج، تنمو الطفولة ببراعة ويفاعة تنحو عفوية الطيور على خلجانك، فتبدو السواحل، مجلّلة بخلاخيل وأساور، (والدرّ عيون تفتحت على الحياة، مبتهجة بنمارق التاريخ، وسندس وإستبرق). أرض.. أحاول أن استريح من تعبي ككل الخيول المرهقة، لكنني إذ أرخيت اللجام، صال في قلبي وجد قديم.. أحاول أن أهرب منكِ إليّ فلا أجد سواك، الظل والضوء والخل الوفي، أحاول أن أرسم صورة لغيرك غير أنك في الصورة تكونين النجمة، والقيمة، والشيمة، والغيمة.. أرض.. مثل حبّة القمح، كلما بللها الشوق، ترعرعت سنابل من عشق ونسق، وتساوت ما بين السماء، والقلب، وريداً، يقطر بماء الانتماء. أرض.. أنت النِحلة والملة، أنت الطائفة والطواف، أنت شرشف الدفء أنت الاصطفاف، أنت التيار والسوار والأدوار، أنت الحوار الأزلي، والفكرة المبجلة، أنتِ النهار المسور بالشمس، والحس والنبس، وأنت البذرة والدورة الدموية، في شرايين الفصول، أنت الأصول، وما جاش في أفئدة الفلاسفة والقديسين. أرض.. أنت الصرخة المجلجلة، والقبلة المبجلة، أنت.. أنت الشفة المبللة، بأحلام الصبا، وما جال وصال، في أفق المراحل. أرض.. في مقولة المسيح بن مريم، الخلاص، والاستخلاص، أنت المناص، وأنت الصليب على عنق زجاجة القلب. أرض.. ليس سواك مهجة وبهجة، وموجة تغسل شطآن الهوى، ببياض الهدير، وتحتسي من شفة المحار، نخب الحياة. أرض.. يزخر بحر الخليج في حبك، أزهاراً وثماراً، وتمتلئ السواحل، بالرونق المتألق، شيمة السهول اليانعة، أمتلئ أنا بالأسئلة وبما جادت به قريحة، التاريخ من نعيم المراحل المدللة. أصل الأشياء أرض.. تحاصرني شمسك، تطوقني بخيوط الذهب، وتكتب على جبيني، هذا طفل صحراوي، منثور في الجهات الأربع.. أرض.. أقف عند ناصية الشارع، أدخل مثل السيف من نافذة الحلم، أتوارى في البريق، ولا أخفي في جيبي غير أشواق وأحداق ما ملت التحديق، كونك الزهرة التي عطّرت ثيابي، والقطرة التي بللت شفتي، والنبرة التي أطلقت لساني.. أرض.. مثل الوحي، أغدق فيَّ الوعي، ومنحني لغة الكلام، وأسرى بالقلب نحو غايات ورايات، وما عرج إلا إلى سلام النفس والنفيس.. أرض.. مثل نخلة في حبها صارت قاماتنا أعلى، وابتساماتنا أحلى والرغبة في الحياة أشهى لأنك أعدت صياغة التاريخ والحضارات، قبل بابل، قبل الإغريق.. أرض.. جدير بك أن تكوني مثل السماء نصوعاً، مثل النجوم نصوعاً، مثل القصيدة يفوعاً.. أرض جدير بك أن ألا يكون حبك كسائر الوجد والهيام، لأنك سيدتي، عندما تذكرين، تطيب كل الأوسمة، والنجوم، وتغيب الأوصاف والنعوت، لأنك سيدتي من نسق الجلالة تتجلين سموّاً وشأناً، وشجناً، لأنك سيدتي لا تشبهين إلا نفسك، لا يساويك إلا أنت لا يضاهيك سواك. أرض.. هذه صحراء تسطع كقنديل سماوي، يرسم صورة الأزل، ويختزل الكرة الأرضية، في مكان غير الأمكنة مكان اسمه الإمارات.. أرض.. يعلمني حبك ما لم يخطر على بال العشاق، والفلاسفة، والكهان، والأنبياء، يعلمني حبك كيف تكون للحب أشجار وأزهار، وثمار، وبحار، وأنهار. وكيف يتغلغل في روحي كعهد قديم وجديد، وآيات تحشد جل مراميها في قلبي. أرض.. أعرف أنك في التاريخ تضاريس وأحداث، أعرف أنك في قلبي، شريان ووريد، وأعرف أني لولاك لما كان لوجودي وجود.. أرض.. كمئذنة والمحراب هذا القلب وصوت الداخل أذان يحيي على صلاة وفلاح، وقائمة العشاق ترنو إليك، كما ترنو امرأة عاشقة إلى أجمل قصيدة. أرض.. من حكم البداهة أن تكوني مسقط الحلم، ونقطة الماء التي نزحت على جبيني، حين كنت أغسل وجهي بالعرق، وأحلي الجسد، بحفنة من دموع الآبار الناشفة. أرض.. أستيقظ الآن، كما يصحو طفل، فيرى الشمس تهدهد رموشه فينهض يستطلع الزمن، والتاريخ يتأبّط دفاتره ويسجل عن صحوة عن يقظة عن نفرة جسدت بلوغ الكائنات مبلغ الوعي. أرض.. أستيقظ وأعيد ترتيل سورة الفلق، وأعلق على زند المرحلة، رقية أطرد فيها إحساساً بأحلام طفولة بترت أذرعها، وسيقانها.. كانت مثل مقعد بعد شيخوخة. أرض.. رسالة أخيرة.. ثوبك الأبيض وأظفارك المطليّة بالأمل، وعيونك المكحلة بأشعة الشمس.. هي كل ذلك الزمن الخارج من جلباب أزمنة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©