الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبد الوهاب المؤدب سفير الذاكرة العربية في الفضاء الأوروبي

عبد الوهاب المؤدب سفير الذاكرة العربية في الفضاء الأوروبي
27 يونيو 2016 23:35
محمد عبدالسميع ( الشارقة) تشبع عبد الوهاب المؤدب بثقافات غربية متنوعة، فلم تمنعه النشأة الدينية من التأثر بالثقافة الغربية في شبابه، عندما فتح لنفسه نافذة للمعرفة على أعمال «ديدرو وبودلير وأبولينير»، وهذه الثقافة المزدوجة هي ما ميزته بعد ذلك في المشهد الفرنكفوني، عندما اختار باريس مقراً له، حيث كان يتقن العربية والفرنسية بنفس الدرجة تقريبا، إلى جانب اطلاعه على الثقافة الشرقية بقدر اطلاعه على الثقافة الغربية. وكان المؤدب يرى نفسه استثناء داخل المشهد الفرنكفوني، ما دفع به ليكون سفيراً للذاكرة الشرقية داخل ذلك الفضاء الأوروبي، شأنه شأن صاحب «الهويات القاتلة» أمين معلوف في الأدب، ويرجع ذلك إلى هواياته المتعددة وازدواجية اللغة (عربي وأوروبي وتونسي وفرنسي). ولم تقتصر إسهامات المؤدب الفكرية على الشعر والرواية، وهي من الأجناس الأدبية التي كتب فيها، واعتنى بها ترجمة وتدريساً وتحليلاً، بل امتدت إلى مجالات الكتابة أو المحاولة النقدية، التي مكنت المؤدب من صياغة مستحدثة لتقليد «أدب العالم» الألماني، من خلال تسليط الضوء على الخلفيات التنويرية التي تمخضت عنها في التراث العربي الإسلامي، «نصوص ابن عربي نموذجاً». وقد كان المؤدب ينتهج في بحوثه منهجاً «جينيالوجياً» عابراً للتاريخ والنصوص والثقافات، مستعيناً بأدوات النقد الثقافي، لبلورة شعرية وجمالية مخصوصتين: شعرية «العبور والترحال» التي لا تعترف بالقوالب الجاهزة، وجمالية «عابرة للفنون» لا تعتني بالنص الأدبي، إلا بالقدر الذي تضيئه الفنون التشكيلية، وتعيد صياغة رهاناته مع بقية الممارسات الفنية المعاصرة له. ويلاحظ أن السؤال الرئيسي الذي نظم خيوط مشروع المؤدب الفكري: ماذا يعني أن يكون عرب اليوم عاجزين عن معاصرة العالم، أي أنفسهم؟ وقد ظل المؤدب مفكراً محل ريبة، ولا تستقبل كتاباته الفكرية – وحتى السياسية ــ بالكثير من الحفاوة في الوطن العربي، فسرعان ما يثار حول مؤلفه وابلٌ من النقد، بعضه موجه إلى الأفكار، وكثيره موجه للشخص، فهو إما معادٍ للإسلام من قبل البعض، أو أن أفكاره غير أصيلة ولا مجددة. وكان عبد الوهاب المؤدب من أهم وأبرز دعاة التنوير في الإسلام، ومن المثقفين العرب المقيمين في الغرب، الذين يستطيعون المساهمة في تحريك عجلة التاريخ إلى الأمام، بفضل الأوراق الكبيرة التي يمتلكونها، أولها تواجدهم في بلاد ديمقراطية، تؤمن حرية التفكير والبحث والنشر للجميع، وهذا ليس متوافراً في معظم بلادنا. وأصدر عبد الوهاب المؤدب عدة كتب عن قضايا العالم العربي ومشكلة الأصولية، كان من أهمها كتابة عن «مرض العالم الإسلامي»، بالإضافة إلى عشرات المقالات والمقابلات في الصحف الفرنسية والعربية والعالمية. ويشير هذا المفكر في كتابه «مرض العالم الإسلامي» إلى أن العالم الإسلامي يعاني حالياً من مرض عضال، وأكبر دليل على ذلك انتشار الحركات المتطرفة بشكل مقلق، ويدعو إلى الدهشة والاستغراب. وفي حواراته وتعليقاته المختلفة وصف المؤدب التفجيرات الانتحارية بأنها غريبة على التراث الإسلامي، فهو لم يعرفها في تاريخه. صحيح أنه حصلت عمليات اغتيال بالسلاح الأبيض لبعض رجال السلطة من قبل طائفة الحشاشين في فترة من الفترات، ولكنها لم تكن تؤدي إلى سقوط مدنيين عديدين، كما يحصل الآن جراء العمليات الانتحارية، ولم تكن تستهدفهم أصلاً. وهذا أكبر دليل على أن العقليات عندنا أصبحت بحاجة إلى التنوير الفكري والتربية الصحيحة والتعليم الرشيد، فالجهل أصل كل الشرور والمفاسد، ومادام عاماً طاغياً، بل وتغذيه المدارس والجامعات وخطب الجمعة، وبرامج التعليم المتخلفة، فلا حلَّ ولا خلاص. وقد آن الأوان لأن يكنس العالم الإسلامي أمام بيته قبل أن يتهم الآخرين. من كل هذا يتضح مدى تمتع عبد الوهاب المؤدب بعقلانية راجحة وثقافة مميزة، مستخدما نقده لكل ما هو شاذ ودخيل على الإسلام والعرب، داعيا إلى التنوير والتحرر من التطرف والإرهاب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©