بشرنا الدوري الإنجليزي الممتاز بموسم استثنائي، الاستثناء فيه ليس أن يخطف التاج فريق مغمور على غرار ما فعل ليستر سيتي الموسم الماضي، ولكن الاستثناء الجميل فيه، هو أن نكون أمام محاكاة ساخنة ومثيرة لأساليب اللعب، بين التيكي تاكا المنقحة والكاتيناتشيو المقنع والواقعية المبرمجة، وكلها رسوم تكتيكية جاءت إلى إنجلترا محملة في حقائب بيب جوارديولا وكلوب ورانييري وأنطونيو كونتي.
أذكر أنني قلت معلقاً في بداية الموسم، على توافد هؤلاء الفلاسفة وصناع الفرجة على الدوري الإنجليزي، برهان تغيير الملامح التكتيكية للكرة الإنجليزية، إننا سنكون أمام نزالات شطرنجية تتبارى فيه فلسفات اللعب بشكل مفتوح، لا تقبح الوجه الجمالي للاحتفاليات الإنجليزية ولكنها تحصنها وتمنع عنها الشطط، وأبداً لم يخب الظن لأن ما شاهدناه على طول الموسم كان إبداعاً يفوق الوصف، صحيح أن الأندية الإنجليزية لم تتمثل هذا الفيض التكتيكي بشكل يسمع لها صوتاً في أمجد الكؤوس الأوروبية، إلا أن ما شاهدناه يوحي فعلاً بأن تعرية كبيرة تحدث اليوم في أنماط اللعب وفي فكر اللاعبين وفي ثقافة الكرة الانجليزية التي تقدس الفرجة.
وكنموذج لهذه التعرية، نادي تشيلسي الذي ما استعاد لقب الدوري الإنجليزي، من نادي ليستر سيتي، إلا لأنه كان صورة طبق الأصل من فكر مدرب ثوري، ما جاء لإنجلترا إلا لأنه كان مقتنعاً بنجاحه، برغم ما يظهر في تضاريس وبيئة الدوري الإنجليزي من نتوءات ومنعرجات وعقليات يصعب تغييرها بضغطة زر.
أبداً لم يحتج كونتي الذي قاد السيدة العجوز لثلاثة ألقاب متتالية للكالتشيو، إلى كثير من الوقت لينزل منظومة اللعب التي حملها في جرابه، فبعد فسحة زمنية تطلبها ترويض المنظومة وكلفت ما كلفت من نقاط، حول البلوز مع كونتي إلى كاسحة تجرف الخصوم والأرقام باعتماد شاكلة 3-4-3، التي تخلق التوازن المطلوب بين المنظومة الدفاعية والمنظومة الهجومية، ولو نحن ربطنا هذا التفوق النوعي لتشيلسي بفلسفة اللعب فقط، لظلمنا جوانب كثيرة اشتغل عليها كونتي، ما يتعلق بالجانب النفسي والعاطفي على وجه الخصوص، فهذا الفريق تشعر به شامخاً لا تهزه الرياح، عاتياً لا توقفه تيارات الهواء وصقراً جارحاً لا يخطئ الطريق لاصطياد الفرائس.
ويستطيع محبو البلوز المتيمون أو المستيقظون من غفوة عابرة، أن يشهدوا كم كان جميلاً هذا اللقب السادس الذي أدخله كونتي لخزانة تشيلسي، بمعية لاعبين منضبطين وواقعيين ومستأنسين بفكر وفلسفة مدربهم، والأمل كبير أن يكون لهذا الإبداع الإيطالي صداه في الكرة الإنجليزية، فيحث مدارس أخرى على أن تأتي بما هو أجمل.
عدد اليوم
