السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ديوان الشعراء السبعة».. المخطوط الذي أثار خلافاً بين علماء الفنون

«ديوان الشعراء السبعة».. المخطوط الذي أثار خلافاً بين علماء الفنون
5 سبتمبر 2009 23:17
لم تتوقف عناية المسلمين بتزويق المخطوطات عند المؤلفات المعروفة للعلماء والأدباء بل امتدت أيضا إلى نسخ وتزويق مخطوطات هي في حقيقتها مجرد مقتطفات من أعمال أدبية متفرقة ذاع صيتها إلى الدرجة التي حاول معها بعض النساخ إنتاج مخطوطات تجمع بين دفتيها مختارات منها ترضي رغبات القراء وتلقي رواجا بينهم• وقد تفردت بلاد فارس بهذا النوع من المنتجات الشعرية خصوصاً مع ازدهار الشعر الفارسي وزيادة الطلب على النسخ المخطوطة من دواوين كبار الشعراء من أمثال الفردوسي وحافظ الشيرازي وخواجي كرماني• وشهد العصر التيموري إقبالا غير مسبوق على اقتناء مخطوطات تحوي مختارات من الشعر الفارسي ولعل أكثرها انتشارا نسخة من ديوان شعري يجمع بين دفتيه أشعار سبعة من أكبر شعراء الفرس ولذا صارت هذه النسخ تعرف بديوان الشعراء السبعة• ومن أوائل هذه المخطوطات وأكثرها إثارة للجدل بين العلماء مخطوط يحتفظ به متحف الفن التركي والإسلامي باسطنبول وقد نسخه في المحرم من عام 801هـ «1398م» الخطاط منصور بن محمد بن عمر بن بختيار من بهبهان بكوهي جيلوي وبهبهان هي مدينة صغيرة في جبل كوهي جيلوي غربي أقليم فارس على الطريق بين الاحواز وشيراز• مناظر طبيعية واحتوى المخطوط على اثنتي عشرة صورة كلها مناظر طبيعية تخلو من رسوم الإنسان أو الحيوان فيما عدا الصورة الأخيرة التي تمثل منظرا للاحتفال بمقدم أحد الأعياد• وذلك ما دفع العالم التركي محمد أغا أوجلو الى القول إن الصورة الأخيرة اقحمت على المخطوط في وقت لاحق، بينما يرى الدكتور حسن الباشا أن المصور لم يرسم هذه المناظر الطبيعية كمسرح للحوادث البشرية ولكنه رسمها لذاتها وهو ما يذكرنا بصور المناظر الطبيعية المرسومة بالفسيفساء في الجامع الأموي بدمشق• وهذه الرسوم بمخطوط ديوان الشعراء السبعة عبارة عن مناظر طبيعية تتكون من عناصر ووحدات ممثلة بطريقة اصطلاحية وموزعة توزيعا زخرفيا جميلا، وتوحي هذه الرسوم بأن مصورها أراد أن يمثل جمال الطبيعة حسبما يحب ويهوى وربما أراد أن يحاكي نظم الشعراء للكلمات بنظم للعناصر النباتية في لوحة خيالية يصعب أن تجتمع عناصرها في الطبيعة• جدل حاد وقد أثارت هذه الرسوم الطبيعية جدلا حادا بين علماء الآثار والفنون وخاصة بشأن هوية منفذها• فذهب أوجلو إلى القول إن المصور ليس سوى أحد الرهبان ونفذها في محاولة منه للرمز لعقيدة «الخورنة» وهي من عقائد الفرس القدماء وقد ظلت حية إلى أن ظهرت فكرة الحلولية التي يؤمن بها بعض المتصوفة وكان لها انتشار واسع في إيران• وعلى طرف النقيض من هذا الرأي يعتقد إيفان شتوكين أن هذه الصور قد أضيفت جميعها إلى المخطوط بعد وصوله الى تركيا في العصر العثماني وبالتحديد في عام 1570م• حين كانت المناظر الطبيعية شائعة في الصور العثمانية• ويدلل شتوكين على صحة رأيه بأن هذه المناظر طغت عليها الروح التركية اذ رغم اشتمالها على عناصر منقولة من الفن الفارسي مثل شجرة السرو والأشجار المثمرة فإن هناك الأشجار ذات الأوراق التي تشبه المراوح النخيلية وهي حمراء في لون الأرجوان والكروم المتسلقة على شكل لولبي والعصافير التي تتوج الفروع وايضا الهضاب ذات القمم المستديرة التي تحيط بها أشرطة عريضة، فضلا عن تكوين اللوحة الذي يضع النبات في مستويات متدرجة كما يضع الألوان الهامسة الرقيقة وهذه كلها خواص ينفرد بها الأسلوب الفني للتصوير العثماني• اما الدكتور ثروت عكاشة فيميل إلى الاعتقاد بأن المصور ينتمي الى إيران في القرن التاسع الهجري ولا يرجح أن الصور قد اضيفت الى المخطوط في تركيا ولكنه خلافا لرأي اوجلو يرى المصور مسلما خاصة ان الإسلام في تلك الفترة كان قد توطد في إيران منذ عدة قرون فعاشت مبادئه وتقاليده في وجدان أهلها• ولا يستبعد الدكتور عكاشة أن يكون الفنان المسلم سواء كان فارسيا أو تركيا قد استوحى ببساطة آيات القرآن التي وردت فيها أوصاف الجنة واستطاع أن يجسدها بخياله الزخرفي الخصيب في هذه التصاوير التي توضح روعة الخلق• ومن صور هذا المخطوط واحدة لمنظر طبيعي يحتوي في المقدمة على تل يشاهد وراءه سفح قليل الانحدار، ينتهي في مؤخرة الصورة بثلاث تلال صغيرة وينساب من سفح هذه التلال مجرى من الماء يصب في بركة صغيرة، وتحف بالمجرى أعشاب مائية وتنتشر فوق التلال أنواع مختلفة من الأشجار مثل النخيل والسرو وغيرها وتتميز هذه التصويرة بخلوها تماما من الكائنات الحية• ومن أجمل صور مخطوط ديوان الشعراء السبعة صورة تجسد منظرا طبيعيا من أسفل الصورة الى أعلاها قوامه ثلاث تلال ذات حواف مستديرة أوسطها هو أكبرها ويشاهد نهر يتدفق من أعلى مقدمة الصورة على هيئة حرف «s» اللاتيني حيث يصب في بحيرة داكنة الزرقة تسبح فيها أوزات بيضاء مزركشة بالأحمر والأزرق وتنتهي البحيرة في أحد طرفيها إلى جدول ماء يتلوى لينتهي في يسار النصف الخلفي من الصورة إلى بحيرة رصعت حافتها بأحجار ذهبية اللون عليها خطوط حمراء• الشباب والخلود ويلاحظ في مقدمة الصورة انتشار أشجار السرو المخروطية بقممها المدببة ونظرا لخضرتها الدائمة فهي ترسم للدلالة على الشباب المتجدد والخلود أيضا وقد وزعها المصور في إيقاع متناغم رشيق ولونها باللون البني المتعدد الدرجات بالإضافة الى أربع أشجار ذات سيقان وتم رسمها جميعا بطريقة اصطلاحية لتمثيل أنواع مختلفة من الأشجار المثمرة أشجار الخوخ والمشمش واللوز والبرقوق• ولم يفت الفنان أن يوازن في توزيع وحداته فكما رسم الأوزات في مقدمة الصورة عاد ليرسم بأعلي الشجرة التي تتوج التل الأوسط بعض الطيور المزخرفة• وفي صورة ثالثة من هذا المخطوط نرى التلال الثلاث التي اعتاد الفنان رسمها ولكنه هنا لونها جميعا باللون الأصفر بينما يتدفق نهران من أعلى ليلتقيا معا في مجرى واحد بحيث يصبان في بحيرة اسفل الصورة• وبوجه عام رسمت المياه باللون الفضي بينما استخدم اللون البنفسجي الفاتح للتعبير عن السماء• والصور تتشابه في أفكارها العامة وتجسد جانبا مهما من المفردات الفنية التي امتاز بها فن المنمنمات الإسلامية• وقد جاءت بقية النسخ المخطوطة من ديوان الشعراء السبعة حافلة بالتصاوير الآدمية والمناظر المفعمة بالحركة مثلما نرى في تصاوير مخطوط من هذا الكتاب محفوظ في متحف جلبنكيان في لشبونة عاصمة البرتغال ومنها تصويرة رائعة تمثل الاسكندر الاكبر وهو يأسر دارا ملك الفرس ويسوقه ذليلا في القيد•
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©