السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جين هيك يبرز دور المسلمين في انتشال القارة الأوروبية من العصور المظلمة

5 سبتمبر 2009 23:22
يكشف جين هيل في كتابه «الجذور العربية للرأسمالية الأوروبية» عن دور الإسلام في إطلاق النهضة الاقتصادية الأوروبية في القرن الثاني عشر، ويظهر أيضا قدرة المسلمين على تحقيق إنجازاتهم التجارية الباهرة في القرون الوسطى المبكرة، لافتاً إلى أنهم كانوا فائقي البراعة في أقلمة عقائد ديانتهم وتركيبها وفق ما يمليه عليهم الواقع الاقتصادي، وهو ما انعكس على الحياة الاقتصادية الأوروبية في فترات لاحقة. ويستند هيل في رؤيته تلك على حجج وقائع تاريخية مهمة، منها: 1- لم يكن المسلمون سبباً وراء دخول أوروبا الغربية في العصور المظلمة من القرن الأول حتى الثالث الهجري (8-9 الميلادي) كما ادعى بعض المؤرخين، بل إنهم بعد عدة قرون من القرن الخامس حتى السابع الهجري (11-13 الميلادي) أمّنوا الطلب الاقتصادي الأساسي بالإضافة إلى العديد من الأدوات التجارية التي ساهمت في انتشال القارة الأوروبية من العصور المظلمة، ومن خلال قيامهم بذلك نُقلت إلى الغرب العديد من أدوات الرأسمالية الحديثة. 2- ازدهرت الدولة الإسلامية، بينما باتت أوروبا الغربية الكارولينجية غارقة في مستنقع النظام الإقطاعي في القرون الوسطى، لا سيما أن الفقهاء المسلمين كانوا أكثر مهارة فكرياً من نظرائهم المسيحيين في تطوير أساسات منطقية تأويلية تكيف عقائدهم الدينية الفردية مع المعاملات الرأسمالية التي تدفع الفائدة (المصنفة عند كليهما تحت خانة الربا) من أجل مواكبة المتطلبات التجارية المعاصرة. 3- حين خرجت أوروبا المسيحية أخيراً من العصور المظلمة كان خلاصها في جزء كبير منه عائداً إلى المتطلبات المتزايدة لتجارة المسلمين، وذلك لأن التجار الأوروبيين استعاروا التركيبات المشتركة والأدوات المصرفية والمعيارية الأخرى التي ابتكرها الفقهاء المسلمون ليكيفوا تحريمهم للربا مع متطلبات السوق في التجارة المتطورة باستمرار. بالتالي نقلت هذه التجارة أول أدواتها الرأسمالية إلى النهضة الأوروبية. ويؤكد الكاتب أن هذا النقل للتكنولوجيا التجارية ولّد بدوره تحولاً اقتصادياً ضخماً، ومع استعادة اقتصاد أوروبا الغربية لدافع الربح عند تجارة المحليين انطلق في القرن الخامس حتى السابع الهجري (11-13 الميلادي) في هيمنة بارزة سهلتها أدوات التجارة الشرقية الأولى التي تحولت لاحقاً إلى أدوات تجارية غربية حديثة. ويوضح هيك أن تلك الإنجازات التي حققها المسلمون لم تكن عرضية ولكن هناك أساسات اجتماعية واقتصادية وجوهرية هي التي جعلت تلك الإنجازات الهائلة ممكنة وهو ما يحاول كاتبنا تفسيره عبر صفحات الكتاب، فنجده يخرج أولاً إلى حالة الركود في أوروبا المسيحية خلال العصور الوسطى ويعمد إلى تفسير العوامل التي دمرت روح العمل في بلاد الغال في العصور الوسطى، ويحددها فيما يلي: - عوامل اجتماعية واقتصادية، مع بداية القرن الثالث الميلادي شهدت الدولة الرومانية تطورات مأساوية على الصعيدين السياسي والمادي، إذ بدأ الوهن والطاعون والحرب الأهلية والتعديات البربرية بأضعاف البنى في كل أنحاء الامبراطورية فأصبح العمل نادراً للغاية، وترك العمال أعمالهم بسبب انعدام الأمن وتراجعت معظم النشاطات التجارية، وفي ذات الوقت تطلب الأمر جيشاً ضخماً ليكبح التهديدات المتصاعدة على الأمن الخارجي، وهو ما تتطلب زيادة الضرائب بأسلوب متزايد السرعة فأصبحت عبئاً مرهقاً. عاصمة جديدة ويضيف الكاتب: فضلاً عن كل ما سبق فقد تلقى اقتصاد الإمبراطورية الرومانية الضربة القاضية على يد قرار قسطنطين الأول في أواسط القرن الرابع الميلادي بإنشاء عاصمة جديدة في القسطنطينية بالتالي قسم الإمبراطورية السابقة إلى قسمين أخذ معه بعض أغنى المقاطعات، منذ ذلك الوقت أصبح سقوط روما مسألة وقت لا أكثر.وفقاً لذلك، وكما يشير الكاتب بحلول القرن الأول الهجري، السابع الميلادي كانت الإمبراطورية الغربية القديمة في المراحل الأخيرة من تفككها السياسي والاقتصادي فقد دُمرت قاعدتها الصناعية بالكامل وبلغ غطائها التجاري حالة يرثى لها. ويعرج جين هيك إلى دور الكنيسة في ذلك التدهور قد بدأ منذ أن صارت الأمور في الكنيسة الغربية خاضعة لتشارلز مارتيل في القرن الثامن الميلادي، هذا الخضوع أدى إلى هلاك أوروبا الغربية بعدما بدأت الكنيسة تدريجياً تلعب دور أكثر قيادية في إدارة الشؤون الدنيوية للدولة. وهذا أدى إلى ظهور دراماتيكي للثيوقراطية في أوروبا المسيحية، ما كان له آثار وتداعيات اجتماعية واقتصادية على مستوى القارة بأسرها، حيث مثلت تلك الثيوقراطية أساسا عقائديا للخراب الاقتصادي القائم على التزام الكنيسة بفضائل الفقر الدائمة وغيرها من النظريات التي أتت على البقية الباقية من الاقتصاد الأوروبي. ويستعرض الكاتب بالتحليل النشاطات الاقتصادية الرنانة التي شهدتها الامبراطورية الإسلامية آنذاك ومفردات الحياة الاقتصادية والتراكمات الكبيرة للرأس مال السائل داخل الأراضي التي تم فتحها مع بروز عدد ضخم من اليد العاملة المنتجة والاقتصادية واحتشاد التجار في المراكز المدينية المتوسعة بسرعة فائقة كل هذا أدى إلى نشوء هياكل أساسية للتسهيلات الصناعية بهدف سد الاحتياجات المتزايدة إلى الأسلحة والأدوات والسلع المنزلية، كما ظهرت الحاجة الماسة إلى المواد الغذائية ما أدى إلى امتلاك العقارات والخوض في مشاريع زراعية تنطوي على المجازفة. بالإضافة إلى ذلك استفادت خدمة التجارة الداخلية كثيراً، حيث تم شراء كميات هائلة من السلع الزراعية بالجملة من منتجين ريفيين من أجل بيعها لاحقاً بالمفرق لأعداد المدنيين المتزايدة. ويعمد جين إلى تناول تطور التجارة الإسلامية في عصر الحلفاء الراشدين ثم الأمويين انتقالاً إلى ذروة التجارة في العصر العباسي، حيث مثلت بغداد نقطة النقاء التجارية العالمية وكانت في موقع مثالي لتشكل مركز ترانزيت ضخما، ومركز حكم آمنا في آن معاً، حيث احتوت الدولة الإسلامية في ذروة العصر العباسي على واحدة من أكبر وحدات الأراضي الواقعة تحت إدارة واحدة وتحت حكم العباسيين. وفي ذلك الوقت انتشرت سريعاً شبكة تجارة دولية ضخمة انطلاقاً من بغداد، وقامت على إرث العقائد الاقتصادية الإسلامية التي أنتجت حصيلة اقتصادية حيوية مكّنت دار الإسلام لاحقاً من أن تكون الدولة التجارية الأكثر ديناميكية وتأثيراً التي عرفها العالم حتى اليوم. ثم يتحدث هيك عن التطبيق العملي لعقيدة السوق الحرة الإسلامية لافتاً إلى أن هناك أدلة مذكورة تؤكد أن دافع الربح كان القوة الفعلية الأولى خلف النجاح المنقطع النظير للهجوم التجاري الإسلامي العالمي، وهو إلهام بشري جوهري يتميز بالرغبة في الحصول على ملكيات خاصة وتحقيق ربح رأسمالي بحسب ما يقول المؤلف، وبسبب هذه الديناميكية التحفيزية الأساسية ازدهرت مجموعة من الأدوات المالية الإبداعية التي تقوم على الشريعة الإسلامية وكانت في حالة تطور مستمر منذ عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أثرت المبادرة الفطرية عند مسلمي القرون الوسطى التي خففها التحريم الديني للعمليات الأولية التي تحمل الفائدة في الارتقاء التجاري لدولتهم أكثر من أي دافع آخر. في ذات السياق يحدثنا المؤلف عن علاقة الإسلام بالانتعاش المسيحي محللاً النهضة الاقتصادية الأوروبية في القرن الخامس الهجري - الحادي عشر الميلادي. حيث شهدت هذه الفترة تغيرات عميقة وتدريجية في النظام الاقتصادي الذي قامت عليه حضارة أوروبا الغربية، فلم تتوسع تجارتها حول حوض المتوسط فقط، بل إلى أبعد من ذلك بكثير فيما ازدادت كميات السلع المتاجر بها ازدياداً ملحوظاً وتبعاً للتحليل الذي انتهى إليه المؤلف فإن المسلمين لجأوا إلى أوروبا نظراً لحاجتهم إلى موارد استراتيجية في ذلك الوقت، لكي يجمعوا المداخيل التي يحتاجونها لتجهيز آلاتهم الحربية والصناعية. يضيف جين هيك، ولكن لهذه التجارة بدورها تأثيرات اقتصادية انعكست على عديد من الدول، ما أدى إلى تغييرات شديدة الأهمية في الثراء النسبي وأساسات القوة التجارية والسياسية في جميع أنحاء المنطقة المتوسطية، وحفزت التجارة المزدهرة مع الدول الإسلامية بشكل كبير، الاقتصاديات الأوروبية الغربية المحتضرة آنذاك، فقد أدت حاجة هذه الاقتصاديات إلى المواد الخام إلى قدوم السفن الغربية إلى المرافئ الشرقية وعوضاً عن العودة إلى موطنهم صفر اليدين، أخذ هؤلاء التجار معهم السلع المصنعة والمنتجات الثمينة وسلع الرفاهية. ثم يستعرض الكاتب التحولات الكبرى التي شهدتها التجارة الغربية، اعتماداً على الممارسة التجارية الشرقية ويوضح ذلك قائلاً: إن التقنيات التجارية الجديدة جداً التي شهدتها أوروبا في القرون الوسطى، ترجع إلى انتصار الأفكار والمصطلحات التجارية التي كان يستخدمها المسلمون، وهو ما يبرهن عليه بأن كثيرا من المفردات التجارية وأسماء السلع الأساسية هناك قد تم تغريبها بما أدى إلى سيادة المفردات والأفكار التجارية العربية.ثم يعود الكاتب ليؤكد أن الشواهد على دور المسلمين في بعث وتجديد النشاط الاقتصادي في أوروبا ماثلة أمام كل من يهتم بدراسة أو قراءة تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، وانتقالها إلى النظام الرأسمالي حتى لو تغافلت ثلة أو كثرة من المؤرخين عن ذلك سعياً لتحقيق أغراض معينة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©