الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبوظبي.. أسئلة الثقافة المستقبلية

أبوظبي.. أسئلة الثقافة المستقبلية
2 ابريل 2014 20:20
على نحو ملحوظ أكثر من غيره في الإمارات، يرتبط الفعل الثقافي في أبوظبي بالمؤسسة التي تتبع الحكومة بأكثر مما يبدو عليه الأمر في إمارات أخرى داخل الدولة. أيضاً ارتبطت مبادرة المثقف، ربما لهذا السبب مثلما لغيره أيضاً، بالمؤسسة ذاتها. من هنا، استطاعت المؤسسة أن تستوعب في هيكليتها المثقف بكل تكوينه المعرفي والإنساني والشخصي، وتستفيد من هذا التكوين على غير صعيد. ووفقاً لصيغة هيّنة تحفظ للمثقف رأيه وموقفه الشخصيين من الفعل الثقافي والمؤسسة الثقافية ذاتها معاً، مارس المثقف في أبوظبي نشاطه كاتباً ومعلقاً وفاعلاً في الأنشطة الثقافية، وكذلك وصل إلى موقع اتخاذ القرار في داخلها تقريباً في الشأن الثقافي العام إجمالاً. من هنا، استطاعت المؤسسة استيعاب عدد لا بأس به من المثقفين الإماراتيين، وتركت لهم حرية الإنتاج المعرفي دون تدخل منها، بل بتشجيع ودعم. جهاد هديب ـ فاطمة عطفة واحدة من أهم المراحل التي شهدت غزارة إنتاج في الشعر والبحث في التراث والكتابة الصحفية لدى الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني، كانت عندما استقر في دار الكتب الوطنية، بما وفرته له من مناخ إيجابي للعمل. وذلك على سبيل المثال لا الحصر. بناءً عليه، ترى، في ضوء ما تنجزه أبوظبي على الصعيد الثقافي، ما هو تصوركم لمستقبل الثقافة فيها؟ وذلك بالطبع من وجهة نظر المثقف ذاته الذي يعمل في المؤسسة الثقافية في أبوظبي، بهذا السؤال توجه «الاتحاد الثقافي» إلى العديد من المثقفين دون أن يستثني أياً من المؤسسات الثقافية أو المعنية بالثقافة في أبوظبي، وهنا إجابات من تجاوبوا. الثقافة في صلب التنمية هدى الخميس كانو (مؤسِّسة مهرجان أبوظبي) تقول: يسعدني أن أشير إلى أننا محظوظون بوجودنا في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وهي تبرز كحاضنة عالمية للثقافات، ووجهة تستقطب المبدعين من كل أرجاء العالم، ومنارة لقاء حضاري وثقافي، وانفتاح معرفي وفكري، جاذبة جميع أنماط الإبداع في الفنون والثقافة والآداب والعلوم والتقنية. مما لا شك فيه أن الساحة الثقافية في أبوظبي تشهد زخماً كبيراً يتوازى وأهمية الإمارة اقتصادياً، فقد أصبحت أبوظبي منارة ثقافية تشع على العالم بأسره، وتقام فيها كل عام العديد من المهرجانات الثقافية الكبرى، مثل مهرجان أبوظبي، ومهرجان الصقارة في العين، مهرجان ليوا للرطب، وهي مهرجانات لها صيت عالمي، بالإضافة إلى المشاريع الثقافية المميزة والمتاحف التي ستحتضنها جزيرة السعديات. وليس مستغرباً الازدهار الذي يشهده المشهد الثقافي في أبوظبي والإمارات، وهو غرس يدي المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة، ونتاج رعاية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وقطاف مبارك لتوجيهات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، راعي التعليم وداعم الفنون. إن دولة الإمارات العربية المتحدة منفتحة على العالم كله، إذ يعيش على أرضها فوق مئتي جنسية بتنوع تجاربها الثقافية والحضارية. ولهذا تتعاطى مع الثقافة كجسر مهم للتواصل الحضاري بين الشعوب ومختلف الثقافات. الثقافة، بأبعادها الفكرية والاقتصادية، جزء أساسي من المشروع التنموي العملاق الذي تتبناه أبوظبي، إذ يسهم الحراك الثقافي في التنمية الاقتصادية ليس فقط عبر الجذب السياحي المرافق للفعاليات الثقافية، ولكن من خلال خلق فرص وظيفية مهمة للعشرات من أبناء وبنات الإمارات. إن المدن الحية تضع الثقافة في صميم خططها التنموية لأن الثقافة جزء مهم من منظومة التنمية الشاملة، وهكذا حرصت أبوظبي على دعم مبادرات ثقافية حيوية تقام على مدار العام. وما دعم القيادة الرشيدة للمشاريع الثقافية لمجموعة أبوظبي للثقافة والفنون سوى دليل على توجه أبوظبي ورؤية قيادتها في نظرتها الحكيمة لأهمية تفاعل الفنون والثقافة مع بقية المنجزات الحضارية في الإمارة. أما حول مستقبل الثقافة في أبوظبي، فقد بدأت الدولة بالإعداد له من الآن عن طريق تمكين جيل الشباب والأجيال الناشئة، من خلال مبادرة التعليم الذكي، ومبادرات أخرى تحتضن آمالهم وتطلعاتهم، وتعدّهم خير إعداد لمستقبل غني بالإنجازات. استراتيجية واضحة وفعل ثقافي الشاعر والباحث سلطان العميمي، مدير أكاديمية الشعر، يقول: تتميز إمارة أبوظبي بتعدد المؤسسات والجهات الثقافية فيها من جهة، وزخم الفعاليات والأنشطة التي تنتجها هذه المؤسسات، وهو تميز له دلالاته الصحية في بناء المشهد الثقافي وتطوره في الإمارة بشكل خاص، وفي الدولة بشكل عام، وبحسب ما تم رصده من حركة ثقافية شهدتها الإمارة خلال السنوات الثماني الماضية، يمكن القول إن ما تم إنجازه حتى الآن لم يكن إلا نتيجة جهود مدروسة وخطط كان قد تم الإعلان عنها مسبقاً، وتنفيذها بصورة ناجحة. أما تصور مستقبل الثقافة في الإمارة، فأرى أنه مبشر على أكثر صعيد، أولها على صعيد بناء الإنسان من حيث وعيه ومداركه وثقافته، وثانيها على صعيد تفاعله مع مختلف الأنشطة والفعاليات وحضورها، وثالثها على صعيد استمرارية الحراك الثقافي - بمختلف أوجهه - في الحياة اليومية لسكان الإمارة، على مدار السنة. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن إنجازات إمارة أبوظبي على الصعيد الثقافي تتميز بمرونتها المتكيفة مع مختلف التغييرات الحضارية التي تطرأ على حياة أفراد المجتمع وطريقة تفكيرهم. وقد نجحت المؤسسات الثقافية في إمارة أبوظبي في لفت انتباه العالم لما يدور في أرضها من فعاليات ثقافية، منها على سبيل المثال مسابقتا شاعر المليون وأمير الشعراء، اللتان حظيتا بحضور وتغطية لكبريات الوسائل الإعلامية في العالم، تلفزيونياً وإذاعياً وصحفياً، وعبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ووسائطه. كما أن معرض الكتاب في الإمارة، يشكل تظاهرة ثقافية عالمية كبيرة سنوياً. وتحتل حركتا النشر والتأليف في الإمارة حيزاً كبيراً من مساحة ما ينشر في الدولة وخارج الدولة. ومن الواضح أن كل هذه الإنجازات جاءت نتيجة استراتيجية ثقافية واضحة يستند إليها الفعل الثقافي فيها. آثار الحراك العربي الدكتور راشد المزروعي، مدير مركز زايد للدراسات والبحوث، يقول: لا يختلف المشهد الثقافي في مدينة أبوظبي عن المشهد الثقافي الإماراتي العام، وعن المشهد الثقافي العربي بصفة عامة، لا جدال في ذلك، ما دامت الأسباب واضحة، فهناك أسباب داخلية وخارجية تؤثر على هذا المشهد، ويأتي في مقدمة ذلك البرود الثقافي المحلي وعدم تفاعل الجمهور مع ما تقدمه المؤسسات الثقافية، سواء الرسمية أو الخاصة في المجال الثقافي والتراثي. ونلاحظ ذلك من خلال الاكتفاء بما هو موجود وعدم التطلع إلى شيء جديد، فالجمهور أصابه الملل من تلك المحاضرات المكررة وتلك الأمسيات المتشابهة، وتلك الندوات القليلة القديمة المتجددة، وتلك البرامج التي أصبحت مستهلكة، كل ذلك أثر على المتلقِّي الذي لم يحصل على ما يريده من جديد. هذا بالنسبة للأسباب الداخلية، أما بالنسبة للأسباب الخارجية، فأعتقد أن السبب الوجيه في ذلك هو تردّي الوضع العربي عامة، وسيطرة آثار الحراك السياسي العربي على المثقفين، فأصبح هو الشغل الشاغل لجميع الناس على مختلف مستوياتهم، فبدلاً من التفكير في الثقافة ونشرها، وتفعيل الأدوار الثقافية والتراثية، أصبح الهمّ الأول لتلك المؤسسات الانتظار لما سيحدث في المستقبل من تغييرات في التوجهات السياسية، التي ستؤثر بالتالي على المشهد الثقافي المستقبلي على المستويين العربي والإقليمي بشكل عام، وأصبح التوتر سمة هذه السنوات، وأصبح الجمهور منشغلاً بالمحافظة على لقمة عيشه، وتركيز تفكيره على وطنه خاصة الإخوة الوافدين العرب الذين يعتمد عليهم المشهد الثقافي كثيراً، فأصبح همهم وطنهم وحياة أهلهم هناك. ونحن كمثقفين بإمكاننا تفعيل هذا المشهد الثقافي من جديد وإحيائه عبر التعاون مع المؤسسات الثقافية والتراثية المختلفة بالدولة من جديد. المؤسسة.. المثقف.. الدور الشاعر حبيب الصايغ، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، يقول: إن أي عمل ثقافي يستدعي من القائمين عليه أن يتم تأسيسه على انشغالين متوازيين: يومي واستراتيجي. وهنا، بالنسبة إلى أبوظبي، نرى أن الاستراتيجي متحقق أكثر على الأرض متمثلاً في عدد من المؤسسات الراسخة كالمتاحف الكبرى التي تصنع مناخاً ثقافياً يشير إلى التوجّه الثقافي للإمارات وبالتالي لأبوظبي، بحسب ما جاء عليه هذا التوجّه في كلمات عديدة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وخطاب الدولة التي تتعامل مع التنمية الثقافية باعتبارها جزءاً أصيلاً من التنمية الشاملة وليس عملاً مكملاً تجميلياً أو ترفيهياً. بالتالي فأولئك الذين نظروا، أو ينظرون، بأن تمويل أي عمل ثقافي يذهب أدراج الرياح قد أخطأوا لأن الثقافة في الأمم الحية هي فعل تراكمي وتُنتظر نتائجه مستقبلياً وليس آنياً. إن العمل الثقافي في هذا العصر، حيث تنتشر أفكار الإرهاب والتطرف وتتجسد في أعمال إرهابية هنا وهناك، تجعلنا نواجه أنفسنا بسؤال من نوع: كيف نواجه هؤلاء بأفكارهم دون اهتمام بالثقافة؛ دون اهتمام بتراثنا المادي والمعنوي. حقيقة الأمر على هذا الصعيد أن الذي لا يُنتج في الثقافة ليس بوسعه أن ينتج في أي مجال آخر. المساران متوازيان. أما على صعيد الانشغال اليومي: فلا نجد أنفسنا أمام عمل ثقافي واضح في أبوظبي. ودعني أتساءل هنا: ماذا بعد المجمع الثقافي؟ إلى متى سيبقى هذا المجمع لا يعمل؟ ومن الذي يتحمل المسؤولية عن ذلك؟ لقد أسعدنا جداً تصريح الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة مؤخراً حول المجمع وخضوعه للصيانة، وأثمّن عالياً جهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك في هذا المجال ونتمنى أن تعود الحياة قريباً للمجمع. بعودة المجمع إلى ممارسة الفعل الثقافي، فإن الحياة تعود إلى قلب العاصمة؛ فثمة معنى آخر إذ تضفي أبوظبي على مشهد ناطحات السحاب مكاناً أصيلاً لممارسة الفعل الثقافي. وبهذه المناسبة، أدعو إلى المزيد من الاهتمام بالشباب، علينا جميعاً بالاشتغال على ثقافة المواطن. أتساءل: لقد أصدرت وزارة الثقافة والإعلام الكثير من الإصدارات، مثلما أصدرت غيرها الكثير من الكتب، فلماذا تبقى في الأرشيف ولا يُستفاد من نشرها إلكترونياً. وليس خطأً أن يُستفاد من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، فتكون هناك هيئة مشتركة بين المؤسسات الثقافية تنسق في ما بينها الفعاليات الثقافية التي تعمل للهدف نفسه، فنخفف على الجميع: الصحافة العاملة في هذا المجال، ونحافظ على جمهور يأتي لفعالية واحدة تناقش أمراً واحداً دون اضطرار لبعثرة الجمهور في أكثر من مكان. برأيي، هذه أفكار مهمة. إذ إن لدينا مجلساً للاقتصاد في أبوظبي، فلماذا لا يكون لدينا مجلس للثقافة أيضاً، لأن أبوظبي هي الوعد الأكيد في مستقبل الثقافة لسعة الإمكانات المادية وتنوع البنى التحتية ولمقدرتها على مجابهة ما أورثه للمنطقة العربية برمتها الربيع العربي من حصاد مرّ جعل من أبوظبي مقبلة ومن عواصم أخرى مدبرة، وهي عواصم كانت تاريخية وحضورها مؤثر في الثقافة العربية. في نهاية العام المقبل، ستشهد أبوظبي انعقاد المؤتمر العام للاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب، ونطمع أن تكون أبوظبي مقراً دائماً لأمانته العامة، حيث ترى الاتحادات والروابط والأسر وسائر التشكيلات الاجتماعية الخاصة بالكتاب العرب في أبوظبي مقدرةً على القيام بذلك، وهذه حقيقة، إنما ينبغي الإيمان بها هنا، بحيث يتم تكريس هذا الحضور العربي لأبوظبي عبر الوعي بأهميته وبأن تمويله لا يذهب أدراج الرياح مثلما يروّج البعض لذلك. يأتي ذلك كله في إطار من الأهمية بالنسبة لأبوظبي التي تطور وتشجع المنظومة القيمية للثقافة؛ لأنها الأقرب إلى الثقافة بمعناها الواسع، وتاريخ الإمارات يشهد على ذلك، وتراثها وكل ما فيها من عناصر تدخل في تكوين ما هو ثقافي. من هنا، فإن الثقافة ليست مجرد أمسية أو ندوة، بل هي استراتيجيات تستهدف أفراداً ومجتمعات عبر تنمية مستدامة. أخيرا، أود أن أشير إلى أنه عندما تكون هناك قمة عربية أو خليجية، لماذا لا تناقش مؤسسة ثقافية هذه القمة في بعض جوانبها، ولماذا يبقى المثقف مهمشاً بإزائها، ولماذا لا يأخذ المثقف دوره؟ لا يتحدد دور المثقف في أن يكتب قصيدة حب فقط على أهمية ذلك، بل إن له دائماً وجهة نظره في ما يجري حوله من أحداث في بيئته ومحيطه. الهوية والمعيار الثقافي منصور سعيد المنصوري، مدير إدارة الشؤون الثقافية في مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، يقول: الثقافة بإطارها الواسع، تبنيها محددات كثيرة لدى الشعوب، وعلى معايير الثقافة تحدد مخرجاتها ومدخلاتها، ما تقبله وما لا تقبله، وبما أن مجتمع الإمارات مجتمع عربي إسلامي فلا يخلو الوعاء الثقافي في منظومة المجتمع من معايير ترتبط بعادات وتقاليد المجتمع العربي ومعايير أخرى تخرج من معيار الدين الإسلامي الحنيف، ومن هنا ينطلق ذلك الوعاء الذي يحدد السلوك وأنماط التفكير من قبول شيء ما ورفض شيء آخر، وعلى تلك المعايير المحددة لذلك الإطار الثقافي فإن مجتمع الإمارات تحدد مواقفه وسلوكه في قضايا إقليمه العربي وعالمه الإسلامي. وللثقافة بعد محلي تحدده معايير العادات والتقاليد والتاريخ والدين والمكان، ومن هنا تحديداً تجد ما يفسر عادة معينة أو سلوكاً معيناً في المجتمع. لقد استطاعت أبوظبي أن تنجز الكثير من المشاريع الثقافية التي عززت الوعاء الثقافي ومنها على سبيل المثال «احتفالية قصر الحصن»، التي تركز على البعد المكاني والتاريخي لوجود المجتمع وتكوينه، وقد نجحت أبوظبي في هذا الجانب من جهة تعزيز الهوية الوطنية. «معارض الكتب»، التي تقيمها أبوظبي كل سنة، عززت من توسيع إطار المجتمع الثقافي من خلال الانفتاح وزيادة معرفة المجتمع بالمجتمعات الأخرى. أما بخصوص استراتيجية تأطير الثقافة في أي مجتمع، فهي ترتكز في المقام الأول على البيت والمدرسة، ولعل دولة الإمارات ستركز في السنين القادمة على تأطير الوعاء الثقافي على أن يكون رافداً في تعزيز الهوية الإماراتية وحافظاً للغته العربية ومرسخاً للسجايا الوسطية لديننا الحنيف. قارب يجدِّف في محيط الروائي علي أبو الريش يقول: ما من شك في أن أبوظبي قد أصبحت الآن إحدى عواصم العالم الاقتصادية. وحققت إنجازات كبيرة على هذا الصعيد مسموعةً ومقروءة. غير أن التطور التكنولوجي وحده لا يكفي بالتأكيد، فأية حضارة في الدنيا تبقى ماديةً بالأساس، فإن لم يجر تحصينها بإكسير حضاري تبقى حالها حال الرماد، إذ سرعان ما تذروها الرياح. من هذا المنطلق، نجد انتباهة قوية لفكرة الثقافة في مفهومها العام، خلال السنوات الأخيرة. يكفي أن نتذكر هنا، ذلك الدعم غير المحدود من قبل حكومة أبوظبي للثقافة، إذ لا يتوقف الأمر عند منح الجوائز القيمة على الصعد المحلية والعربية والعالمية، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى تقديم المزيد من التشجيع والتقدير الخاص بالمبدعين بهدف دفع الثقافة، بوصفها شمولية وديناميكية تستهدف تطوير الفرد والمجتمع، باتجاه التجديد والإبداع والتعويل على كل ما من شأنه أن يرسِّخ قيَم الإنسان وتطلعاته وطموحاته. هذه التطلعات الثقافية، باتت سيرورة ثقافية الآن، إذ لم تقف عند حدٍّ ما، لأن الثقافة هنا قد انبنت على أساس الوجدان الإنساني، وما يحتاج إليه هذا الوجدان من غذاء روحي يتماهى والغذاء المادي. واليوم، نرى المؤسسات الثقافية سواء أكانت حكومية أم أهلية، تسير معاً باتجاه ويسند كل منها الآخر في فكرته لتلتف حول عنق ثقافي واحد من أجل تطويقه بقلادة الحياة، ومن أجل المضيِّ به نحو آفاق كونية تكون هي الهدف والغاية لأنه ما من ثقافة تستطيع أن تغرد منفردة ودون التصالح مع الذات أولا ثم مع الآخر. لقد استطاعت أبوظبي، خلال سنوات عشر فأقل، أن تحقق جزءاً مهماً من هذه الطموحات. غير أننا دائماً ينبغي علينا القول إن هذا لا يكفي لأن الثقافة محيط وما نحن إلا قارب يجدف فيه إلى جوار آخرين؛ لذلك لا ينبغي على أصحاب هذا القارب الرضا والاطمئنان إلى أن يكون أداؤه في المستوى القارب البدائي. وما أعنيه أن المطلوب هو التوسّع في الثقافة، بحيث يكون لها المدّ والنفوذ وبحيث تتمكن من أن تبسط سجادتها على الأرض لتكون أشبه بتضاريس الحقل المعشوشب بسنابل الحياة. المشهد جميل ومبشّر الشاعر سالم بوجمهور القبيسي يقول: في هذه السنوات العجاف، والمشهد العربي المرتبك لا يمكن للمرء، إلا أن يثمن ما تقوم به أبوظبي من دور ثقافي.. لا حاجة بنا للقول إن الوضع العام في هذا الكوكب سيئ.. لكن من الضروري القول إنه حين تعلن أبوظبي عن مهرجان للشعر فهذا يعني أنها تتبنى عكاظ العرب. المشهد في أبوظبي جميل ومبشر، وهو بدايات طريق طويل من العمل الثقافي النوعي. هناك في المشهد ما يجعلنا نتوقع مستقبلاً ثرياً على المستوى الثقافي مثل إنشاء المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات ومتاحفها المهمة والضخمة، وهناك استعادة المجمع الثقافي المرتقبة التي ستعزز ألق العاصمة. أنا شخصياً معجب بالمشهد الثقافي في أبوظبي. عليك أن تنظر يميناً وشمالاً لترى أين أنت، تماماً كما نفعل أثناء السياقة، ننظر في المرآة اليمنى واليسرى، وثمة مرآة تكشف لك ما خلفك. نحن في خير ونتمنى الأفضل باستمرار لأننا تعلمنا الطموح، ولولاه لكنا أناساً عاديين في الركب، ولم نحقق مواقع متقدمة في أكثر من مجال. أتمنى أن تكون في أبوظبي والعين والمنطقة الغربية محطات ومؤسسات ثقافية ومجمعات ثقافية، فمن شأن هذا الثلاثي أن يفعّل المشهد الثقافي في كل تجلياته، وهو قادر على ذلك.. هذا بشكل عام، وفي التفاصيل يمكن لهذا التفعيل أن يتم وفق آليات كثيرة منها استضافة الفعاليات التي تقام في أبوظبي في العين والمنطقة الغربية، ولا يخفى ما لهذا من مردود إيجابي سينعكس ثراءً على العاصمة، عروس الإمارات المتألقة، وعلى المناطق الأخرى. أبوظبي تستطيع، وهي قادرة على تفعيل الثقافة في المجتمع، وجذب القطاع الخاص ليكون فاعلاً أكثر في المشهد.. ومثلما نجحت في أن تصنع شاعر المليون يمكنها أن تنجح في صنع قاص المليون ومخرج المليون ومسرحي المليون وهكذا.. ليس بالضرورة أن يحمل الاسم نفسه لكنني أتحدث عن الفكرة ذاتها... ومثلما صنعت مع الرواية يمكنها، وهي قادرة، على أن تصنع من صنوف الإبداع الأخرى. إن المنطقة تنهض، وهي تبشر بخير كثير، ونحن لدينا مثل شعبي يقول: «العون يبغي ماعون»، أي أن الإنسان عليه أن ينظم شؤونه ويعرف كيف يجمع غلاله في سلّته. والغلال كثيرة لكنها تحتاج فقط إلى تنظيم وتنسيق. ولدينا فعاليات ثقافية مهمة، وجميلة، وأفكار متميزة نتمنى أن تنتقل بين مناطق الإمارات كلها وليس أبوظبي فحسب. مطلوب هيئة عليا القاص حارب الظاهري يقول: ثقافة أبوظبي تظل ذات أبعاد ثقافية مهمة بالنظر إلى المساحة الشاسعة للإمارة، مما يتطلب عملاً وجهداً لا يمكن اختزاله في مساحة بعينها، وترك المناطق ذات الأهمية الثقافية مثل مدينة العين التي تزخر بالتراث والتاريخ.. فمدينة كالعين لا بد أن تحظى بالاهتمام النوعي والأمثل. العين مدينة بحاجة إلى تنشيط العمل الثقافي في ربوعها، وبحاجة إلى مبادرات كبيرة، وهنا نشير إلى المشاريع العملاقة في جزيرة السعديات الذائعة الصيت، وهي من مؤشرات الريادة التي تحقق أبوظبي من خلالها تلاقح الثقافة المحلية والعربية مع العالمية، ومن حيث استقطاب الجوائز الأدبية المهمة؛ فالاتجاه إلى العالمية لا يضير الثقافة المحلية، وعني شخصياً، أنا من المهتمين بالاتجاه من الثقافة المحلية إلى آفاق العالمية؛ لأن هذا من شأنه أن يعطيها دلالات أكثر وقعاً، ومثال ذلك الاهتمام بقصر الحصن الذي أبهر الساحة الثقافية المحلية والعالمية. ثقافة أبوظبي تتمثل في جوانب عدة، منها الإعلام والصروح الثقافية والمؤسسات وإداراتها ومنهجيتها، ومن خلال ذلك يتبلور لنا نشاطها وأهميتها لدى المثقف والمتلقي. لذا هناك مسارات ثقافية جميلة وفي المقابل ليس هناك برامج تلفزيونية ثقافية مهمة تسلط الضوء على المنجز الثقافي، وتحاكي نشأة الصروح الجديدة ونسيجها العالمي.. ليس هناك برنامج تلفزيوني يحاور المبدع سواء في الداخل أو في الخارج أو يسطر الأعمال الأدبية كبقية البرامج. نحن أمام صروح عملاقة، لكن بحاجة إلى إدارات مقنعة تنظم العمل الثقافي وتبدع في مخرجاته، وهذا لن يتم إلا بالاعتماد على ذوي الخبرة أيضاً. هناك مؤسسات أو هيئات ثقافية أنشئت، في رأيي بشكل غير مدروس، وهي غير مقنعة ولا أرى أنها تستحق أن تكون ضمن منظومة المؤسسات الثقافية، التي أظن أنها بحاجة إلى هيئة عليا تنظمها وتشرف على أنشطتها سواء كانت خاصة أو أهلية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©